الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الإعلام الدينى للجمهورية الجديدة.. تسليع الدين على شاشات الفضائيات السوداء!

مصر أولا.. الإعلام الدينى للجمهورية الجديدة.. تسليع الدين على شاشات الفضائيات السوداء!

أعتقد أن أحد أهم حصاد 2022 على مستوى المشهد الإعلامى هو ظهور قناة القاهرة الإخبارية وأول قناة وثائقية مصرية ليس فقط لكونهما أحلامًا تمناها كل من يهتم بالشأن العام، ولكن أيضًا لكونها تعبيرًا عن حالة الاستقرار والمهنية التى طالما عانينا من افتقادها. وسيظل هذا الإنجاز.. تجربة متميزة بالتقييم والتطوير المستمر المواكب للأحداث والتطورات.. لاستشراف سيناريوهات الريادة بتفاصيلها المعقدة.



 

ولذا.. أتمنى أن يترتب على تلك الإنجازات الإعلامية لثورة 30 يونيو.. النظر فى مشهد الإعلام الدينى المصرى الذى ما زلت أعتقد أنه كان أحد أهم الأسباب للتمهيد لحالة الفوضى التى وصلنا إليها فى أحداث 25 يناير 2011. 

بدأ الإعلام الدينى من خلال الكنيسة والمسجد باعتبارهما الوسيلة التقليدية الوحيدة والمباشرة. وسرعان ما تطور الأمر بإصدار بعض الجرائد والمجلات ذات الطبيعة الدينية، ثم تطور الأمر إلى وجود برامج إذاعية وتليفزيونية، وتخصيص صفحات دينية أسبوعية إسلامية وبعدها بسنوات صفحات مسيحية.. بدأتها «روزاليوسف» فى تطبيق عملى للمواطنة وتبعها آخرون، ثم وجود قنوات فضائية ومواقع للتواصل الاجتماعى والميديا الجديدة. ولم يكن الإعلام الدينى فى مجمله بوجه عام.. يخضع لأى ضوابط قانونية أو مهنية. 

إن أخطر ما واجهناه بعد أن تجاوز الإعلام الدينى المحدودية إلى انتشار التأثير فى الوعى العام المصرى.. أن وقعت بعض وسائل الإعلام الدينى فى فخ التحريض الطائفى وازدراء الأديان. كما أنتجت فئة جديدة كتبت عنها كثيرًا، وهى «شيوخ الستالايت وكهنته» فى إشارة إلى ظاهرة الدعاة الجدد ورجال الدين الديجيتال الذين اعتبروا أنفسهم وكلاء السماء الحصريين على الأرض لصناعة الفتاوى.. فجاهدوا فى سبيل إثبات الهوية الدينية بادعاء الحفاظ عليها ومواجهة الإلحاد بالمزيد من التشدد والتعصب والتطرف لحد الهجوم على كل من يخالفهم أو على الدين الثاني وازدرائه، وهو ما أسهم فى تأجيج المناخ.. لتطييف المجتمع المصرى من جانب، وإضفاء الشرعية الدينية بتفسير وتأويل النصوص الدينية على عكس حقيقتها من جانب آخر. 

والنتيجة النهائية هى تحول غالبية وسائل الإعلام الدينى من التواصل والتسامح وقبول الاختلاف إلى الصراع ونبذ الحوار وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والتحريض الطائفى والإنسانى، وإعلاء النعرات الفاشية الدينية فى مقابل تراجع النزعة الوطنية المصرية.

 فضائيات سوداء

الإعلام الدينى مفهوم ملتبس وفضفاض إلى حد كبير، ولكن يمكن تحديد هدفه بشكل أساسى فى بناء علاقات مرتكزة على أسس الاحترام المتبادل، وترسيخ قواعد العيش المشترك، وشيوع ثقافة حرية المعتقد. وهو ما يتم من خلال إنتاج محتوى دينى والترويج له باستضافة رجال الدين من أصحاب الكاريزما والعلم والمعرفة.

تاريخيًا.. ظهرت القنوات الفضائية المسيحية.. لسد فراغ عدم الاهتمام الإعلامى بالمواطنين المسيحيين المصريين، وقصر توجيه محتوى دينى لهم من القنوات التليفزيونية الفضائية الرسمية والخاصة على إذاعة قداسات (صلوات) الأعياد.. فضلًا عن التعتيم فى تناول الأزمات والتوترات الطائفية والتهوين منها. وهو ما تغير تدريجيًا بعد ثورة 30 يونيو.. لتعود الأمور إلى سياقها الطبيعى.

قبل أحداث 25 يناير 2011، وبعيدًا عن التعميم المخل.. قامت العديد من قنوات الإعلام الدينى ووسائله ببث خطاب الكراهية والتطرف.. فى توظيف الدين لصالح أهداف وأجندات فى سياق.. تنافس شرس لاستقطاب المشاهدين من المؤيدين والموالين.

وهو ما يطرح سؤالًا مشروعًا: إذا كان الإعلام من أهم مصادر تشكيل الوعى.. فهل نجح تنوع قنوات الإعلام الدينى ووسائله فى زيادة مساحات الحرية والتنوع.. أم رسخ حالة اختلاف التوجهات والرسالة التى ينشرها ويروج لها حسب رؤية من يمتلك تلك القنوات أو يمولها؟ 

إن واقع الإعلام الدينى يؤكد أن بعضه قد تحول فى وقت ما من وسيلة توعية إلى أداة للتوظيف الدينى للإعلام تارة، واستغلال الإعلام للدين تارة أخرى.. وفى كل الأحوال دفع المجتمع ومن قبله المواطن المصرى ثمنًا باهظًا بعد تزييف وعيه الوطنى لصالح أفكار بدوية صحراوية تكرس الفاشيات الدينية. 

