الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

على حلقات مسلسلة.. ننشر سيناريو فيلم البوسطجى للكاتب الكبير/ صبرى موسى "الحلقة 2"

 13 - غرفة جميلة



- داخلي/ نهار

مريم تفتح باب الغرفة وتدخل على جميلة.. البنتان فى نفس العمر تقريبًا

مريم: جميلة.. الحقى الحقى عاتروحى أسيوط.. عاتسافرى بكرة أسيوط.. أبوكى جال..

جميلة كانت جالسة على سريرها تمشط شعرها فى مرآة.. تفاجأ..

جميلة: أسيوط..؟

 14 - فى الطريق لبيت عباس –

خارجي/ غروب

العمدة وعباس يسيران فى الطريق المؤدى لنهاية البلد من الغرب، حيث يوجد بيت العمدة القديم..

العمدة فى المقدمة وعباس إلى جواره والجريدة الصباحية فى يده وشيخ الغفر خلفهما وخلفه الغفير يحمل حقيبة عباس الكبيرة وفانوسًا..

الكاميرا تسير خلفهم مسيرة طويلة نوعًا وهم يقتربون من البيت..

البيت على البعد قديم مهجور.. دور واحد.. لكنه واسع نوعًا وقد كان مسكن العمدة القديم ورغم أنه هجره إلا أنه يبدو كبيرًا فى الخلاء فى آخر البلد.. وحوله مجموعة من البيوت الطينية.. فتوحى بتمييزه..

أمام الباب كلب يتبول.. وحين يقتربون(العمدة وعباس وشيخ الغفر) يكون الكلب قد انتهى مما يفعله وينصرف..

العمدة يدير رأسه إلى شيخ الغفر ويعطيه نصف قرش..

العمدة: هات عقد إيجار من جودة البقال يا شيخ الغفر

شيخ الغفر يستدير وياخذ الشنطة والكلوب من الغفير..

ش/ الغفر: اجرى يا وله يا دسوجى.. اشترى عقد إيجار.

فيستدير الغفير واجمًا.. بينما يواصلون السير.. ويتقدم شيخ الغفر مسرعًا ويفتح لهم باب البيت ثم يتراجع حتى يدخل العمدة وعباس..

 15 - داخل مسكن عباس

- داخلى / غروب

الباب يفتح على حوش نازل عن الأرض وتحت الباب عتبة أو اثنتان يهبطونها ونرى (من وجهة نظر عباس) فى صدر الحوش سلم قديم من الطين والحطب يؤدى إلى السطح.. وتحت السلم الفرن وبجوار الفرن باب مخلوع يؤدى لمحل الأدب (التواليت).. وفى الحوش حنفية كبيرة من ذلك النحاس القديم. بجوار باب الغرفة التى على يسار المدخل.. (هى شيء أشبه بالقلة الكبيرة الحجم تستخدم فى تخزين ماء الغسيل ولها حنفية صغيرة للاستعمال)..

فى الغرفة كنبة عليها شلتة ممزقة يظهر منها القطن.. وترابيزة رجلها مكسورة وكرسى قديم.

البيت على العموم يبدو مهجورًا مهملًا.. وعباس يتفرج على مسكنه الجديد وهو مصدوم.. وقد يشاهد صراصير أو حشرات.. وقد يخرج من الغرفة وطواط مثيرًا فزع عباس حين يفتحون بابها، بينما العمدة يتجول به فى أنحاء البيت ويشير هنا وهناك..

ش/ العفر: (لعباس) حاكم دى كانت دار العمدة زمان... 

جبل ما ياخد العمدية ويبنى داره الجديدة. إنما برضه أحسن دار... .ومبنية بالطوب.

العمدة: ماتجولش كده يا شيخ الغفر لفندى يضحك علينا..

ودى تيجى إيه جنب بيوت مصر.. أهى تفك عوزة والسلام.

.. (يلتفت لعباس) ماجلتلتيش اسم حضرتك إيه؟

عباس: (بذهول ساخر) عباس حسين.. منقول بترقية من موزع فى بوسطة العتبة، لناظر بوستة فى كوم النحل..!

العمد: موش كده برضه يا عباس أفندى.. تفك عوزة:

عباس: (بيأس) تفك يا عمدة.. وإيجارها كام إن شاء الله؟

العمدة: من غير فلوس.. بس اسكن أنت الأول.

