الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الحقيقة مبدأ.. الملائكة لا تسقط من السماء

الحقيقة مبدأ.. الملائكة لا تسقط من السماء

بداية فلنضع جميعا إطارا للطرح قائما على عدة تساؤلات منها:



1- ماذا يريد بوتين

فمنذ حصول أوكرانيا على استقلالها فى عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتى، اتجهت تدريجيا نحو الغرب.. صوب كل من الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى «الناتو».

ويهدف الزعيم الروسى إلى عكس ذلك التوجه حيث يرى أن سقوط الاتحاد السوفيتى كان بمثابة «تفكك لروسيا التاريخية».

يرى بوتين أن الروس والأوكرانيين شعب واحد (سلاف). وأكد: «لم يكن لأوكرانيا أبدا تقليد إقامة دولة حقيقية»، نافيا التاريخ الأوكرانى.

وعَمِل بوتين فى عام 2013 مع فيكتور يانوكوفيتش الزعيم الأوكرانى الموالى لروسيا آنذاك حتى لا يوقع اتفاقا مع الاتحاد الأوروبى مما أدى إلى احتجاجات أطاحت فى نهاية المطاف بذلك الرئيس الأوكرانى فى فبراير من عام 2014.

وردت روسيا فى 2014 بالسيطرة على منطقة القرم الجنوبية فى أوكرانيا وإثارة تمرد فى الشرق ودعمت الانفصاليين الذين قاتلوا القوات الأوكرانية فى حرب استمرت 8 سنوات وأودت بحياة 14 ألف شخص.

وكان هناك وقف لإطلاق النار واتفاق سلام مينسك لعام 2015 الذى لم يتم تنفيذه مطلقا. وقبل غزوه أوكرانيا بفترة وجيزة، مزق الرئيس بوتين اتفاقية السلام واعترف بدولتين صغيرتين تدعمهما روسيا على أنهما مستقلتان عن أوكرانيا.

وعندما أرسل قواته إلى أوكرانيا، اتهم بوتين الناتو بتهديد «مستقبلنا التاريخى كأمة»، فهو يرى أن دول الناتو تريد نقل الحرب إلى القرم.

2- ماذا تريد أوكرانيا 

يقول المستشار الرئاسى إن مطالب أوكرانيا واضحة: وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية، ولكن أيضا ضمانات أمنية ملزمة قانونا من شأنها أن تمنح أوكرانيا الحماية من مجموعة من الدول الحليفة التى من شأنها أن تمنع الهجمات و«تلعب دورا نشطا إلى جانب أوكرانيا فى الصراع».

ويقول مارك ويلر، أستاذ القانون الدولى وخبير وساطة سابق للأمم المتحدة، إن تأمين الانسحاب العسكرى الروسى إلى مواقع ما قبل الحرب لن يكون مطلبا أوكرانيا فحسب، بل سيكون أيضا خطا أحمر بالنسبة للغرب الذى سيرفض قبول «صراعات روسية مجمدة» أخرى.

3- ماذا يحدث على الأرض 

إن الأحداث المتلاحقة فى الحرب الروسية الأوكرانية- والتى شملت استهداف البنية التحتية من قبل الطرفين، والتصعيد الروسى الذى أعقب تفجير جسر القرم- مؤشرات على أن الحرب فى أوكرانيا قد دخلت منعطفا جديدا لا يراعى الخطوط الحمراء لأطراف الصراع. 

حتى إن موسكو استطاعت- من خلال الهجمات الصاروخية التى نفذتها ضد أهداف عديدة فى أوكرانيا، ردا على تفجير الجسر الاستراتيجى- إلى تحقيق هدفين أساسيين، أولهما إظهار قدرتها على ضرب أى هدف فى أوكرانيا، والتأكيد على أنه لا يوجد أى مكان آمن لأى شخص فى البلد، بما فى ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكى.

أما الهدف الثانى فهو تخويف الأوكرانيين وحرمانهم من الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ومواصلات، لحملهم على الضغط على زيلينسكى؛ ويبدو أن الصراع دخل مرحلة طابعها الانتقام أو العقاب، فبعد استهداف الجسر مباشرة، والذى تعتبره روسيا جزأً من الأراضى الروسية ومن هذا المنطلق فإن أوكرانيا قد قامت بعمل من اعمال العدو ومن ثم بدأت روسيا بعمل عقابى، نفذت خلاله هجمات واسعة النطاق بالصواريخ والطائرات المسيرة (إيرانية الصنع )- فى رسالة واضحة للغرب - على مدن أوكرانية عديدة.

