الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخداع الاستراتيجى لحكومة السادات الاقتصاد سلاح مهد الطريق للعبور

إذا نظرنا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمصريين قبل الحرب بأيام ويوم الحرب بالتحديد 6 أكتوبر 1973، فمن المستحيل أن تتصور أن هذه أحوال بلد اتخذت قرار الحرب وتعد له العدة، فقد صدّرت حكومة الرئيس السادات، من خلال الصحافة، للشعب المصرى، صورة البلد المنغمسة فى التنمية المحلية، التى تستعد لموسم المدارس ورمضان، دون أن يكون لديها أى وقت لكى تفكر فى الحرب؛ لذلك فوجئ الجميع بالحرب، وأولهم الشعب المصرى.



 

لكن على صعيد آخر، نرى أن حكومة السادات استغلت توقيت رمضان والمدارس، كنوع من الخداع الاستراتيجى، فى توفير احتياجات المصريين التموينية، والتأكيد على أن البلد مستمرة فى روتينها الطبيعى، مؤكدة فى أحد الأخبار عدم السماع للشائعات المغرضة التى قد تؤدى إلى تخزين بعض السلع ونفادها؛ لأنه لن يحدث أى شىء قريبًا.

فمن خلال رصدنا للأخبار التى كان يتم نشرها يوميًا قبل الحرب عن أحوال المصريين فى هذه الفترة فكانت حالة من الاستقرار والانشغال بالاستعداد للمدارس والتحضير لرمضان فى كل البيوت المصرية تقريبا، فضخت الدولة قبل بداية رمضان، العديد من السلع التموينية للشعب المصرى، لشراء كل ما يلزمه خلال الشهر الكريم، ولم يكن الشعب يعلم أن الرئيس كان يريد أن يتزود الشعب بجميع المنتجات الاستهلاكية قبل الحرب المجيدة، حيث قررت الدولة مضاعفة ما يقدم فى المجمعات الاستهلاكية يوميًا للمواطنين، حيث تم توفير اللحوم البقرية، وكانت تذبح 17 ألف بقرة يوميًا، ليحصل المواطن على اللحم بـ68 قرشا، بالإضافة إلى طرح 60 ألف دجاجة يوميًا للمواطنين.

كما قررت الدولة زيادة كميات السكر والدقيق بنسبة 50 %، والزيت بنسبة 100 %، ودعت الشعب لعدم السماع للإشاعات المغرضة التى تتسبب فى جعلهم يشترون المنتجات وتخزينها، مما قد يحدث أزمة فى بعض المنتجات، مثلما حدث فى الأرز قبل ذلك.

افتتاح عدد من المتاجر الشعبية

وفى 10 سبتمبر، افتتح د.محمود فوزى نائب رئيس الجمهورية، آنذاك، فرع المتاجر الشعبية بالفجالة، التى أنشأها الرئيس الأسبق السادات لعرض سلع مختلفة بأسعار رخيصة وذوق راق كخدمة للمواطنين، حيث قالت الحكومة فى إعلانها إن هذه المتاجر الشعبية هى هدية حكومة الشعب للشعب، وفى 13 سبتمبر لعام 1973م، أى قبل الحرب بأيام، استمر السادات فى افتتاح المتاجر، حيث تم افتتاح فرع آخر للمتاجر الشعبية بمحرم بك بالإسكندرية. وهدفت هذه المتاجر الشعبية إلى القضاء على السوق السوداء، ومحاربة غلاء الأسعار، وتوفير السلع لمحدودى الدخل بأسعار رخيصة وبنفس جودة ومتانة المنتجات باهظة الثمن، وكانت تبيع هذه المتاجر، كل ما يخص الأسرة المصرية من ملابس جاهزة وأقمشة وأحذية وأدوات منزلية ومستلزمات المدارس.

المدارس فى موعدها

كانت مصر تستعد فى هذا الوقت لاستقبال موسم الدراسة بشكل طبيعى، لذلك نشرت الجريدة نتيجة المرحلة الثانية لتنسيق الثانوية العامة بحد أدنى 62.2 لطلاب شعبة العلوم، و57.1 للشعبة الأدبية.

وفى 7 سبتمبر أقرت  الدولة بدء الدراسة بالمدارس فى 29 سبتمبر، أى قبل الحرب بأسبوع واحد، كما أعلنت أن الدولة ستطرح بالأسواق نصف مليون حذاء شعبى، على أن يتراوح سعرها بين 95 إلى 235 قرشا، لكى يستعد كل الطلبة للموسم الدراسى الجديد بحذاء جديد.

ونشرت جريدة «الأخبار» موضوعا عن معسكر طلاب الأزهر بالمطرية، حيث أكد التحقيق أن هناك 250 طالبا وطالبة يشقون الترعة ويستصلحون الأرض، وكان هذا المعسكر ضمن أنشطة اتحاد طلاب جامعة الأزهر ضمن خطة نشاط الصيف لاستغلال طاقات الشباب، والملفت فى صور الموضوع، هو عدم ارتداء الفتيات فى معسكر جامعة الأزهر للحجاب بشكله المتعارف عليه حاليا.