وخد راحتك.. عاتجيب عفش والا عاتكتفى بالموجود.

عباس: أما نبقى نشوف.. بس قل لى الإيجار كام؟

العمدة: أربعة ريال بس..

دسوقى يدخل حاملًا عقد الإيجار ويقدمه للعمدة فيأخذه ويناوله لشيخ الغفر الذى ينهمك فى ملئه..

العمدة يشير إلى غرفة مغلقة ويقول لعباس.

العمدة: دى أوضة مجفولة على شوية كراكيب ومفتاحها معايا

.. أظن مش عاتعوزها..

يعنى عاتعمل إيه بأوضتين؟!

عباس يفيض به الضيق والغيظ ويوافق على كل شيء بيأس كأنما يرغب فى الخلاص بسرعة من هؤلاء الناس.. ويقدم له شيخ الغفر عقد الإيجار..

فيلقى عليه نظرة سريعة ويوقعه.. بينما العمدة ينهمك فى طلاء إصبعه بالكوبيا ويبصم على العقد.. ويناول عباس نسخة ويدس نسخة فى محفظته.

العمدة: مبروكة إن شاء الله.. تيجى تدفع الإيجار بجى على مهلك النهار له عينين.. نفوتك بعافية.. وإن عزت شيء أنا خدام.. يسلمون عليه جميعًا باليد وينصرفون وحين يصبح وحده.. يتهاوى جالسًا فى يأس فوق حقيبته كأنه قد وقع فى مصيدة.. بينما الظلام يهبط حوله ويغطى الأشياء..

 16 - غرفة جميلة

- داخلي/ ليل

النور يشع من لمبة جاز نمرة خمسة تحملها جميلة وتعلقها على الحائط.

تدخل مريم وهى تحمل ملابس مطوية لجميلة..

جميلة تختار الملابس التى ستأخذها معها بوجوم.

جميلة: جلبى بيدج يا مريم وموش ملمومة على نفسى..

مريم: من الخضة.. عشان أول مرة تسافرى وعتعيشى بعيد، لكن بكرة تزقططى فى مدرسة أسيوط.. آه يانى.. نفسى أسافر أى حتة بعيد عن كوم المدعوجة دى..

جميلة تبتسم..

جميلة: ياريت يا مريم.. إنى خايفة جوى أبجى لوحدى.. 

تدخل الأم حليمة

حليمة: بت يا مريم.. جومى نخبز فطيرتين تأخدهم معها.

مريم: حاضر..

تخرج مريم.. فتلتفت الأم لجميلة تقول لها قبل أن تخرج خلف الخادمة..

حليمة: يا مانى خايفة عليكى من السفرية دى يا جميلة..

عجلك فى راسك.. وأنت حرة بجى..؟

جميلة تذهب إلى سريرها فتستلقى عليه كالمأخوذة.. وتحدق فى السقف..

 17 - مسكن عباس

- داخلي/ ليل

عباس ممدد بظهره على الكنبة ويداه خلف رأسه، لايزال بملابسه وكان قد وضع بعض أشيائه على المرتبة القذرة، وعيناه مفتوحتان تحدقان فى السقف

.. الكلوب مضاء.. فى السقف سحابة كبيرة من خيوط العنكبوت.

أصوات الضفاع ونباح الكلاب مستمرة تقطعها فجأة صرخة حادة يتبعها صراخ وعويل.

عباس ينتبه فينهض جالسًا ويرهف أذنه يستمع مصدر الصراخ الذى يبدو قريبًا.. فينهض من مكانه ويتجه إلى الكلوب.

يسمع خارج النافذة خطوات أقدام ثقيلة مهرولة وتمتمة ناس وهمهمات

عباس يحمل الكلوب، يتجه إلى الباب الخارجى ويفتحه..

 18 - خارج مسكن عباس

- خارجى/ ليل

وجه عباس ونصف جسده الأعلى خارج الباب يتتبع المهرولين والكلوب فى يده.. بينما بقية جسده غاطسة فى الحوش الواطئ.. من وجهة نظر عباس.. أقدام وأجسام مسرعة تهرول ناحية الصراخ بعضها فى جلاليب.. وبعضها فى سراويل بدكة..

أحدهم يحمل سكينا كبيرة يندفع وسط المهرولين أمام عباس..