ما يحدث تصعيد خطير ومخيف، فقد برهنت أوكرانيا لروسيا أنها تستطيع التجرؤ على استهداف خطوطها الحمراء، فى وقت برهنت روسيا لأوكرانيا أنها قادرة على توسيع رقعة الحرب لتتجاوز المناطق الواقعة على حدودها، كما تستطيع شن هجمات تشل الحياة فى شتى المدن الأوكرانية.

بيد أن استهداف البنية التحتية الروسية بدأ قبل تفجير جسر مضيق «كيرتش» الرابط بين شبه جزيرة القرم والبر الروسى الرئيسى، فقد أظهر تخريب خطوط أنابيب نورد ستريم الروسية أن البنية التحتية الحيوية لم تعد خارج نطاق الاستهداف من قبل أطراف الصراع، فقد كان تخريب الأنابيب الروسية عملا عقابيا يستهدف موسكو ويسعى للإضرار باقتصاد روسيا وفق مقال الصحيفة.

أما الهجوم الذى استهدف جسر القرم، فلم يكن مجرد عمل عقابى، حيث سعت أوكرانيا من خلاله إلى قطع أحد خطوط إمداد القوات الروسية التى تمكن قوات بوتين من مواصلة الحرب فى أوكرانيا.

4- أين العالم مما يحدث 

أن العالم يقف الآن على شفا الهاوية، فبعد الهجمات الروسية ردا على تفجير جسر القرم، أصبح من الأهمية بمكان أن يعيد الغرب حساباته على نحو صحيح بما يضمن عدم استفزاز روسيا أكثر، فقد كشفت موسكو عما يمكن أن تسببه هجماتها بالصواريخ بعيدة المدى وطائرات كاميكازى من أضرار عندما تتعرض مصالحها الاستراتيجية للخطر. وقد تعمد موسكو إلى تطبيق استراتيجيتها الحربية التى انتهجتها فى سوريا سابقا فى أوكرانيا كذلك فتبدأ حرب استنزاف لا تبقى ولا تذر.

ترى بعض الدول المتضامنة فى حلف الناتو ومنها المانيا أن امداد زيلنسكى بمنظومة دفاع جوى متطورة وبعض الذخائر ستكون قادرة على وقف الزحف الروسى؛ ناسية أو متناسية أن نفس ذات العقيدة العسكرية للجيش الأحمر سابقا (حراس الأمة الروسية الآن) دحرت قوات النازى ودخلت برلين حين تراجع أيزنهاور خوفًا على قواته من منظمة شباب هتلر!!

5- من يدفع الثمن؟

بدا واضحًا أن الولايات المتحدة بدأت بتطبيق مبدأ «التخلص من الأعوان»، أو قُل المنافسين وخصوصًا الأوروبيين، إذ أصبحت القارة الأوروبية تعيش أسوأ حقبة سياسية واقتصادية واجتماعية. الأحداث الكبرى فى التاريخ هى أحداث مركبة يتداخل فيها أكثر من عامل، بدءًا من العامل السياسى والاقتصادى، مرورًا بالعامل الاجتماعى الذى يكون المحرك لتلك الأحداث، والأكثر تأثرًا بتداعياتها. وانطلاقًا من أنَّ النماذج ليست سوى اختزال للواقع، وربما لا تعبر بالضرورة عنه، فإن الحرب الأوكرانية لم تشذّ عن تلك القاعدة.

بأن من الواضح أن الولايات المتحدة تريدها حربًا مفتوحة، قد تشهد استخدام روسيا اسلحة جديدة وتكتيكية، دفاعًا عن نفسها، وحمايةً لأمنها القومى.

ولا تظن الكاتبة أن البعض مازال يعتقد أنَّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا هى حرب محدودة بين دولتين، لكن واقع الحال يشير إلى أنها حرب عالمية التأثير، بل هى أشدا فتكًا من ‏الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ ‏فتلك الحربان لم يتأثر بهما العديد من دول العالم، فيما أثرت الحرب الروسية الأوكرانية فى العالم كله، وبشكل كبير، ولا يزال تأثيرها يتزايد يومًا بعد يوم.

