الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. حصة الدين.. تكرس التمييز والطائفية.. ضد الدولة المدنية.. ولن تكون بداية تجديد الفكر الدينى!

مصر أولا.. حصة الدين.. تكرس التمييز والطائفية.. ضد الدولة المدنية.. ولن تكون بداية تجديد الفكر الدينى!

فى اعتقادى.. أن مشروع جماعات الإسلام السياسى بمنهجها الدعوى المعلن ومنهجها الجهادى والإرهابى الخفى.. قد ساعد فى انتشار ممارسات التمييز الدينى فى المجتمع المصرى.. بعد تزايد نفوذهم وانتشارهم حتى وصلوا للذروة بعد أحداث 25 يناير 2011. ولكن سرعان ما كشفوا عن أهدافهم الخفية فى اختطاف الدولة المصرية.. وعدم اعترافهم بمفهوم المواطنة والدولة الوطنية فى مقابل اعتناقهم لأفكار التمييز والاستعلاء بالتدين الظاهرى لتحقيق الاستيلاء على السلطة وإقامة دولتهم الطائفية الدينية المفترضة. وكانت النتيجة الطبيعية ثورة 30 يونيو التى أعادت مصر للمصريين.



وفى سبيل تحقيق غايتهم، أدركت جماعات الإسلام السياسى منذ تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية سنة 1928 أهمية توظيف المؤسسة التعليمية فى نشر أفكارهم ومعتقداتهم بشكل تربوى ناعم. وهو ما تناولته قبل ذلك فى مقال بعنوان «يا رب يا متجلى أهلك العثمانلى.. تاريخنا مصرى.. وليس عثمانيًا أو إخوانيًا» بمجلة «روزاليوسف فى 30 يوليو 2022. ولذا ليس من الغريب أن يكون أهم قياداتهم كانوا ضمن العاملين بالمؤسسة التعليمية على غرار: حسن البنا وسيد قطب وصلاح أبو إسماعيل ويوسف البدرى.

ترتب على ما سبق، أنه تمت صياغة مناهجنا التعليمية.. خاصة الدينية بشكل حمل الكثير من الطعن ليس فقط مع المختلفين عنهم فى الدين، ولكن مع المختلفين معهم فكريًا من الدين نفسه.. وقد نجحوا فى ذلك من خلال استدعاء بعض الآيات والإيحاء بتفسيرها على عكس المراد منها لتحقيق أهدافهم. وحدثت فجوة حقيقية بين النصوص الدستورية والقانونية التى تحافظ على التنوع الدينى للمجتمع المصرى من جهة، وبين الممارسات الحياتية الواقعية التمييزية فى المجتمع من جهة أخرى.

ومن الطبيعى، أن نطرح هنا بعض الأسئلة المهمة والمعلقة للحوار والنقاش مع ما تضمنه مقال محمد مصطفى أبوشامة بعنوان «حصة الدين.. أول خطوة فى تجديد الفكر» فى مجلة روزاليوسف 17 سبتمبر 2022. وذلك على غرار:

هل حصة الدين.. ستكون مؤثرة لاستعادة الدور الحقيقى للدين؟ وما  دور الدين الحقيقى بالفعل؟

وهل كتاب الدين فى العملية التربوية والتعليمية هو طوق النجاة؟

وهل يمكن أن يكون كتاب الدين المدرسى هو الطريق لإعلاء الروح الوطنية والدينية؟

وهل الحل فى مادة «مكارم الأخلاق؟!