عباس يضع الكلوب على العتبة ويخرج متجهًا ناحية الصراخ مسرعًا يلمح الرجل حامل السكين وهو يختفى على الناصية بين جمهرة من الناس فيزداد إسراعه كأنما ليمنع وقوع جريمة.

صوت: أصوات نساء تولول.. «يا دهوتى.. يا مصيبتى..! يا ويلنا من بعدك ياختى.. ؟ آه يالى متى جتيله ياختى..!»

تجمع المهرولون أمام البيت الذى يخرج منه الصراخ.. وبعض النساء يحملن لمبات الفتيلة والجميع يحاولون التطلع إلى الداخل.

عباس يتطلع فوق أكتافهم.. فيرى الآتى:

حوش ريفى عادى.. وجاموسة ممددة هامدة.. ونساء البيت حولها يولولن ويصرخن.. ورجلًا أو اثنين ممن رآهم يطاردون الجاموسة عند وصوله إلى القرية.

الرجل حامل السكين الكبيرة منحنى على الجاموسة والسكين فى يده وهو مبهوت.. كأنه قد وصل متأخرًا واليأس فى العيون.

عباس ينظر لما يراه بدهشة وحيرة ويلتفت منزعجًا حين يشعر بيد تهبط على كتفه.. ويستدير ليرى دسوقى الغفير وهو يحييه فى تعظيم ساذج

دسوقي: بيندبوا عليها عشان ماتت ولا لحجوش يدبحوها.. خسارة شديدة..!

عباس: أكل اللحم الميت حرام!

عباس يستعيد دهشته وينسحب من الزحام.. والغفير يتبعه متأخرًا عنه قليلًا باحترام وخبث، وهو يحاول أن يخلق بينه وبين البوسطجى جوًا من المرح فيقول:

دسوقى: والله الفلاحين ما عاد بيهمهم.. بكرة تلاجيها متعلجة بتنباع..

عباس: دى البلد كلها قدامك أهى شايفاها ميتة..

ويكون السير قد وصل بهما إلى باب بيته فيتوقفان.. ويقول الغفير مؤكدًا وهو يقسم على البندقية.

دسوقي: وحق دى النعمة.. زى ما بجول لحضرتك كده.. بكره الفلاحين ياكلوها.. أصل الفقر يخرب الذمم؟

عباس يهز رأسه مستنكرًا.. هو ينزل عتبة بيته.. ويرفع الكلوب عن العتبة ويحيى الغفير ويغلق الباب..

الغفير يرد التحية مصحوبة بكتفا سلاح للباب المغلق.. ويستدير داخلا فى شوارع القرية المظلمة وهو يصيح صيحته التقليدية. دسوقي: مين هناك؟

الليل فى شوارع القرية ظلام يحيط بالبيوت كالكفن.. لا صوت فيه سوى نقيق الضفادع ونباح الكلاب.. ونهيق حمار بين الحين والحين.. وبعض زبالات، مصابيح الفلاحين تعبر الظلام، هنا أو هناك.

صوت. صفارة القطار تسمع من بعيد، مع صوت عجلاته.

 -19 داخل عربة القطار

- داخلي/ فجر

المعلم سلامة جالس وجواره ابنته جميلة داخل عباءة الصعيد التى لا تظهر منها سوى عينيها.. تبدو البنت ضئيلة منزوية إلى جوار والدها الذى يظهر كأنه سجانها..!

 -20 جسم القطار

- خارجي/ فجر

جسم القطار يملأ الشاشة وهو يعبر مبللًا بندى الفجر.. وصوت عجلاته وصفارته يطغى على جميع الأصوات..

 -21 الساحة ومكتب البريد

- خارجي/ نهار

ضوء الصباح يغمر القرية..

عباس داخل على الساحة يرتدى بدلة البوسطجى أمامه طفل يقوده إلى المكتب..

تعبر به قافلة من المواشى يسوقها فلاح إلى الحقل تثير التراب خلفها.. يتأمل ما حوله دون مودة..

يصلان إلى مكتب البريد فيجدانه مغلقًا، فيقف عباس ينتظر مجيء الفراش.. بينما يتركه الطفل ويمضى..

مكتب الوسطة دكان فى بيت فى جانب من الساحة.. إلى جانبه قفف ومقاطف وباعة على الأرض.. وجاموسة مربوطة فى حديد نافذة قديمة..