تنفيذ القرارات الاقتصادية الجديدة

بدأت الدولة فى سبتمبر 1973 تنفيذ القرارات الاقتصادية الجديدة تحقيقا لسياسة الانفتاح الاقتصادى، وبدأت الدولة تشرح للناس ما هى قواعد سياسة الانفتاح بالنسبة للاستيراد، فكان يسمح للمواطن بأخذ ملابسه الشخصية، ومستلزمات رحلته من معدات تصوير ونظارات كبيرة، بشرط قيدها على جواز السفر، كما يسمح له بالخروج من مصر ومعه هدايا من خان الخليلى، على ألا يزيد ثمنها على 30 جنيها، ومواد غذائية لا تزيد على 5 كيلو، وبعد العودة يفرج عن الملابس الشخصية وجميع الأشياء المثبتة فى جواز السفر قبل الخروج من مصر.

ورفعت الدولة الاستيراد للفرد فى العام الواحد ببضاعة تقدر بـ100 جنيه، بعد أن كان الحد الاستيرادى للفرد الواحد 50 جنيها فقط، كما سمحت للمواطن العائد من الخارج، بإحضار فيسبا أو سيارة ركوب واحدة للاستعمال الشخصى كل سنتين، على عكس ما كان يحدث قبل الانفتاح.

اتفاقيات التجارة والدفع فى دعم نظام سعر الصرف

وفضلاً عن مساهمة اتفاقيات التجارة والدفع فى دعم نظام سعر الصرف فى فترة ما بين حربى يونيو 1967، أكتوبر 1973، فإن تلك الاتفاقيات أدت إلى توفير حصيلة مصر من النقد الأجنبى لأغراض تمويل الواردات من دول العملات الحرة أو من الدول التى لا توجد بينها وبين مصر اتفاقيات تجارة ودفع. وبالطبع كانت تلك الواردات فى غالبيتها الساحقة أن لم تكن كلها ضرورية لدعم استعدادات مصر لخوض معركتها ضد العدو الصهيونى وقد شهدت فترة ما بين حربى يونيو 1967 وأكتوبر 1973 زيادة مؤثرة فى معدل التضخم العالمى الذى ارتفع من نحو 4.2 % عام 1967 إلى 4.4 % عام 1968 ثم إلى 5 % عام 1969 ثم إلى 6 % عام 1970 قبل أن يرتفع إلى 9.4 % عام 1973.

وكان ذلك الارتفاع مقدمة لبداية مرحلة التضخم السريع فى العالم بعد حرب أكتوبر 1973.

وعلى أى الأحوال كان هذا التزايد فى معدل التضخم العالمى يعنى ببساطة ارتفاع تكلفة الواردات المصرية من الخارج. 

لكن تركيز التجارة الخارجية المصرية مع الدول الاشتراكية التى كانت أسعار صادراتها شبه ثابتة وتتحرك ببطء شديد ساعد على أن تبقى تكلفة وحدة الوزن من الواردات المصرية من الدول الاشتراكية شبه ثابتة أو تتحرك ببطء شديد.

وقد تعرضت مصر فى فترة ما بين الحربين إلى ضغوط من الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية التى تهيمن عليها تلك الدول. 

وقد تجسدت تلك الضغوط فى التضييق على صادرات مصر إلى أسواق تلك البلدان وأيضا فى حرمان مصر من فرصة الاقتراض من أسواق رأس المال فى البلدان الرأسمالية الكبرى أو من صندوق النقد والبنك الدوليين.

وكان التعامل المصرى مع تلك الظروف والضغوط قويا وملهما، حيث ركزت مصر على الاعتماد على ذاتها بصورة أساسية فى تمويل استعداداتها للمعركة وركزت على التعاون فى مجالات التجارة والقروض والتمويل على الدول الصديقة وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى وأيضا على الدول العربية الشقيقة.

واعتمدت مصر بدرجة معقولة على ذاتها فى تمويل الإنفاق الدفاعى والاستعداد للحرب مدفوعة فى ذلك بطوفان من مشاعر الغضب الشعبى بسبب الهزيمة من إسرائيل فى يونيو 1967، والرغبة الشعبية فى خوض الحرب وتحقيق الانتصار على العدو الصهيونى بأى ثمن. 

ولذلك لم تتجاوز الديون الخارجية المدنية لمصر عند انتهاء حرب أكتوبر 1973 نحو 2.7 مليار دولار، يضاف إليها ديون عسكرية تقترب من 2 مليار دولار غالبيتها للاتحاد السوفيتى السابق.

