الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. التقرير الذى نبَّه لمستقبل الأمن القومى المصرى.. 50 سنة على إصداره ومناقشته.. رؤية من قريب!

مصر أولا.. التقرير الذى نبَّه لمستقبل الأمن القومى المصرى.. 50 سنة على إصداره ومناقشته.. رؤية من قريب!

هل يتذكر أحدٌ منّا الآن لجنة تقصّى الحقائق التى تم تشكيلها سنة 1972 لبيان حقيقة المتغير الذى طرأ بوضوح على المجتمع المصرى حينذاك من توترات طائفية وأزمات دينية.. تكاد أن تعصف بالأمن القومى لهذا الوطن.



ترى؛ هل نتذكر تلك اللجنة؟، وهل يتذكرها مثقفونا ومفكرونا وكتابنا وسياسيونا وأحزابنا ونوابنا؟ ولماذا لا نعيد قراءتها فى ظل ما طرأ على المجتمع المصرى من متغيرات وتحديات؟..

ويذكر؛ أنه قد تشكلت لجنة فى شهر يوليو 2006 لتقصّى الحقائق حول أحداث الإسكندرية الطائفية التى اندلعت صباح يوم الجمعة 14 أبريل 2006، وسط الاحتفالات بالعديد من المناسبات الإسلامية (المولد النبوى الشريف) والمسيحية (أحد السعف، وعيد القيامة المجيد، وعيد شم النسيم) والوطنية (الاحتفال بتحرير سيناء) حينذاك؛ حيث قام شابٌ شاهرًا سيفين أمام كنيسة القديسين بسيدى بشر، واعتدى على ثلاثة أشخاص، أحدهم سقط قتيلاً وأصيب الآخران.. على خلفية مسرحية تم عرضها داخل الكنيسة عام 2003 بعنوان (كنت أعمى والآن أبصر)، والتى تقدم شخصية شاب مسيحى مصرى يتحول إلى الإسلام، ثم يعود للمسيحية مرّة أخرى. وهو ما أدى إلى بداية لسلسلة من عدم الاستقرار المجتمعى بالإسكندرية.

 بين لجنتين

لجنة أحداث الإسكندرية لم يكن لها أى تأثير حقيقى، وإلى الآن.. لم تشكل أى لجنة برلمانية وتشريعية بهذه القوة على مَرّ التاريخ.. على غرار لجنة تقصّى الحقائق لمجلس الشعب 1972، والتى أصدرت تقريرها الشهير الذى أطلق عليه البعض تقرير «العطيفى».

أستدعى إعادة قراءة هذا التقرير الآن بمناسبة مرور 50 سنة على تشكيل اللجنة وإصدار تقريرها الشهير فى مثل هذه الأيام فى شهر نوفمبر 1972. وقد كان هذا التقرير نتاجًا للمناخ الدينى المتأزم بين المواطنين المسيحيين والمسلمين المصريين؛ حيث أصدر مجلس الشعب- بناءً على طلب من الرئيس الراحل أنور السادات- قرارًا بجلسته المنعقدة بتاريخ 13 نوفمبر 1972 بتشكيل لجنة خاصة لإظهار الحقائق وبيانها حول الأحداث الطائفية التى وقعت حينذاك فى منطقة الخانكة فى 6 نوفمبر 1972. وقد تشكلت اللجنة برئاسة د.جمال العطيفى وكيل المجلس، وعضوية كل من: محمد فؤاد أبوهميلة وألبرت برسوم سلامة وكمال الشاذلى ود.رشدى سعيد وعبد المنصف حسن حزين والمهندس محب أستينو.

ورُغْمَ أن قرار تشكيل اللجنة كان منوطا به بشكل أساسى إظهار الحقائق فى أحداث منطقة الخانكة؛ فإن اللجنة قد تناولت فى تقريرها ذلك الحادث باعتباره مثالاً يعبر عن مناخ غير صحى، ثم جاوزته بتناول العلاقات بين مكونات الشعب المصرى، وما يهدد الوحدة بينهم من خلال تحليل الواقع وتقديم مقترحات مستقبلية محددة لعلاج هذا المُناخ المتأزم. 