فلاح شاب مستند على حائط يتطلع إلى البوسطجى بقلق، والفلاحون يتأملونه ويرمقونه فى حذر.. وبعض الأطفال قد تجمعوا يتفرجون عليه.. فبدلة البوسطة الرسمية جديدة مكوية وهو واقف بداخلها منفوخ يتململ كأنه وزير البريد.

من أقصى الساحة يجيء رشدى الفراش راكبًا الحمار الرسمى للبوسطة مرتديًا جلبابًا ولاسة، يتهادى به الحمار البطيء حتى يصل أمام البوسطة ويرى البوسطجى.. فيقفز من فوق الحمار بسرعة وينحنى على يد عباس مسلمًا عليه مهنئًا إياه بسلامة الوصول، بطريقة توحى بسوء الخلق والنفاق.. (وهو فحل طويل وعريض فى حجم البوسطجى مرة ونصف أو مرتين..).

رشدي: أهلًا وسهلًا.. حمد لله على السلامة يا فندى.. لا مؤاخذة: أنا اتأخرت عليك..!

عباس: الظاهر إن مشوارها بعيد مراتك الثانية يا رشدي؟

رشدي: (يضحك ببلاهة) همه جالولك.. ؟ حاكم العمدة كده ما تتبلش فى حنكه فولة.

ويخرج رشدى المفاتيح من جيبه ويفتح باب دكان البوسطة ويحاول أن يضع المفاتيح ثانيًا فى جيبه، ولكن عباس يمد يده كصاحب السلطة ويأخذ المفاتيح من الفراش.

عباس: مفاتيح المكتب خليها معايا.. ومن هنا ورايح تيجى البوسطة فى الميعاد.. مفهوم..؟

رشدى الفراش يزوم ويبرطم وهو يربط الحمار أمام الدكان..

رشدي: ديهدى بجى.. يا فتاح يا عليم..

عباس: بتقول إيه؟

رشدي: لع.. ما بجولشى..

عباس يدخل المكتب.. بينما رشدى يفتح الباب على مصراعيه ويسند الضلف على الحائط بقوالب طوب ثم يدخل المكتب..

 -22 مكتب البوسطة

داخلي/ نهار

المكتب من الداخل دكان مظلم.. عباس يتلفت حوله ويتشمم كأنما رائحة عفنة تركم أنفه..

عباس: افتح الشباك..

يتوجه رشدى للشباك يفتحه فتطل من خلف حديد النافذة رأس الجاموسة المربوطة فى الشباك من الخارج..

عباس: وإيه دى كمان؟.. جاموسة.. نهارنا فل..!

يصفق بيديه كأنما يستفتح بزبون..

شوفها عايزة إيه يا سيدى.. ورقة بوسطة، وإلا معاها جواب مسجل بعلم الوصول..

أنت بتتفرج على.. امشى انجر حلها من الشباك ونبه على صاحبها ما يورنيش خلقتها تانى.

يخرج رشدى ونراه من الداخل؛ من وجهة نظر عباس، وهو يحل رباط الجاموسة ورأسها ينسحب وراء حديد النافذة.. بينما عباس يتلفت حوله يبحث عن الرائحة العفنة.. فيفاجأ بمظاهر القذارة والإهمال داخل المكتب.. تراب وأوراق وفضلات وعنكبوت وحبر مدلوق على الجدران.. وفى جانب من المكتب توضع قفف مغطاة يرفع عن إحداها الغطاء.. فيجد طماطم فاسدة وخضراوات.. وبضع دجاجات، وأرنب يقفز هنا وهناك..!

عباس يضرب كفيه مندهشًا.. بينما يدخل رشدى.. فيسأله..

عباس: وده إيه يا سيدى كمان؟

رشدي: شوية خضار باسترزج منهم فى وجت الفضا.

عباس: وقت الفضا أنهوه؟.. اللى بين كوم النحل وبين بنى حسين وإلا اللى بين مراتك الأولانية والثانية.. بذمتك يا شيخ ده مكتب بوسطه ده ولا زريبة، أنا راضى ذمتك..؟

رشدي: ديهدى.. ما هو المكتب طول عمره كده.. هو أنا يعنى اللى كنت عامله؟

عباس: (ثائرًا) لا يا سى رشدى الحكومة اللى عاملاه والحكومة اللى عاملاك أنت كمان.. عشان تاخذ بالك منه وتكنسه موش عشان تبيع فيه طماطم مفعصة يا بنى آدم.. رشدي: (محتجًا) ماتجولش بنى آدم.. حاكم آنى جريب العمدة وما يصحش تتمسخر علاى..!

