السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. 45 عامًا.. من التشكيك والتخوين السادات فى إسرائيل والطيب فى إيران!

مصر أولا.. 45 عامًا.. من التشكيك والتخوين السادات فى إسرائيل والطيب فى إيران!

هل يحتاج أتباع الأديان إلى الحوار؟ 



هل تحتاج الثقافات المتعددة إلى الحوار؟

الطبيعى هو نبذ الخلافات والاتفاق على المساحات المشتركة من أجل مصلحة الإنسان.. ولكن ما يحدث من التوظيف السياسى للدين أو استغلال السياسة بالاعتماد على المرجعية الدينية هو ما يفسد أى حوار.. لكون هذا الاستغلال والتوظيف.. يفرض نوعًا من عدم السماحة التى تزداد خطورتها عندما تختلط بعوامل سياسية يتم توظيفها بأشكال متعددة.

ولكن تظل مبادرات الحوار ودعواته هى الأصل لتجاوز الصراعات والأزمات.

منذ 45 عاماً مضت.. قال الرئيس الراحل أنور السادات فى خطابه أمام مجلس الشعب فى 9 نوفمبر 1977: «أنا أقول فعلًا.. مستعد أن أذهب إلى آخر هذا العالم.. وستدهش إسرائيل عندما تسمعنى أقول الآن أمامكم أننى مستعد أن أذهب إلى بيتهم.. إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم». وهى الزيارة التى ألقى فيها خطابه الشهير أمام أعضاء الكنيست الإسرائيلى فى 21 نوفمبر 1977، وكان بداية الطريق لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام سنة 1978. 

45 سنة مرت على رؤية السادات الثاقبة فى اتخاذ قرار السلام، والتفاوض على استرداد الأرض. ورغم ذلك لم يتعلم البعض من تجارب الماضى العملية، وما زالت القضية الفلسطينية محط اهتمام وتفاوض واستفادة ومساومة للدرجة التى رسخت الاعتقاد فى أن استمرار الحال كما هو عليه.. هو نوع من الاستفادة الشخصية للبعض.

ينطبق ما سبق، ولكن بشكل مغاير مع الخلافات بين أتباع الأديان والصراع بينهم.. باعتبار كل طرف يعتقد تماماً أنه يملك المطلق الدينى وأن غيره على خطأ ليس فقط.. ممن هم على دين ثان، ولكن حتى من هم على الدين الواحد نفسه. ولذا أهتم كثيراً بدعوات الحوار.. خاصة بين أتباع الأديان. ومن هنا كان اهتمامى بتوقيع وثيقة «الإخوة الإنسانية» بأبو ظبى (الإمارات) فى 4 فبراير 2019، ثم ملقتى البحرين للحوار الذى عقد فى 3 و4 نوفمبر 2022 تحت شعار «الشرق والغرب من أجل التعايش السلمى». واللذين عقدا بحضور ورعاية البابا فرانسيس الثانى «بابا الفاتيكان» والدكتور أحمد الطيب «شيخ الأزهر».

اللافت للنظر فى ملتقى البحرين هو دعوة البابا فرانسيس بتحويل الإنفاق العسكرى الضخم إلى استثمارات لمحاربة الجوع ونقص الرعاية الصحية والتعليم على مستوى العالم من جانب. وانتقاد د. أحمد الطيب احتكار الثروات وتجارة الأسلحة الثقيلة والفتاكة وتصديرها لدول العالم الثالث.. واصفاً ما حدث للعديد من شعوب العالم بأنهم «ضحايا حروب اقتصاد السوق» من جانب آخر.

فاجأ د. أحمد الطيب حضور الملتقى وممثلى الأديان من 79 دولة على مستوى العالم بتوجيه نداء إلى علماء المسلمين فى العالم كله على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم إلى الإسراع بعقد حوار إسلامى – إسلامى جاد من أجل إقرار الوحدة والتقارب والتعارف، ومن أجل الإخوة الإنسانية.. على أساس نبذ أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفى.

وقال شيخ الأزهر الشريف بوضوح: «هذه الدعوة إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشيعة، فإننى على استعداد ومعى كبار علماء ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثل هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معاً على مائدة واحدة.. لتجاوز صفحة الماضى وتعزيز الشأن الإسلامى ووحدة المواقف الإسلامية التى تتسم بالواقعية، وتلبى مقاصد الإسلام وشريعته، وتحرم على المسلمين الإصغاء لدعوات الفرقة والشقاق، وأن يحذروا الوقوع فى شرك العبث باستقرار الأوطان، واستغلال الدين فى إثارة النعرات القومية والمذهبية، والتدخل فى شؤون الدول والنيل من سيادتها أو اغتصاب أراضيها».

