الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الدولة الآمنة.. كيف أعادت مصر تشكيل صورتها الذهنية؟

الدولة الآمنة.. كيف أعادت مصر تشكيل صورتها الذهنية؟

تَدْخل الدُّوَلُ فى سباق مَحموم لبناء «صورة ذهنية إيجابية» لها، تلك الصورة هى القاعدة التى تبنى عليها الدولة علاقاتها الخارجية، وقوتها على المسرح الدولى، وتنطلق منها جاذبيتها للاستثمار والسياحة وقدرتها على التأثير، وعلى الرّغم من غموض مفهوم الصورة الذهنية والخلط الذى يحدث بينه وبين العديد من المَفاهيم الأخرى، مثل سمعة الدولة، والعلامة الوطنية للدولة، وغيرها؛ فإن جميع المفاهيم تتفق على أن «صورة الدولة» تتكون فى الغالب دون وجود معلومات واقعية ودون احتكاك مباشر أو دراسة مقصودة لواقع الدولة وسياقاتها، وهو ما أكد عليه الكاتب الصحفى الأمريكى والتر ليبمان عام ١٩٢٢، فى كتابه «الرأى العام»، والذى قدّم فيه مفهوم الصورة الذهنية لأوّل مَرّة، وأكد فى بداية حديثه على أن: «العالم الذى نعيش فيه لا يمكن الإحاطة بكل ما يجرى فيه مباشرة عن طريق حواسّنا، لذا يتجه الإنسانُ نحو اكتشاف العالم عن طريق التصوُّر والتخيُّل، فيتعلم أن يرى بعقله وخياله جزءًا كبيرًا من هذا العالم الكبير الذى لا يستطيع رؤيته بعينه».. ومن هنا يمكننا بناء تصوُّر عن المقصود بمفهوم الصورة الذهنية للدولة، وكيف تنفق الدول ملايين الدولارات على شركات العلاقات العامة، والمؤسَّسَات الدولية التى تشرف على إصدار التقارير التقييمية وتشكل المؤشرات القياسية التى يتم الاعتماد عليها فى بناء الصورة الذهنية للدولة.



ماذا فعلت مصر إذن؟

المُتتبعُ لما شهدته مصر من أحداث خلال السنوات العشر الماضية، سيلحظ ما مرّت به صورتها الذهنية من تحولات سريعة وراديكالية؛ إلا أن جميع هذه التحولات وحتى سنوات قريبة وضعت مصر فى قائمة الدول غير المستقرة، تصاعَدَ انتشار هذه الصورة الذهنية السلبية بعد سقوط حُكم الإخوان وما تبعه من عمليات إرهابية انتقامية عمّت أرجاء مصر برعاية الجماعة؛ لتسقط مصر فى دائرة العنف المفرغة، وتتصدر الصحف المَحلية والدولية بأخبار ومانشيتات حول هجمات إرهابية وعمليات تخريبية وتفجيرات تقع هنا وهناك، فى هذا الوقت لم تعمل مصر على محاولة بناء صورتها الذهنية فى الخارج، وانشغلت بمحاولة استعادة الاستقرار بحربها العَصيّة على الإرهاب والتى انتصرت فى نهايتها؛ لتعلن الانطلاق والتحوُّل إلى مَرحلة التنمية والبناء، تخلل المَرحلتين مرحلة أخرى وسيطة حاولت خلالها أطرافٌ دولية فرضَ عُزلة دولية على مصر بإجراءات عقابية جائرة، وحملات إعلامية دولية مموَّلة، طال هذا التمويل مؤسَّسَات دولية تساهم فى تشكيل الرُّؤَى والرأى العام الدولى، والتى كان نتيجتها وضع مصر على قمّة الدول التى تعانى من التهديدات الإرهابية، سَيْل من التقارير التى تصوّرها وكأنها دولة تقف على حافة الفوضى والانهيار، لقد كان التحدى عظيمًا والإجراءات التى اتخذت لمواجهته مؤلمة، ولكن العاقبة بالنتائج.

لقد أرغمت مصرُ العالمَ على إعادة تشكيل صورتها الذهنية، من دولة غير مستقرة لدولة آمنة، ونموذج وقِبْلة ومَقصد، وأرض تحتضن العالم.. مصرُ الآن تقف لتمثل نموذجًا لجدوَى إعلاء قيمة الاستقرار والمثابرة بهدف الوصول إليه، يقول الباحثون إن: «إعادة تشكيل الصورة الذهنية للدولة عملية طويلة الأجَل يمكن مقارنتها بمشروع جماعى لا يؤدى إلا إلى نتائج على المدَى الطويل، ويتطلب استراتيچية واضحة، وخطة للعمل والتنسيق وتكريس الجهد»، ولكن مصر حطمت القاعدة ونجحت فى تغيير صورتها الذهنية فى زمن قياسى؛ لتمثل نموذجًا لإرادة الدول، وتحديًا للنظريات القائمة التى تفرض وجود جهود متعمدة وموجّهة ومكلفة لإعادة تشكيل صورة الدولة.. لقد فعلتها مصرُ بثقة وفرضت على العالم مُعادلتها للصمود والنهوض والاستمرار.