عباس: (تزداد ثورته) ما شاء الله ما شاء الله.. بقى أنت جريب العمدة.. طب يكون فى معلومك يا قريب العمدة أنى حابعت فيك تقرير زى الزفت للعموم فى مصر.. وأطلب نقلك من هنا.. إن ماكنتش حاتشوف شغلك مظبوط..

وابقى خللى العمدة بتاعك ينفعك ساعتها.. اتفضل خرج الزبالة دى بره.. واكنس المكتب.

يقف الفراش ويسارع بإخراج القفف وينهمك فى كنس المكتب وهو يبرطم، بينما ينهمك عباس فى فتح الأدراج ويخرج الأختام.. ويفتح أكياس البوسطة المغلقة بالشمع ويخرج الخطابات المكدسة.. ثم يسحب مقعده أمام نافذة البوسطة ويبدأ فى فرز الخطابات وختمها بينما الفراش يحاول بتكاسل تنظيف المكان.

عباس: بقالها أد إيه الجوابات دى مركونة..؟

رشدي: ليها ييجى شهر.. من ساعة ما مسكوا الناظر اللى فات.. حاكم آنى اللى وزيت عليه.. ووديته فى طوكر..!

عباس ينظر ناحيته باشمئزاز ويواصل ختم الخطابات.. 

 يجيء إلى النافذة الفلاح الذى رأيناه واقفًا خارج المكتب ويمد يده للبوسطجى بدفتر توفير وبضع نقود.. 

 الشاب : معاى تلات برايز.. عايز أحطهم فى دفترى يا فندى،يأخذها منه البوسطجى ويبحث عن دفتر قيد التوفير..

 عباس : دفتر قيد التوفير فين.. ؟ 

 رشدى : أخدوه فى التحجيج.. مع الإثباتات.. افتح دفتر جديد بجى..

ينظر عباس ناحيته شذرا كأنما يستهين بنصيحته البديهية.. ويضيف المبلغ فى دفتر الشاب ويعيده إليه.. ثم يسحب دفترًا جديدًا ويقيد المبلغ فيه.. بينما صوت الفراش يرن فى أذنه وهو يحكى له حكاية ناظر البوسطة السابق.

ص/ رشدى: حاكم الناظر اللى فات، كان أفندى متنور زى حضرتك كده.. وكان كاره البلد عشان ضلمة ولافيش فيها ملاهى .. وبعدين يجى يسكر ويلعب كونكان مع معوض أفندى الصراف.. وعلى أفندى ناظر الشونة.. وبعدين يجى يختلس فلوس التوفير..   عباس ينتهى من القيد والفلوس فى يده حائرا أين يضعها.. والدرج غير محكم.. بينما صوت الفراش فى الجزء الأخير من الحكاية يعلو كأنه نذير، فتثور أعصاب عباس ويقذف بالنقود فى الدرج ويلتفت إلى رشدى صارخًا.. 

 عباس : ما تشوف شغلك يا جدع أنت.. حاتحكى لى حواديت ولا إيه!؟ مش عاوز أسمع حاجة عن الموضوع دا أبدا.. فاهم ؟

 رشدى يحدق فيه ببلاهة وببرود مندهشًا من صراخه المفاجئ..

عباس يجمع بعض الخطابات فى حقيبة البوسطة ويحملها ويتجه للخروج

عباس : أنا خارج أوزع جوابات العزب والكفور.. عاوز أرجع ألاقى المكتب ده ينفع لقعاد البنى آدمين..

32-  الساحة ودكان البقال

خارجى / نهار

عباس يضع حقيبة البوسطة على الحمار ويسحبه خلفه.. 

 رشدى حائرا يتلفت حوله وسط الساحة.. الشمس فى وسط السماء وظلها تحت قدميه.. يتوجه عباس إلى دكان البقال ويتفرج على بضاعته الفقيرة

 ويسأله عن بعض الأشياء.. بينما بعض الزبائن يتفرجون عليه.. 

عباس : سلامو عليكم .. 

