الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. نحو اجتهاد لاهوتى وقانونى إنسانى جديد.. قانون الأسرة للمسيحيين.. طموحات وأمنيات!

مصر أولا.. نحو اجتهاد لاهوتى وقانونى إنسانى جديد.. قانون الأسرة للمسيحيين.. طموحات وأمنيات!

تُعَد قضية الأحوال الشخصية من أهم القضايا الخلافية التى تمس استقرارَ العلاقات داخل الأسر المصرية سواء المسيحية أو الإسلامية، لأنه لا تزال ثقافتنا تعتبر أن المرأة مِلْكية خاصة لأبيها قبل الزواج ثم لزوجها، ثم لابنها تدريجيًا، وتصل فى بعض الأحيان إلى سيطرة وتحكم زوج الابنة. وقبل ذلك كله نظرة العقلية الذكورية النفعية والاستهلاكية للمجتمع فى التعامُل مع المرأة باعتبارها سلعة للتداوُل.



نتفق جميعًا أن العلاقات العاطفية هى مسألة معقدة جدًا فى تحديد ملامحها؛ خصوصًا إنسانيًا ونفسيًا، وفيما يخص الأحوال الشخصية للمواطنين المسيحيين المصريين.. تباينت مواقف اللاهوتيين والقادة الدينيين فيما يخص هذه العلاقة فى الممارسات الحياتية بتحدياتها. ومع رصد ملاحظة ربما يكون لها أهمية، وهى عدم مشاركة المرأة فى التسلسل الهرمى لرجال الدين المسيحى (الكهنوت)، كما أنها لم تسهم أو تشارك فى صياغة ما يتعلق بالإيمان والعقيدة المسيحية التى اقتصرت على الرجال فقط.

تفرض قضية الأحوال الشخصية.. طرحَ بعض الإشكاليات التى تحتاج إلى اجتهاد لاهوتى يراعى فيه الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والقانونية.. فى «قانون الأسرة للمسيحيين» المرتقب صدوره رسميًا قريبًا.. على غرار:

الإشكالية الأولى: مدَى اعتراف الكنائس المصرية (خصوصًا الأرثوذكسية) بزواج الطوائف المسيحية التى يعترف بها القانون المصرى، والمشاركة فى الإعداد للقانون الجديد. ويبقى السؤال الذى يحتاج إلى اجتهاد حقيقى فى كيفية الإقرار بصحة إجراءات الزواج وطقسيته (مَراسمه الدينية) لهذه الطوائف بالرّغم من وجود تبايُنات واختلافات فى شكل الزواج وأسباب الطلاق من جهة، وعدم وجود سر الزيجة بطقوسه ومراسيمه عند الكنيسة الإنجيلية المصرية مثلًا من جهة أخرى؟ وما يتبع ذلك من أحكام نص القانون الجديد على إغلاق باب تجارة شهادات تغيير المِلّة وبيعها والتربُّح منها، والتى استغلها البعضُ لسنوات طويلة. وهو ما يعنى أهمية أن يحدد القانون.. وجوبَ تطبيق شريعة الزواج فى حالة اختلاف طائفة أحد الطرفين بعد الزواج. وهو ما من شأنه الحد من الكيانات الوهمية التى تدّعى شرعيتها كطوائف مسيحية مستقلة.

 

الإشكالية الثانية: يتزوج العديد من المواطنين المسيحيين المصريين من أبناء المَهجر؛ خصوصًا الذين وُلدوا فى الخارج طبقًا لقوانين الدول التى يحملون جنسيتها، وهم جميعًا يخضعون للقانون المدنى، ويقتصر عَقد الزواج الكنسى باعتباره مجرد إجراء شكلى لا يؤثر على قانونية هذا الزواج وشرعيته. وترتب على ذلك أن هناك العديد من الحالات الذين انفصلوا، وتم الطلاق مَدنيًا لأسباب غير الزّنَى.. واستطاع بعضهم الزواج كنسيًا مرّة أخرى داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية الموجودة فى هذه الدول، والتى يرأسها أسقف أرثوذكسى مصرى خاضع للكنيسة الأرثوذكسية فى مصر. وذلك مع العلم أن الأسقف الأرثوذكسى هناك لا يستطيع قانونيًا منعهم من الزواج.. حتى لو طلق قبل ذلك. وهو ما يطرح سؤالاً أساسيًا: هل تختلف قوة الأسرار ووحدتها مثل سر الزيجة فى تطبيق الكنيسة الأرثوذكسية «الجامعة» المصرية بين داخل مصر وخارجها؟ 

 

الإشكالية الثالثة: كيف ستتعامل الكنيسة مع المتزوجين مدنيًا؛ خصوصًا من المواطنين المسيحيين المصريين من أبناء المَهجر.. دون أن ينطبق عليهم مفهوم «الزّنَى»؟ وما هو موقف الكنيسة فى حالة إذا أراد المتزوجون مَدنيًا أن يتزوجوا كنَسيًا؟ وهل ستقوم الكنيسة بقبولهم أمْ سترفضهم؟ وما هو موقف الكنيسة.. لو أراد المتزوجون مَدنيًا.. أن يقوموا بتعميد (طقس كنسى يَنسب الإنسان إلى المسيحية) أبنائهم؟.. وهل ترفض الكنيسة أمْ توافق؟ وكيف سترفض إذا كان هؤلاء المتزوجون مدنيًا مسيحيين من الأصل؟ وماذا إذا كتب الأبوان (مسيحى) فى شهادة ميلاد أبنائهم؟ وكيف يمكن أن نحكم على أبنائهم دون أى ذنب اقترفوه.. سوى أن نحمّلهم ما فعله آباؤهم؟ كما أن وصف المتزوجين مدنيًا بأنه «زنَى» هو أمرٌ مهينٌ على مستويات عدة إنسانيًا واجتماعيًا.. فهل يمكن أن يكون للكنيسة موقف إيجابى منهم لكى لا نتركهم هكذا دون أى مرجعية؟

