الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

(اعتبار المَصلحة مُقدَّم) و(المشقة تجلِب التيسير).. أبرز القواعد المنظمة لفتاوَى التكافل (المؤشر العالمى) يُحلّل فتاوَى التكافل والعمل الخيرى

لا تزال الفتوَى هى المحرك الأساسى فى الحراك المجتمعى؛ خصوصًا فى مجال العمل الخيرى، الذى تتبناه الدولة وتعطيه أولوية فى الفترة الحالية.. وفى هذا الإطار كشف المؤشر العالمى للفتوَى، التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، أن الشريعة الإسلامية حثّت على التكافل الاجتماعى والتضامن والعمل الخيرى. مشيرًا إلى أنه قام برصد عيّنة من الفتاوَى فى هذا الإطار قوامها (750) فتوَى رسمية وغير رسمية خلال 3 أعوام تتعلق بجميع مَحاور التكافل المجتمعى فى الإسلام، وكذلك مبادرات العمل الخيرى للدول والجمعيات الأهلية وما إلى ذلك.



 

وأوضح مؤشر الفتوَى أن الفتاوَى الخاصة بالتكافل والتراحم والعمل الخيرى ارتكزت على عدة قواعد فقهية وأصولية، كان أبرزها: (اعتبار المَصلحة مُقدَّم)، و(درء المفاسد مُقدَّم على جلب المَصالح)، و(المشقة تجلب التيسير)، و(العبادة المتعدية أفضل من العبادة القاصرة) و(الضرر يُزال).. إلخ.

وحول الموضوعات المتعلقة بفتاوَى التكافل والعمل الخيرى، أشار مؤشر الفتوَى إلى أنها دارت حول ستة مَحاور تضمنت شرائح المجتمع المختلفة؛ داخليًّا وخارجيًّا، بداية من الجيران والفقراء والمحتاجين وأبناء الوطن الواحد، مرورًا بالمرأة المطلقة والأرملة والطفل وذوى الأرحام، فضلًا عن محاربة الشائعات ودعم رجال الأمن الذين يهبون حياتهم فى سبيل رفعة أوطانهم وبلادهم، وصولًا إلى رعاية وكفالة المتضررين والمنكوبين واللاجئين فى أى مكان بالعالم، والذين تقطعت بهم سُبُل الحياة جراء الصراعات السياسية أو الظواهر الكونية التى تحدث خارج إرادة الإنسان.. 

حق الجار والفقير وأبناء الوطن الواحد

وقد جاء فى مقدمة المَحاور الخاصة بالعمل الخيرى والتكافل فتاوَى (حق الجار والفقير والتكافل بين أبناء الوطن الواحد)، وذلك بنسبة (28 %)، فقد وردت فتاوَى عدة أوجبت على المسلم عدم إيذاء الجار، كما بينت أن الجار يشمل المسلم وغير المسلم والحُر والعبد والغنى والفقير والقريب والأجنبى والقاصى والدانى والأفراد والجماعات، كما يشمل جار السكن وجار الصحبة وجار الطريق وجار العمل وجار المسجد، فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»، أى أذاه. وعموم لفظة «بوائقه» يشمل هنا كل أذى أو اعتداء يُحدث تلوثًا أو تشويهًا فى البيئة الإنسانية، سواء كان بصريًّا أو ضوضائيًّا أو إشعاعيًّا أو هوائيًّا أو غير ذلك، كما يشمل أيضًا الأذى المادى والمعنوى.

وفى حق التكافل والتضامن مع أبناء الوطن الواحد جاءت فتاوَى عدة، منها جواز تخصيص جزءٍ من مال الزكاة فى مساعدة الغارمين، دون النظر إلى ديانتهم، والمساهمة بتحسين الخدمات التعليمية، وعمل مشاريع استثمارية وإنتاجية من أموال الزكاة بشرط تحرّى مَصلحة الفقراء فى إقامتها وتمليكها لهم. وبمناسبة شهر رمضان؛ أظهرت الفتاوَى أن شُنَط رمضان مظهرٌ مباركٌ مِن مظاهر التكافل الاجتماعى، وبيّنت أن الأصل فى الزكاة أنْ تُعطَى للفقير مالًا، فإذا أُريدَ إعطاؤها إياه على هيئة مواد غذائيةٍ يجب أن يُراعَى فى ذلك ما يحتاجه الفقير حاجةً حقيقيةً؛ لا أن تُشتَرَى أى سلعٍ رخيصةٍ لتُعطَى له كيفما اتفق، فمشترى هذه السلع مِن الزكاة هو فى الحقيقة كالوكيل عن الفقراء فى شراء ما يحتاجونه، فإذا ألزمهم أن يأخذوا ما لا يحتاجونه فهذا يجعل الأمر بعيدًا عن مقصود الزكاة، وتكون حينئذٍ مِن الصدقات والتبرعات. 