الطريف فى الأمر، والذى تم تسجيله فى محتوى التقرير عن أن اللجنة قد بدأت عملها باجتماع عقده د.جمال العطيفى مع نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية والنائب العام حينذاك فى صباح اليوم التالى فقط لصدور قرار تشكيلها من مجلس الشعب للوقوف على ظروف ما حدث. وقد قدّم د.جمال العطيفى «مقرر اللجنة» تقريرًا للنتائج التى وصلت إليها اللجنة المذكورة بتاريخ 26 نوفمبر 1972 (أى بعد 13 يومًا فقط من قرار تشكيل اللجنة)؛ حيث تم عرضه على مجلس الشعب بتاريخ 28 نوفمبر 1972 حسبما جاء فى المضبطة الرسمية للجلسة الثالثة عشرة لمجلس الشعب.  

 التقرير المزور

أخذت لجنة تقصّى الحقائق على عاتقها أن تسجل شهادات وترصد أحداثًا وتقوم بعقد مقابلات مع جميع الأطراف ذات الصلة بالقضية لكى تصل للحقيقة الكاملة. وهو ما سجله التقرير من خلال وقائع حوادث الخانكة حسبما تمّت. وعبورًا فوق تفصيلات كثيرة جدًا رصدها التقرير، نتوقف هنا أمام القسم الثانى فى التقرير، والذى تحدث عن «مقدمات أسباب حوادث الإثارة الطائفية»؛ حيث تحدّث عن تقرير مزور- حسبما يؤكد تقرير لجنة تقصّى الحقائق- نسب صدوره لجهات الأمن الرسمية عن اجتماع عقده الراحل البابا شنودة الثالث فى 15 مارس سنة 1972 بالكنيسة المرقسية بالإسكندرية. والذى أوحى بأن هناك مخططاً لدى الكنيسة من أجل أن يتساوى المسيحيون بالمسلمين فى مصر من حيث العدد، بالإضافة إلى السعى من أجل إفقار المسلمين وإثراء الشعب المسيحى المصرى لكى تعود البلاد إلى أصحابها المسيحيين من أيدى الغزاة المسلمين.. 

 قانون الوحدة الوطنية

وكنتيجة طبيعية لهذا المُناخ الدينى المتأزم الذى أصبح من الخطورة على تماسُك المجتمع المصرى، دعا الرئيس الراحل أنور السادات إلى عقد مؤتمر عام للاتحاد الاشتراكى العربى فى دورة انعقاده فى 24 يوليو سنة 1972 ليبحث فى قضية واحدة فقط هى «الوحدة الوطنية». وخلال جلسات المؤتمر أعلن الرئيس السادات أنه سيدعو مجلس الشعب لدورة طارئة لكى يشرع قانونًا للوحدة الوطنية. وهو ما حدث بالفعل من خلال دعوته لدورة انعقاد غير عادية فى شهر أغسطس 1972؛ حيث تم إعداد مشروع قانون لحماية الوحدة الوطنية. وقد أكد القانون على أن الوحدة الوطنية هى القائمة على احترام المقومات الأساسية للمجتمع كما حددها الدستور، ومنها على وجه الخصوص حرية العقيدة وحرية الرأى بما لا يمس حريات الآخرين أو المقومات الأساسية للمجتمع. 