 

الإشكالية الرابعة: مدَى اهتمام القانون الجديد بالنص بوضوح على الخطبة وإجراءات العدول عنها بإعلان الطرف الثانى، وانتهائها لغياب أحد الطرفين لمدة زمنية محددة، واستحقاقات التعويض. وانحلال الزواج والتطليق وبُطلان الزواج، وعدم قصر الطلاق على سبب الزّنَى كسبب وحيد. واستحقاق تعويض أحد الزوجين من الطرف الثانى فى حالة ثبوت أن التطليق وانحلال الزواج أو البُطلان.. حدث بسبب خطأ منه. وإضافة مواد خاصة بالأطفال فيما يخص حقوق الرؤية والاستضافة والرؤية.

 

الإشكالية الخامسة: مدَى إلزام.. نص القانون الجديد على استعانة المحكمة برأى الرئاسة الدينية فى دعاوى التطليق وبُطلان وانحلال الزواج.. متى طلب أحدُ الخصوم ذلك. ومدى إلزام الرئاسة الدينية بإبداء الرأى فى مُدة محددة لتحقيق العدالة الناجزة. وتحديد ما إذا كان هذا الرأى ملزمًا للمحكمة أمْ استرشاديًا. وهو ما يتطلب وجود نص واضح فى القانون بالعقوبات فى حالة مخالفة تنفيذ مواد وأحكام قانون الأسرة للمسيحيين.  

الإشكالية السادسة: مدَى تضمين القانون الجديد لقضية المواريث، والنص على مساواة الرجُل بالمرأة فى الميراث. وتطبيق الشريعة المسيحية فى المنازعات والقضايا المتعلقة بتوزيع الميراث بين المواطنين المسيحيين المصريين من طائفة وملة واحدة؛ اتساقًا مع العديد من الأحكام القضائية التى صدرت فى الفترة الأخيرة.

الإشكالية السابعة: وهى فكرة طالبتُ بها كثيرًا، وهى أن يتضمن القانون الجديد قيام الدولة بتسجيل الزّى الكهنوتى لرجال الدين المسيحى المصرى بشكل قانونى على غرار الزّى الأزهرى لكى تساعد أبناءها من المواطنين المسيحيين المصريين فى عدم الوقوع فى شرك بعض الكهنة (المشلوحين) أو (الموقوفين) من الكنيسة، والذين يقوموا بالتزويج وإتمام المراسم الدينية رُغْمَ كونهم من غير المصرّح لهم بذلك فى مقابل مَبالغ مالية تتراوح حسب الفئة الاجتماعية التى ينتمى إليها طالبُ الزواج.

 طموحات مَدنية

إصدار «قانون الأسرة للمسيحيين» هو بداية مَسيرة حل مشاكل الأحوال الشخصية. وإن كنت أتمنى فى المستقبل القريب إصدار قانون مدنى موحد للأحوال الشخصية؛ يؤكد على حقوق المواطنة، وينظم لعلاقات الأسرة المسيحية المصرية سواء كانت مسيحية أو مُسلمة بنصوص واحدة تراعى الآراء المدنية المستنيرة من جانب، واحتياجات العصر من جانب آخر. بمعنى أن يتضمن القانون أحكامًا مشتركة لجميع المواطنين (المسيحيين والمُسلمين) المصريين.. مما لا خلاف عليه، وذلك على غرار: الرضاء بالزواج، وواجبات الزوجين، والعلاقة بأطفالهم. ثم تفرد أحكامًا للمسيحيين تفترق عن أحكام المسلمين فى مسائل على غرار: انعقاد الزواج والطلاق، وتعدد الزوجات والميراث والتبنّى. وهو ما يتفق مع الرأى الجرىء الذى طالب بجعل المراسيم الدينية تتم بعد الزواج المدنى.

 نقطة ومن أول السطر

لم تضع العقيدة المسيحية.. أحكامَ شريعة تطبّق على أتباعها. وأعتقد أن شريعتها الوحيدة هى المَحبة والغفران. وهو أمرٌ يتطلب أن نجد اجتهادًا لاهوتيًا جديدًا للتعامل مع هذه المشكلات دون التنازل عن القيم الإنسانية ودون إهمال للثوابت اللاهوتية والعقيدية؛ تجنبًا للصدام بين الدينى والمدنى؛ خصوصًا أن الزواج فى أساسه هو علاقة اجتماعية إنسانية بالدرجة الأولى.. كما أن مشكلات الأحوال الشخصية هى واحدة من أهم المشكلات التى تواجه المواطنين المسيحيين المصريين.

دون شك؛ أنا ضد الدولة الدينية وضد السُّلطة الدينية، ومع الدولة المدنية التى تعلى من قيمة العقل المنهجى الذى يدعم كل ما يتعلق بحقوق المواطن المصرى. كما أؤكد على أهمية أن يكون القانون هو الحاكم الفيصل. وإذا كنا نختلف على بعض التفاصيل حسب حيثيات كل منّا وأسبابه.. غير أننا نتفق على أهمية أن نخضع جميعًا للقانون المدنى المصرى الذى لا يخالف تعاليم دين أىّ منّا؛ خصوصًا أن تفسير النصوص المقدسة هو عمل بَشرى.. فنصوص الكتاب المقدس لا تطبق نفسها بنفسها؛ بل يقوم البَشر بمحاولة فهمها وتفسيرها وتطبيقها بمجهود عقلى؛ يهدف إلى الوصول إلى المعنَى الحقيقى لهذه النصوص.