وجاء فى المرتبة الثانية فتاوَى (التكافل والتضامن الأسَرى ورعاية وحقوق الأبناء والأطفال)، وذلك بنسبة (22 %) من بين جميع فتاوَى التضامن والعمل الخيرى، وأورد المؤشر فتاوَى كثيرة تحض على رعاية الإنسان لأهله ووالديه وإخوته وزوجته وأولاده؛ بل رعايته لكل ذوى أرحامه، قال تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)، 

أمّا عن رعاية وحقوق الأبناء والأطفال؛ فقد وردت فتوَى مهمة لفضيلة المفتى الأستاذ الدكتور شوقى علام أكد خلالها أن الشريعة الإسلامية أوجبت على الآباء والأمهات رعاية أبنائهم، وأن هذه الرعاية تكون بحُسن تنشئتهم على محاسن الأخلاق والآداب الحسنة، والاجتهاد فى حمايتهم من التأثر السلبى فى أخلاقهم، وعاداتهم، وتصرفاتهم، وذلك بوضعهم تحت الرعاية الدائمة نُصْحًا وتوجيهًا.

التكافل المتعلق بالدفاع عن الوطن 

وجاء فى المرتبة الثالثة بنسبة (20 %)، فقد بينت دار الإفتاء المصرية أن التكافل لدعم أبطال القوات المسلحة والشرطة فى حروبهم لحماية تراب الوطن ومواجهة جماعات الإرهاب والضلال واجب شرعى أولًا ووطنى ثانيًا، كما أكد شيخ الأزهر الشريف دعمه وتضامنه مع رجال القوات المسلحة والشرطة فى معركتهم ضد الإرهاب. مؤكدًا أنهم يقفون مع أبطال الجيش والشرطة الذين يدفعون أرواحهم ودماءهم يدًا بيد، ويساندونهم بسلاح الكلمة والفكر للقضاء على الإرهاب واقتلاعه من جذوره.

أمّا الطريق الثانى الخاص بالتكافل لدعم الاقتصاد الوطنى فكان محاربة الفتاوَى الرسمية المصرية للتعاملات غير الآمنة والمقوّضة لاقتصاديات الدول، مثل العملات الافتراضية والمشفرة كالبيتكوين وغيرها، كما دعت كثيرًا إلى الحد من بعض التعاملات غير الشرعية والتى تكون بعيدًا عن الجهات المختصة، مثل احتكار العملات الأجنبية والتجارة فيها بعد ارتفاعها مؤخرًا، كما حرّمت الاحتكار وطالبت بكبح جماح المحتكِرين كونهم يعسّرون على الناس حياتهم ومعيشتهم.

رعاية ذوى الهمم والأيتام

وانتقل المؤشر العالمى للفتوَى إلى محور التكافل والتضامن مع فئة مهمة، وهى فئة ذوى الهمم وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وهو المحور الذى جاء فى المرتبة الرابعة بين فتاوَى التكافل والعمل الخيرى بنسبة (15 %)؛ حيث لفت المؤشر إلى أن الشريعة الإسلامية ضمنت منذ الأزل الحقوق الفردية والجماعية لتلك الفئة؛ بهدف حصولهم على كل مستحقاتهم فى الحياة، كما انسجمت التكاليف الشرعية الخاصة بهم مع قدراتهم الخاصة، ما يبُرهن على أن الدين الإسلامى كان له قصب السبق فى ضمان حقوق الإنسان، أى إنسان.

ولا أدَل على ذلك من رَفْع الحرج فى كثير من العبادات والواجبات عن أصحاب الهمم، سواء كانت إعاقتهم جسدية أو ذهنية أو كلتيهما معًا؛ فقد قدَّر الإسلام أعذارهم، فأسقط عنهم الكثير من التكاليف الشرعية؛ سواء كانت فرائضَ وواجباتٍ أو سُننًا ونوافل؛ قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ).