إنَّ تطورات الحرب تشير إلى أن الولايات المتحدة تريد دفع روسيا إلى استخدام السلاح النووى، وهو ما ينسجم مع التوجه الأمريكى إلى إشعال الحروب فى جميع أنحاء العالم؛ تلك الحروب التى تعتقد واشنطن أنها ستكون الرابح منها سياسيًا، واقتصاديًا واجتماعيًا ربما.

على الصعيد الاقتصادى، تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى فى قائمة الدول الأكثر مبيعًا للسلاح، إذ تسيطر على نحو 38 % من حجم تجارة السلاح فى العالم. وبالتالى، فإن قيام الحروب سيزيد فعالية المجمع الصناعى الحربى فى الولايات المتحدة وأرباحه. 

وإضافة إلى ذلك، إن حدوث الاضطرابات فى العديد من دول العالم جعل الشركات العاملة فى تلك الدول تنقل نشاطها إلى الولايات المتحدة، نتيجة لغياب عنصر الأمان فى تلك الدول أو لعدم توفر الطاقة الذى كان سببًا فى هجرة عدد كبير من الشركات العاملة فى الدول الأوربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كما أنَّ إثارة الاضطرابات أثرت فى استقرار سعر صرف العملات المحلية نتيجة لزيادة الطلب على الدولار، وهو ما جعل العملات المحلية تخسر نسبة كبيرة من ثمنها نتيجة لذلك. ولعل الحدث الأسوأ على الإطلاق هو رفع سعر الفائدة لأرقام غير مسبوقة، ما جعل الطلب على الدولار يزداد كثيرًا، وبالتالى ارتفاع سعر صرف الدولار أمام جميع العملات المحلية الأخرى بنسبة لا تقل عن 12 % وسطيًا.

أما على الصعيد السياسى، فالولايات المتحدة تقضى على تنافسية دول اليورو بل تناغمية قرارتهم السياسية. لقد عادت أوروبا إلى الظلام بسبب انجرارها وراء السياسات الأميركية. وقد بدأت الأصوات الأوروبية المنتقدة للتوجهات الأميركية ترتفع شعبيًا، وحتى رسميًا، إذ صرح الرئيس الفرنسى أنَّ بلاده لا يمكن أن تدفع ثمن الغاز للولايات المتحدة مضاعفًا 4 مرات!! أما الرئيس بايدن، فقد بدا واضحًا أن همه الوحيد كان خفض أسعار البنزين، مهما كان الثمن، إرضاء للناخب الأميركى. وقد نجح فى ذلك من دون أى اعتبار لباقى الدول وشعوبها والآن نرى محاولات للانتقام من المملكة السعودية بسبب قرارات أوبك بلس.

أما على الصعيد الاجتماعى والأخلاقى، فإنَّ روسيا اليوم تؤكد انها تقاتل دفاعًا عن البشرية وقيمها وأخلاقها، إذ يشهد العالم اليوم انتصارًا كبيرًا لليسار وقيمه على حساب القيم التى تنادى بنشر ثقافة ‏تغيير الجنس وزواج المثليين ‏وتحليل الإجهاض وتدمير الحياة الزوجية، ‏وبالتالى تدمير مفهوم الأسرة والقضاء على العائلة بمفهومها الذى نعرفه، من خلال ما تروج له شبكات مثل «نتفليكس» و«ديزنى» من انحلال قيمى وأخلاقى، وما ترسمه مؤسسة «راند» من خطط ومشاريع لتفتيت الدول من الداخل.

ويذكر أن هيلارى كلينتون قد انتقدت صراحة رؤساء العالم المتدينين، ولم تقبل بأن يكون ذلك شأنًا شخصيًا خاصًا بهم، بل رأت أنهم يعيدون عقارب الساعة إلى الوراء، وأن وجودهم يشكل خطرًا على المجتمع الأمريكى. وقد عدَّت الرئيس بوتين من ضمن هؤلاء.