وهل حقًا إلغاء التربية الدينية هو سلاح نشهره فى مواجهة التطرف.. فيرتد نصله على أعناقنا؟

وقبل كل ذلك: هل هناك حقًا دعوة أو اتجاه لإلغاء حصة الدين بالفعل؟ 

نتفق جميعًا.. أن المؤسسة التعليمية تمثل مرحلة التنشئة التربوية للأطفال بعد التنشئة الأسرية داخل المنازل. وهنا تأتى أهمية ضبط المناهج التعليمية التى ترسخ لديهم بعض القيم مثل: قبول الاختلاف والتسامح والتعددية والحوار والعمل الجماعى دون استعلاء دينى.. باعتبار دينى هو الحق الصحيح وغيره على باطل وضلال. وكان الاختبار الحقيقى لتلك القيم هو مادة التربية الدينية التى كتب عنها العديد من الدراسات والأبحاث والمقالات.. عما تتضمنه من تمييز وازدراء فى بعض الأحيان. وفى سبيل ذلك، تم بذل مجهود تراكمى على مدار سنوات طويلة لتصحيح ما أرتكب من أخطاء فى تلك المناهج التى تم تطويرها وتعديلها، ولكن فى الوقت نفسه ظلت عقلية المعلمين كما هى.. دون تدريب وتأهيل كاف. 

نعود إلى السؤال الرئيسى: هل نحتاج لبقاء مادة التربية الدينية فى مناهجنا التعليمية؟

وهو سؤال شائك جدًا.. لكون الانطباع الأول عنه أنه سؤال استبعاد الدين وإقصائه. وهى فرضية لا تمت للحقيقة بصلة، والنقاش حولها ليس دعوة لإلغائها بقدر ما هو نقاش من أجل المستقبل. وذلك مع مراعاة ملاحظة أساسية، وهى أن الدين هو أحد المكونات الأساسية للشخصية المصرية على مر العصور..

استعدنا بلادنا بعد ثورة 30 يونيو من بطش الفاشية الدينية. وهو الأمر الذى جعلنا نعيد النظر فيما كنا نعتبره قديمًا من الثوابت. ولذا تم إلغاء وزارة الإعلام، وأعتقد أنه سيحدث لاحقًا مع وزارة الثقافة. وسيحدث أيضًا إعادة النظر فى عمل المؤسسات الدينية التى لا زالت أسيرة ميراث الماضى بأعبائه الثقيلة. وهو ما يتطلب منهم تجديد الفكر الدينى بشكل حقيقى، وعدم التوقف أمام تجديد الخطاب الدينى الذى يعتبر وسيلة الإعلان عن مضمون الفكر الدينى.

ولذا أعتقد أننا لسنا فى حاجة لمادة التربية الدينية أو مادة مكارم الأخلاق.. بقدر ما نحتاج إلى تأهيل المدرسين بشكل جيد حتى تعود لهم مكانتهم وهيبتهم، وعلى ألا يعتبر التدريس مجرد وظيفة يمكن استغلالها لتحقيق مكاسب مادية من الدروس الخصوصية وغيرها.

وللإجابة على السؤال الشائك السابق، أطرح هنا بعض الأفكار المهمة فى اشتباك مع ما جاء بمقال «حصة الدين.. أول خطوة فى تجديد الفكر».

أولًا: هل حصة الدين.. ستكون مؤثرة لاستعادة الدور الحقيقى للدين؟ وما  دور الدين الحقيقى بالفعل؟

قطعًا الإجابة لا.. لأن الدين موجود، ولم يختف من المجتمع.. ولكن تم توظيفه لصالح أفكار متطرفة ومتشددة.

والمطلوب هو تصحيح ما حدث، ولن يستطيع القيام بذلك سوى المؤسسة الدينية والمفكرين والمثقفين.. فلا يمكن اختزال ذلك فى حصة الدين بشكلها التقليدى الذى يهرب منه أطفالنا. كما أن ترسيخ دور الدين الحقيقى باعتباره منظومة من القيم العليا للإنسان هى مهمة أصيلة أيضًا للمؤسسات الدينية.. ولا يمكن التنازل عنها لمجرد حصة دين.. تخضع لأهواء المدرسين وأفكارهم الشخصية قبل أن تخضع لصحيح الدين.