فشهد الاقتصاد المصرى فى  بداية عام 1973 حالة من الاستقرار، وهو ما ظهر فى البيانات التى أعلنها أحمد زندو، محافظ البنك المركزى،  فى 14 يناير 1973، والتى أكد فيها سداد مصر جميع التزاماتها الدولية بموعدها، فودائع البنوك كانت قد وصلت  إلى 400 مليون جنيه، بينها 27 مليون جنيه شهادات استثمار عائلى، كما أن أسعار السلع الاستهلاكية كانت لا تتجاوز 2% بالنسبة للجملة و4 % للقطاعى،حتى إن وزارة التخطيط أعلنت فى  16 يناير خطة تستهدف زيادة الدخل القومى 6 %، ليصل إلى 6206 ملايين جنيه، مع الاستثمار فى عدد من المشروعات التنموية، على رأسها تخصيص 100 مليون جنيه للتعاقد على تنفيذ مشروع مترو الأنفاق لمدة تصل لـ10 سنوات، واعتماد 50 مليون جنيه لمشروعات القطاع الخاص.

«ميزانية المعركة»

إلا أنه بتاريخ 11 فبراير 1973، أعلن الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء، أمام مجلس الشعب، ما أسماه بـ«ميزانية المعركة»، لأول مرة  وهى إجراءات التعبئة الاقتصادية التى سيتم تطبيقها فى حال نشوب الحرب، وتتمثل فى تحويل الموازنة العامة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب، مع الحفاظ على سرية البيانات الخاصة بالجيش، وتمويل كل المتطلبات الناتجة عن الحرب، مثل المتطلبات الصحية، والتهجير، والأمن، والنقل، والمواصلات، كذلك إعادة النظر فى خطة التصدير والاستيراد لتوفير النقد الأجنبى، مع العمل على إحلال المنتجات المحلية بديلا للمستوردة، وتخفيض الاستثمارات مع تأجيل تنفيذ المشروعات التنموية الطويلة الأجل التى ليس لها مردود فى العام نفسه، أو لا علاقة لها بالمعركة، كذلك إجراء تخفيض جديد فى أنواع الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، ويشمل خفض اعتمادات السفر والانتقالات، ومصروفات الأعياد والمواسم، ومصروفات الأوسمة والجوائز. 

ترشيد الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام

وبتاريخ 12 مارس نشرت جريدة «الأخبار» تفاصيل أخرى لترشيد الإنفاق بالمصالح الحكومية والقطاع العام، استعدادا لنشوب الحرب، وهى خفض الاعتمادات المخصصة للمياه والإنارة والانتقالات، سواء بالسكك الحديدية أو بوسائل النقل الأخرى بنسبة 10%، وخفض اعتمادات الدعاية والإعلان والحفلات بنسبة 25 %، وتخفيض الاعتمادات المخصصة للأعياد والمواسم بنسبة 75 %

 وكما شملت خطة ترشيد الإنفاق أيضًا مراجعة اعتمادات الصيانة للمرافق التابعة لوزارات الرى والإسكان والبترول وهيئة البريد، على أن تلتزم تلك الجهات بتحقيق خفض إضافى فى المصروفات الخاصة بمستلزمات الشراء 2%، و5% لمستلزمات التشغيل، مع مراجعة جميع المشروعات الاستثمارية المذكورة بموازنة المالية لعام 1973، وتأجيل أى مشروعات لا تخدم المعركة. 

«سندات الجهاد»

ثم جاء يوم السادس من أكتوبر 1973، عندها طرحت الحكومة المصرية «سندات الجهاد»، وهى شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة فيما يخص الحرب والمتطلبات الناتجة عنها، وتم طرحها للمواطنين، تحت شعار «شارك فى ملحمة النضال الوطنى»، فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية وفروعها، وتضمنت الفئات المالية «50 قرشًا، جنيهًا واحدًا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه»، بفائدة 4.5 % سنويا ومعافاة من الضرائب، كما لا يجوز الحجز عليها، ويمكن الاقتراض بضمانها من البنوك، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه، وفى وقت لاحق من العام نفسه أعلنت الحكومة أن الاكتتاب فى «سندات الجهاد» إجبارى، باستثناء محدودى الدخل من المواطنين، ولم تكن «سندات الجهاد» هى المشاركة الوحيدة للمواطنين فى دعم القوات المسلحة، حيث أعلنت وزارة المالية بتاريخ 18 نوفمبر زيادة الإيرادات الضريبية بمصلحة الضرائب بواقع 23.5 مليون جنيه على عام 1972، ليصل إجمالى الحصيلة الضريبية لـ150 مليون جنيه، وهو ما أرجعته الوزارة إلى إقبال المواطنين على دفع المستحقات الضريبية الخاصة بهم بدافع الوطنية.

وفى نهاية قراءتنا لمشهد المصريين وحياتهم فى هذه الفترة، فعلى الرغم من حالة الحرب المستمرة على مدى 7 سنوات، شهد عام 1973 عددا من المشروعات الصناعية الطموحة، على رأسها بدء إنتاج السيارة «نصر 125» بمصانع النصر للسيارات، والإعلان عن مشروعات تنموية مثل مترو الأنفاق، وتنفيذ خطوط أنابيب بترولية لنقل البترول من السويس للإسكندرية، وإنشاء 8 محطات كهرباء بتكلفة 10 ملايين جنيه، للحد من مشكلات انقطاع الكهرباء.