حصر تقرير لجنة تقصى الحقائق لسنة 1972 الأسبابَ التى تعمل على تأجيج المُناخ الطائفى بين المصريين فى ثلاث قضايا أساسية، هى: الترخيص بإقامة الكنائس، والدعوة والتبشير، والرقابة على نشر الكتب الدينية. وذلك على النحو التالى:

 أولاً: الترخيص بإقامة الكنائس

خضوع تنظيم إقامة الكنائس أو تعميرها أو ترميمها لأحكام الخط الهمايونى الذى صدر سنه 1856، ومن بعده لائحة وكيل وزارة الداخلية العزبى باشا، وهى المعروفة بـ(الشروط العشرة لبناء الكنائس) التى صدرت فى شهر فبراير سنه 1934، وهى تعتمد على نصوص الخط الهمايونى.  والتى جعلت كل ما يخص الكنائس يرتبط بقرار جمهورى بداية من بناء الكنائس، ومرورًا بترميمها، وصولاً إلى ترميم أو بناء (دورة المياه) أو غرفة حارس الكنيسة. ثم صدر القرار الجمهورى رقم 13 لسنه 1998 بتفويض المحافظين، ثم تلى القرار السابق، قرارٌ جمهورى جديد تحت رقم 453 لسنه 1999 بتاريخ 28 ديسمبر سنه 1999. ثم جاء القرار رقم 291 لسنة 2005، والذى ينص على تفويض المحافظين فى الموافقة على بناء أو إقامة أو إجراء تعديلات أو توسعات فى كنيسة قائمة. وأخيرًا؛ تم غلق هذا الملف الشائك بإصدار القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن تنظيم بناء وترميم الكنائس.

 ثانيًا: الدعوة والتبشير

رصدت اللجنة أن هناك عددًا كبيرًا من المساجد لا يخضع لإشراف وزارة الأوقاف. وبالتالى؛ لا يوجد بها من يحمل مسئولية التعليم والإرشاد. وما يترتب على ذلك من انتقاص قيمة التوجه الدينى وضعف الثقة برسالة المساجد.. وهو الأمر الذى تم تداركه منذ بداية تولى الرئيس السيسى المسئولية وجهود وزارة الأوقاف بضم المساجد والزوايا الخاصة لإشراف الوزارة عليها. وهو ما ينطبق أيضًا على الكهنة فى الكنائس.. حسب التقرير.

غير أن مسئولية متابعة أدائهم وواجباتهم تقع على عاتق البطريركية أو المطران المختص ليمكن مراجعتهما عند رصد أى تجاوز.

 ثالثًا: الرقابة على نشر الكتب الدينية

رصدت اللجنة فى هذا الصدد العديد من الكتب الدينية التى تنشر فى مصر، ويكون بها مساس وازدراء للدين الثانى، والعكس. وأوصت اللجنة بوضع نظام محكم وفعال ومستنير لرقابة الكتب الدينية بسعة أفق.. بحيث لا تتحول هذه الرقابة لتصبح سلاحًا أمام حرية البحث العلمى أو لإحياء نزعات الجمود والتقليد. وهو الأمر الذى لا يزال مستمرًا؛ بل وتطور بشكل مُبالغ فيه؛ خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعى.

لم يتذكر أحدٌ من مثقفينا وكتّابنا.. أهمية هذا التقرير بمناسبة مرور 50 سنة على صدوره سوى 3 مقالات للأستاذ عماد فؤاد بجريدة الوطن فى 19 و25 أبريل و2 مايو 2022، ومقالتين للأستاذ سمير مرقس بجريدة المصرى اليوم فى 12 و19 أكتوبر 2022.. احتفالاً بخمسينية إصدار التقرير. 

 نقطة ومن أول السطر

رُغْمَ أهمية تقرير لجنة تقصّى الحقائق 1972 برئاسة جمال العطيفى؛ فإنه قد جرَى تجاهل هذا التقرير تمامًا من جانب السُّلطتين التنفيذية والتشريعية لسنوات طويلة رُغْمَ أهميته فيما وصلنا إليه من مُناخ وطنى غير منضبط من جهة، ورُغْمَ اعتبار ما جاء به جرسَ إنذار مستقبلى من جهة أخرى.

ترَى؛ متى نبدأ من حيث انتهى الآخرون من أبناء وطننا؟!!.