 البقال : سلام ورحمة الله..

عباس : ألاقى بسطرمة..

البقال : لع.. 

 عباس: ولا بولوبيف أو جبنة رومي

 البقال : لع.. ماحدش هنا يأكل الحاجات دي!

 عند البقال يلتقى عباس بناظر محطة السكة الحديد أول من قابله عند وصوله إلى كوم النحل» يشترى تموينه من البقال.. سكر وشاى وسلمون بخلافه.. يتعرف ناظر المحطة على عباس .. 

 ناظر المحطة: ماتأخذ سلمون .. زيى.. وأمرك لله.

 عباس «يجيبه بحماس » أهلا وسهلا.. مابحبش السلمون.. 

 مرة زمان أكلته وعييت أسبوع، من ساعتها حرمت..

ناظر المحطة: يبقى مافيش قدامك غير ورقة لحمة يعملها لك الجزار.. تعالى معايا..

 الناظر يحمل بضاعته وينصرف مع عباس وهو يسأله.. 

 ناظر المحطة: سكنت فين أمال ؟ 

 عباس : فى بيت العمدة القديم.. 

 ناظر المحطة: «يتوقف» خلى بالك منه.. ده راجل دحلاب وقراره غويط.. 

 عباس : ربنا يستر بقى من البلد دى كلها.. معايا شوية جوابات لناس فى عزب ونجوع.. بحكم عملك تلقاك عارف الحتت دى..؟

 ناظر المحطة: «بترحيب».. ثلاث سنين يا خويا فى الهم ده.. لما خدت عليه.. وريهم لى وأنا أدلك.

 عباس يخرج الخطابات ويفرزها مع ناظر المحطة.. كل بلد وجواباتها.. الناظر يشير لعباس.. وهو يردد أسماء البلاد.

 تطلع من السكة دى طوالى لبره البلد تلقى (العزب والنجوع) يمين شمال بين النجع والنجع كيلو أو اتنين بالكثير.. (وينظر لعباس فى رثاء).. أنت كان إيه اللى جابك كوم النحل دى.

عباس: (بغيظ) ترقية يا سيدى.. ترقية من كاتب توزيع بالعموم فى مصر.. «بتفخيم» لناظر بوستة كوم النحس زى ما بتقول..  ناظر المحطة: ما قلتليش.. اسمك إيه؟

عباس : محسوبك عباس حسين..

 ناظر المحطة: محسوبك .. عزيز رزق.. ساكن فى كشك المحطة اللى أنت شفته هناك . 

ابقى تعالى زرنى لو عزت جليس.. والجزار قصادك أهه عالناصية.. سلامو عليكم.. 

 ينصرف ناظر المحطة.. بينما عباس يسحب حماره ويتجه حيث أشار الناظر..إلى الجزار..

42- فوتومنتاج

 خارجى /نهار 

عباس واقف بجوار حماره فى أحد النجوع يوزع الخطابات.. 

عباس على حماره فى السكة الزراعية وهو عرقان والشمس تشوى رأسه ..

عباس فى نجع آخر يوزع الخطابات..

عباس على حماره ومنديله على رأسه تحت الطربوش وخلفه كلب ينبح وهو ينهره بغيظ ويلعن أباه..!!.

عباس يقترب من مسكنه.. ينزل من على الحمار ويربطه أمام البيت ويحمل حقيبة البوسطة ويتوجه إلى باب بيته.. 

 يرى مجموعة من الكلاب تدور حول نفسها على ناصية الحارة..

يقترب أكثر من باب بيته.. فيرى الجاموسة التى ماتت بالأمس مسلوخة ومعلقة أمام بيت صاحبها المجاور له، يقطعون منها ويبيعون.. يتوقف لحظة مبهوتا أمام المنظر.. ثم يتذكر ورقة اللحم التى اشتراها فيخرجها من شنطة البوسطة ويتأملها قليلا فى شك.. 

 ثم يلقى بها بسرعة للكلاب فى قرف شديد!!

يدخل بيته مسرعا ويغلق الباب فى وجه الكاميرا..

-26 مسكن عباس 

 -داخلى /نهار 

 عباس يسير فى الحوش الغاطس متجها إلى غرفته.. 

 يلقى على الفرن تحت السلم نظرة حسرة ويدخل غرفته ويجلس على الكنبة.