جرأة دعوة د. أحمد الطيب.. تذكرنى بجرأة الرئيس السادات. وفى سبيل ذلك، أؤكد على أن الحوار بين أتباع الأديان (المسيحى – الإسلامى) أو بين أتباع الدين الواحد.. أصبح من أكثر القضايا الخلافية جدلاً، لعدة أسـباب منها: رفـض البعـض الاعـتراف بهذا الحـوار وعدم الاقتناع به، لتصور مسبق بالشك فى أنه سيؤدى - فى نهاية المطاف - إلى تنازل أحد الطرفين عن ثوابته، فى مقابل تأكيد ثوابت الطرف الثانى، بينما يخاف منه البعض.. لاعتقادهم أنه مؤامرة تهدف إلى تذويب الفوارق بين الأديان، رغم أنه فى حقيقة الأمر حوار بين أتباع الأديان، أو أهل الإيمان من الأديان، على اعتبار أن الأديان فى حد ذاتها لا تتحاور.

ولذا يظل التحدى هو استمرار الحوار، ومحاولة تجاوز أى خلاف بالتفاوض، والاتفاق على المزيد من المساحات المشتركة لأجل الإنسان وصالح مستقبله. ويظل أكبر تحد فى دعوة شيخ الأزهر للحوار بين السنة والشيعة هى منطلقات وثوابت هذا الحوار وقواعده لتحقيق الهدف المرجو منه.. مثلما فعل الرئيس السادات من أجل الوصول إلى كامب ديفيد.. لأنها فى كل الأحوال دعوة مقدرة من رأس أكبر مؤسسة سنية إسلامية على مستوى العالم. وهى دعوة فى حالة الاستجابة الحقيقية لها.. ستكون مسارًا جديدًا فى العلاقات الدولية.

فى كلمته، أمام ملتقى البحرين لحوار الشرق والغرب، أكد د. أحمد الطيب على: «حاجة الغرب إلى حكمة الشرق وأديانه وما تربى عليه الناس من قيم خلقية، ونظرة متوازنة إلى الإنسان والكون وخالقِ الكون، وهو فى حاجة إلى روحانية الشرق، وعمق نظرته إلى حقائق الأشياء، وإلى التوقف طويلاً عند الحكمة الخالدة التى تقول «ليس كل ما يلمع ذهباً»، بل إن الغرب لمحتاج إلى أسواق الشرق وسواعد أبنائه فى مصانعه بإفريقيا وآسيا وغيرهما».

ولقد كنت أتمنى أن يستكمل شيخ الأزهر دعوته بحاجة علمائنا ومفكرينا ومثقفينا وساستنا العرب.. إلى التطور الغربى فى مجال الحقوق والعلوم والاختراعات التى تهدف تقدم الإنسان فى العالم، والاستفادة من تجربة أوروبا والغرب فى الفصل بين ما هو دينى وما هو سياسى، ودعم أسس الدولة المدنية الحديثة التى تركز على قوة القانون ونزاهته، ونفاذ العدالة بين جميع المواطنين.

الشرق ليس أفضل من الغرب، والغرب ليس أفضل من الشرق.. فلكل منهما سماته المتميزة التى من الممكن أن ننتقى منها الأفضل لكى يمثل الشرق والغرب.. وجهين لعملة واحدة هى «الإنسانية».

قطعاً كما قال شيخ الأزهر نقلاً عن تودوروف تزفيتان «المفكر الفرنسى المعاصر» فى كتابه «الخوف من البرابرة» بأنه لا يمكن اعتبار الثقافة الغربية وحدها ذات طابع حضارى، وأنها المعيار الذى تتحدد به ثقافات الآخرين. 

ولكن العكس صحيح أيضًا. 

الشرق يتميز بالروحانية، ولكنه يتميز أيضًا بالتدين الوهمى والمزيف.. نحرم بعض التصرفات والأفعال علناً، ونمارسها ببراعة واحترافية فى الخفاء. نظهر بقناع التقوى والورع والحكمة، ونتصرف بما يحقق مصالحنا الشخصية بكل الوسائل غير الشرعية.

نعتمد الشكل الذى يراه بنا المجتمع بارتداء الأقنعة البراقة.. وحقيقة الأمر أننا نستحل كل القيم والمثل العليا والأعراف فى سبيل الوصول لأهدافنا.. وربما تكون معاناة المرأة العربية والتمييز ضدها نموذجًا دالًا وصريحًا على تلك الانتهاكات الإنسانية التى تتم ضدها باسم الدين أحياناً، وباسم القيم والعادات والموروثات أحياناً أخرى.  

نقطة ومن أول السطر..

الأديان لا تتحاور، بل الحوار يتم بين أتباع الأديان.. سواء المتدينون منهم أو غيرهم. وهو حوار حول القيم والمبادئ الإنسانية الواحدة فى الأديان، وليس حواراً عقائدياً لأن العقيدة من الثوابت التى لا تتغير ولا يمكن النقاش فيها أو التنازل عنها أو الجدل حولها لأنها من المطلقات الإيمانية فى كل دين. 

الفصل بين ما هو دينى وما هو سياسى.. فريضة إنسانية.

ويظل فتح باب الاجتهاد الفكرى والدينى هو السبيل الوحيد للحفاظ على الإنسانية واستمرارها.