ولذا.. كتبت على صفحات «روزاليوسف» وصفًا حصريًا لبعض هذه القنوات تحديدًا وليس جميعها.. بأنها قنوات فضائية طائفية أو بمعنى أدق «القنوات الفضائية السوداء».. المتخصصة فى تأجيج المناخ الطائفى.. لكونها لا تعمل لصالح الدين.. بقدر ما تعمل لصالح تحقيق الأزمات والتوترات بوسائل إعلامية سريعة الانتشار وشديدة التأثير.

 إلى أين؟

وصل حال غالبية وسائل الإعلام الدينى لحالة من التحيزات الطائفية التى تحولت مع مرور الوقت إلى مؤثرات سلبية على المنظومة الإعلامية كلها. وهو ما يمكن رصده من فقد غالبيتهم للشرعية القانونية فى الترخيص والبث، وضعف بوصلة المهنية فى التناول والحوار والنقاش، ومحدودية الرؤية فى مناقشة بعض القضايا.. مع الافتقاد للجرأة والصراحة والوضوح، وتكرار البرامج على نفس الوتيرة والمنهج والعجز عن مواكبة الأحداث، وضعف التمويل المادى، وعدم وجود متخصصين فى الإعلام الدينى.

ترتب على كل ما سبق، تراجع جودة محتوى غالبية وسائل الإعلام الدينى لصالح التعصب الدينى والتشدد الفكرى والعنصرية والتنمر، وعدم اتساقه مع منظومة المواطنة المصرية، والفشل فى المواجهة.. ليكون إعلامًا مناهضًا للطائفية وعدم ترسيخها.

 أمنيات إعلامية

بداية خطوات ضبط الإعلام الدينى هى مواجهة «سبوبة» النصب على المواطنين باسم الدين من خلال كل تلك القنوات الدينية.. خاصة غير معلومة الهوية والمصدر. أعلم جيدًا أن غلق أى قناة دينية.. سيتم تفسيره واستغلاله ضد الدولة. رغم أن القانون يعطى الحق للمجلس الأعلى للإعلام طبقًا للقانون رقم 180 لسنة 2018 بوقف أى مذيع أو برنامج من العمل، وتغريمه فى حالة بث محتوى يتضمن انتهاكًا للمواثيق الإعلامية أو القانون. والحالة الوحيدة التى يمكن وقف قناة.. هى مخالفة شروط الترخيص، وفى هذه الحالة يتم سحب الترخيص ومنع القناة من العمل.

تحول الإعلام الدينى من الفعل والتأثير الإيجابى إلى القول والتوجيه السلبى فقط، وهى الحالة التى تنتج ألغامًا دينية إعلامية فى سبيل تسليع الدين وتسويقه ضمن منظومة الاستهلاك اليومى.

 معايير مهنية مفتقدة

1 – الالتزام بالقيم والمبادئ الإنسانية بترسيخ احترام قبول الاختلاف واحترام كل طرف لمعتقدات الطرف الثاني، وعدم الإساءة القولية والفعلية له.. من خلال قواعد يجب التمسك بها. كما أن الإعلام الدينى.. لا يعنى مطلقًا التعارض مع التمسك بالمهنية التى تقتضى الفصل التام بين ما هو دينى وما هو إعلامى وسياسى. وعدم توظيف أيهما لصالح المجال الثانى.

2 - لا يعنى وجود قنوات دينية فضائية متشددة.. تهاجم عقيدة الدين المغاير لها.. أن يكون الرد بالمقابل فى الهجوم على عقيدتها.. والأفضل بالطبع التمسك بنبذ التمييز الدينى الإعلامى.. الذى يكرس الطائفية البغيضة والسجال الدينى بين أبناء الوطن الواحد. ونشر ثقافة السلام والتسامح والمساحات القيمية المشتركة بين الأديان.

3 – التفرقة بين قنوات دينية بالمعنى الدقيق.. أى قنوات متخصصة فى شرح شئون العقيدة والطقوس والعبادات والأركان، وبين قنوات لها صبغة دينية.. ولكنها تتناول الشأن السياسى والاجتماعى.. لأن فى الخلط بينهما مأساة كبرى.. يحمل انعدامًا للمسئولية المجتمعية.

4 – حظر تقديم محتوى طائفى أو تحريضى أو أفكار ازدراء بحيث تكون المرجعية الأساسية هى التزام الوطنية بأقصى درجات الحرية فى التناول والنقاش بما لا يتعارض مع الأمن القومى المصرى.. حتى لا تتكرر مأساة أحداث 25 يناير 2011.

5 – إسهام الإعلام الدينى فى دعم تجديد الفكر الدينى بهدف الإصلاح المستمر للمؤسسة الدينية بتوجهاتها وأفكارها الوطنية. وهو فى اعتقادى أحد أهم المعايير.

 نقطة ومن أول السطر..

أعتقد أنه فى ظل الإنجازات الإعلامية فى مجال ترسيخ مكانة وريادة مصرية جديدة.. يجب أن يكون لدينا إعلام دينى منضبط من خلال إعادة النظر فى جميع القنوات الفضائية الدينية (المسيحية والإسلامية) المصرية لتنظيمها وتقنينها حسب القوانين المنظمة، وكمرحلة يتبعها ضبط المحتوى الدينى ليتسق مع مكانة الكنيسة والأزهر باعتبارهما من أهم مؤسسات المجتمع المصرى وأعمدته دينيًا وثقافيًا ووطنيًا.. كمرجعية مفترضة لا خلاف عليها.

متى يكون لدينا قناة مصرية واحدة.. تقدم القيم والمثل العليا للأديان؟

فى الطريق.. تحقيق حلم الدولة المدنية.