كما يُذكر أيضًا أن «بوتين» أشار عدة مرات إلى أن قيم روسيا تنبع من قيم الأديان، وأنها تريد الحفاظ على أخلاق الأطفال وسلوكياتهم، ومنع القوى الليبرالية من الإساءة إلى الطفولة وبراءتها. لذا، ويرى بعض المحللين والساسة العرب؛ أنه على العرب والمسلمين دعم بوتين والوقوف معه، لأن ‏فكرة انتصاره ليست مرتبطة بهزيمة الولايات المتحدة والتخلص من هيمنتها فحسب، كما أنها ليست نابعة من حقد على الولايات المتحدة تشكل نتيجة لمواقفها ضد القضايا العربية، بل إن القضية أكبر من ذلك بكثير.. فهى- من وجهة نظرهم- تتعلق بتدمير النفس البشرية بالكامل عبر نظريات عنصرية خطرة، مثل المثلية والمليار الذهبى وما إلى ذلك من أفكار هدامة، فالولايات المتحدة لا تعادى العرب والمسلمين فحسب، بل إن الحزب الحاكم فى الولايات المتحدة اليوم يعادى جميع الأديان والقيم والمعتقدات، كما أنه معادٍ لجميع المجتمعات المحافظة وقيمها. 

6- من مع من وضد من ؟!

روسيا اليوم ليس لها سوى 3 حلفاء قادرين على قلب الموازين هم: الصين والشرق الأوسط والهند. ولعل التطورات خلال الثمانى سنوات الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط دفعت حلفاء أمريكا التقليدين إلى تغيير سياساتهم ومحاولة التوجه شرقًا إلى روسيا والصين والهند، فبالنسبة لهم فإن العلاقة مع روسيا ستشكل بالنسبة إلى دول المنطقة أولوية على العلاقة مع الصين، لأن كثير من دول المنطقة تعيش حالًا من عدم الاستقرار السياسى، وتعانى بعضها من معضلة أمنية مزمنة تحتم عليها البحث عن حليف، وليس عن تاجر فقط - انتهى عصر الصداقات- وهذا ما لا تستطيع بكين القيام به على المدى المنظور، ولكن فى نفس ذات السياق تقدم الهند نفسها لروسيا وللشرق الاوسط بديلا أكثر حماسا عن الصين بل وأكثر جرأة. 

ما زالت الصين غير متحمسة للانخراط فى الأزمات الدولية. لذا، قد تبدو مترددة فى الانخراط بمشكلات الشرق الأوسط المستحيلة الحلّ من وجهة نظر بكين، وخصوصًا ما يتعلق منها بالصراعات الدينية والعرقية، فهى صراعات تاريخية وقودها غياب العقل، والانتماءات دون الوطنية، والولاءات الضيقة، وغياب الدولة الجامعة المانعة القوية القادرة على بناء مجتمع حقيقى أساسه المواطنة واحترام المعتقدات.

يقف العالم الآن على اعتاب حقبة جديدة قد تشهد تحالفات قائمة على إيجاد عملات جديدة للمعاملات الاقتصادية والنقدية بديلا للدولار الأمريكى الذى هيمن دون غطاء ذهبى منذ اتفاقية بريتون وودز 1947 مرورًا بصدمة نيكسون 1971 حين أعلنها صراحة أنه لا يوجد مقابل ذهبى أمام الدولار وصولا لليوم حيث الدولار هو عملة قائمة على الهيمنة لا المقابل الاقتصادى أو الاحتياطى الذهبى!! 

الصين وروسيا تتقدمان تشكيل جديد يرتكز على الهند والعرب للقضاء على الهيمنة الدولارية/الأمريكية وأوروبا تقف فى انتظار انتهاء هذه المعاناة خاصة بعد تحطم احلام مجموعة اليورو على صخرة التوجهات الأمريكية هل ستستطيع أوروبا التخلص واشنطن للابد أم أن لندن تحول دون ذلك!! 

هل ستجانب العرب الجراءة المطلوبة للمواجهة المرتقبة مع واشنطن؟!

هل الهند مستعدة لوضع مصالحها الكثيرة والضخمة مع الغرب فى كفة الميزان أمام مستقبل التحالف مع روسيا؟! هل يريد العالم نظاما ماليا ونقديا واقتصاديا وسياسيا جديدا؟!