كما أظهرت الكثير من الفتاوَى الدعم المعنوى اللازم لهم، ومن ذلك فتوَى دار الإفتاء المصرية القائلة بأن السخرية والاستهزاء من ذوى الهمم والاضطرابات النفسية أمرٌ مذمومٌ شرعًا ومَجَرَّمٌ قانونًا؛ وذلك لما يشتمل عليه من الإيذاء والضرر، إضافةً لخطورته على الأمن المجتمعى من حيث كونه جريمة؛ والشريعة الإسلامية إنَّما جاءت لحث الناس على مكارم الأخلاق والبعد عن بذىء الأقوال والأفعال.

أمّا عن الأيتام فأشار المؤشر إلى عدة فتاوَى قالت بوجوب دعمهم ورعايتهم والإنفاق عليهم، وجواز إنفاق زكاة المال على مصروفات تعليمهم، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)، وقوله تعالى: (كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ)، وفى الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين»، وأشار بإصبعيه: السبابة والوسطى. 

وحول التكافل لرعاية الأرامل والمُطلَّقات فجاء بنسبة (10 %) بين فتاوَى التكافل والعمل الخيرى؛ حيث نصّ كتاب الله تعالى على حقوق للزوجة المطّلقة يجب على الناس أن يراعوها ويحافظوا عليها حفاظًا على نقاء المجتمع واستقامته، ومنها ألا يمنعوها من حقّها فى الزواج، سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها، إذ إن الله تعالى نهى عن عضل النساء، أى منعهن من الزواج؛ حيث قال الله عز وجل: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، البقرة 232، وعليه قضت فتوَى دار الإفتاء المصرية بأنه لا يجوز منع المرأة من الزواج بالزوج اللائق بها.

وبيّن المؤشر أن الأصل فى زواج المرأة المطلقة أو المتوفَّى عنها زوجها الإباحة، وقد ورد عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، (فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ) رواه البخارى. وعليه؛ أوجبت الفتاوَى على المجتمعات الإسلامية والأشخاص الابتعاد عن ظلم النساء عمومًا، والمطلقات والأرامل خصوصًا، وإعطاءهن حقوقهن التى أوجبها الله لهنّ.

رعاية اللاجئين 

وجاء فى المرتبة الأخيرة محور (رعاية اللاجئين والنازحين والمنكوبين) بنسبة (5 %)، فقد أكدت الفتاوَى أنه يجوز إعطاء اللاجئين؛ سواء أكانوا مسلمين أمْ غير مسلمين، من الصدقات النقدية ومن الأضحية أيضًا، كما يجوز عمل صندوقٍ وقفىّ يُصرف من ريعه عليهم، تعليمًا وسكنًا وعلاجًا وانتقالًا داخل البلاد وخارجها.

كما أوضحت الفتاوَى أنه يجوز إعطاء الزكاة للمسلمين منهم دون غيرهم؛ لأن شعيرة الزكاة تختص بالمسلمين دون سواهم، وقولنا: يجوز، لا يعنى عدم المسارعة فى هذا الواجب الاجتماعى؛ بل ينبغى على كل قادر أن يساهم فى ذلك مساهمةً تناسب قدراته وما يطلبه من خير وجزاء عند الله تعالى، وأورد المؤشر فتوَى أخرى قضت بجواز إخراج الزكاة لإغاثة أهل فلسطين بالغذاء والدواء والكفالة التامة لما يحقق لهم الحياة الكريمة فى شئونِهم كلِّها، خصوصًا التعليم والصحة والأمن.

وأثناء جائحة كورونا العالمية، التى مثلت نكبة وجائحة عالمية عام 2020، قالت دار الإفتاء المصرية إنه يجوز إعطاء الزكاة لغير المسلمين من المواطنين المحتاجين إلى العلاج أو الوقاية من تلك الجائحة وغيرها من الأمراض وكذلك فى كفايتهم وأقواتهم وسد احتياجاتهم؛ أخذًا بظاهر آية الزكاة الكريمة التى لم تفرّق بين مسلم وغير مسلم، وعملاً بمَذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى إجرائه أموال الزكاة لسد حاجة غير المسلمين من مواطنى الدولة آنذاك، وهو مَذهب جماعة من السلف الصالح وبعض فقهاء المَذاهب المعتبرين.