ثانيًا: هل كتاب الدين فى العملية التربوية والتعليمية هو طوق النجاة؟

لو تضمنت مناهجنا التعليمية خاصة فى اللغة العربية والدراسات الاجتماعية.. تاريخ مصر الحضارى الحقيقى، وما يتضمنه من بطولات وتضحيات وطنية.. سيكون طوق النجاة الحقيقى الذى يصنع من الإنسان مواطنًا فعالًا، وهو ما من شأنه ترسيخ القيم الدينية بشكل تربوى وإنسانى غير مباشر يكون أكثر تأثيرًا وفاعلية..

ثالثًا: هل يمكن أن يكون كتاب الدين المدرسى هو الطريق لإعلاء الروح الوطنية والدينية؟ وهل الحل فى مادة «مكارم الأخلاق»؟!

تاريخ مصر مثل اكتشاف الآثار.. كلما تنقب.. تجد ما يبهرك وما لا تتخيله. وحضارتنا المصرية القديمة تزخر بكل ما هو إنسانى قبل أن يعرف العالم مواثيق حقوق الإنسان ومعاهداته. وما سبق، من شأنه الحفاظ على صحيح الدين بعيدًا عن توظيف السياسة له أو العكس، وترسيخ الدولة المدنية من جانب آخر. وهو ما ينطبق على مادة «مكارم الأخلاق» التى تكتسب بشكل غير مباشر مما سبق.. فى ظل السياق العام للمجتمع الذى تسود فيه قوة القانون بنفاذ عدالته لضبط سلوك مواطنيه.

رابعًا: هل حقًا إلغاء التربية الدينية هو سلاح نشهره فى مواجهة التطرف.. فيرتد نصله على أعناقنا؟

هذا سؤال يوحى بالإجابة قبل النقاش والحوار. كما أنه ينطلق من مواجهة محسومة الإجابة لصالح التربية الدينية.

رغم أن حقيقة الأمر تؤكد أنه ليس علينا الاختيار بينهما.. فلا يمكن المساواة بينهما.. للأفضلية لأنه ببساطة لا يمكن الاختيار بين الصواب والحق أو الخطأ والباطل. 

أما الأهم فهو السؤال الاستنكارى: هما ولادنا بيتعلموا دين ازاى وفين؟

الأسرة هى المصدر الرئيسى للتعليم الدينى للأطفال فى سنواتهم الأولى، وهو ما يعنى أن معرفتهم بأمور دينهم.. تتوقف على درجة وعى تلك الأسر ومعرفتها بصحيح الدين. وبعد أن يتجاوزوا سنواتهم الأولى.. تتسع دوائر التأثير فيهم دينيًا تدريجيًا سواء من خلال المدرسة أو من خلال السوشيال ميديا وبعض تطبيقات الإعلام الجديد.

والخلل فى تلك المنظومة.. يعنى ببساطة ترك هؤلاء الأطفال إلى التيارات المتشددة والمتطرفة.. لتحولهم إلى قنابل موقوتة ليس فقط ضد مجتمعهم؛ بل ضد أنفسهم وضد دينهم. ومن هنا تأتى أهمية دور المؤسسة الدينية فى تجديد الفكر الدينى داخل أروقتها لتنشر الوعى الدينى السليم طبقًا لمعايير محددة بعيدًا بدلًا من ترك تلك المساحة لشيوخ اليوتيوب وكهنته.

نقطة ومن أول السطر..

الدولة المدنية المصرية ليست ضد الدين. ولكنها ضد توظيف الدين بما ليس له.

الوعى الدينى ليس مسئولية وزارة التربية والتعليم أو وزارة الثقافة أو وزارة الإعلام، بل هو اختصاص المؤسسة الدينية. وهو ما لن يتم سوى بتجديد الفكر الدينى بعد أن تحولنا لمستقبلين لفكر غيرنا من دول أخرى، وتوقفنا عن الإسهام الفكرى بالاجتهاد الدينى.

الوطنية المصرية الحقيقية هى صمام الأمان ضد الطائفية.

الدولة المدنية المصرية هى السبيل للحفاظ على صحيح الدين.. بعيدًا عن ازدراء الأديان والتمييز والطائفية والكراهية التى انتشرت بيننا فى غفلة من زمن الإخوان الأسود.

مصر قبل الأديان.