الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. ليس «بروش» أو ديكورًا لتجميل الصورة.. العمل الحزبى فى مصر بحاجة للإصلاح

مصر أولا.. ليس «بروش» أو ديكورًا لتجميل الصورة.. العمل الحزبى فى مصر بحاجة للإصلاح

المسكوت عنه فى الحديث عن حيوية العمل السياسى فى مصر هو الأحزاب. وبمعنى أدق نشأة الأحزاب وتأسيسها وهيكلها وأسلوب إدارتها. وتظل دائمًا هناك بعض الأسئلة المعلقة عنها وحولها. هل الأحزاب الموجودة حاليًا هى فعلا تأسست نتيجة حاجة المواطنين السياسية؟ وهل لديها القدرة الحقيقية على الاستقلال برأيها وقرارتها ومعارضتها فى تفاعلها الحزبى والسياسى؟ ومتى نصل لدرجة النضج السياسى والخبرة الحزبية لكى يكون لدينا «حكومة» حزب الأغلبية؟ وكيف يمكن لتلك الأحزاب أن تستهدف الصالح الوطنى العام الذى يراعى حقوق جميع المواطنين؟ ومتى نصل لقناعة سياسية بتمثيل مشرف للمرأة المصرية بعيدًا عن الاستثناءات الانتخابية مثل «الكوتا» وغيرها؟ أين الخلل؟!



تاريخ العمل الحزبى فى مصر.. يؤكد أننا نحتاج لبدايات جديدة فى العمل الحزبى لتصويب أخطاء التنظيم السياسى الواحد الذى رسخته ثورة يوليو 52.

 بدايات التأسيس

يكاد يكون هناك اتفاق بين الكتاب والمحللين السياسيين والمؤرخين على أن نشأة الأحزاب السياسية، وتطورها فى الحياة المصرية مرت عبر مراحل متعددة، هى:

أولًا مرحلة ما قبل ثورة 1919: تكوين التيارات السياسية.. حيث تبلورت فيما بعد لتشكل بعض الأحزاب، على غرار: حزب الأمة، وحزب الإصلاح، والحزب الوطنى سنة 1907.

ثانيًا مرحلة التعددية الحزبية (ثورة 1919 - ثورة يوليو 1952): والتى شهدت بداية من الأحزاب الليبرالية (الوفد سنة 1918، والأحرار الدستوريين سنة 1922، والكتلة الوفدية سنة 1942)، والأحزاب الاشتراكية (مصر الفتاة سنة 1933، والعمال الاشتراكى الشيوعى، والشيوعى المصرى سنة 1922، والفلاح المصرى سنة 1938). ومرورًا بالأحزاب الموالية للملك على غرار: الشعب سنة 1930، والاتحاد سنة 1925. وصولًا إلى الأحزاب النسائية على غرار: بنت النيل سنة 1948، والحزب النسائى الوطنى سنة 1942. فضلًا عن الجماعات الدينية على غرار: الإخوان المسلمون.

ثالثًا: مرحلة التنظيم السياسى الواحد (1953 – 1976): والتى شهدت تأسيس «هيئة التحرير» سنة 1953، ثم إلغاءها. ثم «الاتحاد القومى «سنة 1956، والذى تطور إلى «الاتحاد الاشتراكى العربى» سنة 1964.

رابعًا: مرحلة التعددية الحزبية (1977 – 2011): بدأت مع صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 واستمرت حتى قيام ثورة 25 يناير عام 2011. هى المرحلة التى شهدت قرار الرئيس أنور السادات فى مارس عام 1976 بقيام ثلاثة منابر حزبية.. تحولت إلى أحزاب سنة 1977 (مصر العربى الاشتراكى، والأحرار الاشتراكيين سنة، والتجمع الوطنى التقدمى الوحدوى). كما تم الاعتراف ببعض الأحزاب من خلال لجنة شئون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى على غرار: حزب الوفد الجديد سنة 1978، والحزب الوطنى الديمقراطى سنة 1978، وحزب العمل الاشتراكى سنة 1978، وحزب الغد سنة 2004. كما حصلت بعض الأحزاب على شرعيتها من خلال الأحكام القضائية، على غرار: الحزب العربى الديمقراطى الناصرى سنة 1992، وحزب العدالة الاجتماعية سنة 1993، وحزب التكافل سنة 1995.

خامسًا: مرحلة ما بعد أحداث 25 يناير 2011 وإلى ثورة 30 يونيو 2013، والتى شهدت وصول الأحزاب لأكثر من 100 حزب.. بعد تيسير اشهار الأحزاب وتسهيل اجراءاتها.. مما نتج عنه وجود العديد من الأحزاب المرتكزة على نشأة وخلفيات دينية فاشية على غرار حزب الحرية والعدالة لسان حال جماعة الإخوان الإرهابية.

يتضح مما سبق، أننا نحتاج لإصلاح العمل الحزبى فى مصر.. حتى تنتهى ظاهرة الأحزاب الكرتونية والأحزاب المتهالكة وأحزاب كراتين الزيت والسكر من حياتنا السياسية. إن نموذج الحزب الذى نريدة.. استنادًا لمرجعة ثورة 30 يونيو ومواكبة مع الجمهورية الجديدة يجب أن يتسم ببعض السمات الأساسية، منها:

حزب يؤمن بالتعددية وقبول الاختلاف: وهى سمة طبيعية تتسم بها الدول المدنية الحديثة. فلكل مواطن من أبناء هذا الوطن ولكل حزب الحرية الكاملة دون إجبار أو إكراه فى اعتناق اتجاهات سياسية محددة بشرط عدم مساس هذه الاتجاهات بالمبادئ والقيم الوطنية والأمن القومى.. طبقًا للدستور المصرى. ولكل حزب اتجاهاته السياسية الواضحة التى يجب على أتباعه تنفيذها والالتزام بها.. دون أن يتطلب ذلك فرضها على أتباع أى اتجاه سياسى آخر.

حزب علمانى: يقدر قيمة التنوع الدينى والثقافى والسياسى والاجتماعى. ويقدس قيمة العقل، وينبذ الفكر الخرافى المبنى على الدجل والشعوذة، هذه القيمة التى تقف بالمرصاد لكل ما هو ضد العلم. كما يحترم حرية الفكر.. بشرط عدم المساس بالثوابت الدينية وعدم ازدراء الأديان. كما يرفض تمامًا استغلال الدين، والخلط بين ما هو دينى وما هو سياسى وتوظيف أحدهما للآخر.. فالدين أمر شخصى تمامًا أما السياسة فهى نظام عام لجميع المواطنين على السواء.

حزب ديمقراطى: يؤمن بالتعددية السياسية والفكرية، ويحترم حق كل مواطن فى الاختلاف والاعتراض البناء الذى يسهم فى التقدم والتطور. والتمسك بمبدأ أن المعارضة الوطنية الحقيقية هى جزء أساسى لا يمكن فصله من تركيبة الدولة المصرية.. لأنها بمثابة إشارة تنبيه للسلبيات التى يمكن تلافيها بتحقيق العديد من الإنجازات.

والديمقراطية هنا ليس كما يردد البعض هى إخضاع الأقلية لحكم الأغلبية بقدر ما هى مبدأ حكم الإجماع الوطنى للصالح العام.. حتى لا يتحول الأمر إلى الحكم باسم الفاشية الدينية التى سيطرت على صندوق الانتخابات حتى وصل الإسلام السياسى للحكم.

حزب المواطنة: يحترم أبناءه ويقدرهم على أساس أنهم ملتزمون أمامه بواجبات يجب عليهم تنفيذها، كما يجب عليه أن يمنحهم جميع حقوقهم فى الوصول لمناصب قيادية بغض النظر عن أعمارهم، واعتماد معيار الكفاءة والاقتدار للحكم على أعضائه. كما يقوم بالدور نفسه على مستوى المجتمع كله من خلال الطلب فى إعادة النظر لبعض القوانين والتشريعات والقرارات التى تنتقص من حقوق أى مواطن مصرى، رجل أو امرأة، صغير أو كبير؛ فالكل أمام الدولة سواء. والأساس هو ترسيخ منظومة الحقوق الشخصية والعامة.. دون أى شكل مباشر أو غير مباشر من التمييز أو الاستبعاد أو الاقصاء أو التهميش أو التنمر أو التحرش بأى مواطن ومواطنة.

حزب مدنى: يحترم قوة القانون ونزاهته، وسيادة قضائه، ونفاذ عدالته، وسرعة تنفيذ أحكامه. سواء تطلب ذلك تعديل قوانين وتشريعات، أو استحداث الجديد منها بما يتلاءم مع مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد. وترسيخ مبدأ المدنية هنا لا يعنى كما يحلو للبعض أن يردد أنها ضد الدين، لأن الدين فى مصر هو جزء أساسى من مكون الشخصية المصرية. وبالتالى لا يُمكن أن نكون ضد الدين، بل مع احترام وتقدير لخصوصية كل دين فى إطار قانونى مدنى يحكم الجميع.. فالقانون والقضاء ليس لهم دين، ولكن تمثل نصوصهما وأحكامهما.. الاطار العام والخاص لحفظ حقوق المواطنين وصيانتها والدفاع عنها.

حزب تنموى: يرسخ مبدأ العدالة الاجتماعية وتنمية المناطق الفقيرة والمحرومة من الخدمات تدريجيًا لرفع مستوى المواطنين على جميع المستويات (التعليمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والنفسية..). كما يقوم على تشجيع رأس المال الوطنى بتدعيم الكيانات الوطنية الصناعية بدلًا من الصناعات الاستهلاكية المنتشرة حاليًا. واستحداث كل ما من شأنه أن يجعل وطننا جاذب للاستثمار، وليس طارد له. بالإضافة لدعم دور جمعيات المجتمع المدنى ومنظماته.. خاصة التى تقدم خدماتها لكل المواطنين المصريين.

حزب متجدد: يعتنق مبدأ تجديد الفكر السياسى.. فى ظل متغيرات محلية متلاحقة ومتغيرات عالمية سريعة. وأعتقد أن النموذج المعرفى لتجديد الفكر السياسى هو أفضل الأساليب فى التجديد لأنه يقوم على الوعى بالمعلومات والإدراك من خلال المعرفة بالدور الذى يجب أن نقوم به، وعلى سبيل المثال لا الحصر دراسة الدستور بشكل كاف وواع لبحث سبل تغيير بعض البنود التى تحتاج إلى إعادة نظر.  نقطة ومن أول السطر..

المعارضة السياسية ليست «بروش» على صدر النظام السياسى. وليست «ديكورًا».. لزوم ما لا يلزم. ولن تكون لها مصداقية واستمرارية.. إذا ارتبط تأسيسها ونشاطها بقرار من النظام السياسى.

المعارضة الوطنية الحقيقية ليست ضد الدولة، ولكنها تختلف مع الدولة فى سبيل تقديم سيناريوهات ومبادرات وحلول أفضل لصالح المواطنين.

المعارضة الحالية هى معارضة «شكلية».. تضر الحياة السياسية أكثر مما تنفعها.. لكونها تميل للتجمد أكثر من التفاعل والاختلاف ترسيخًا لحيوية النظام السياسى.