الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. الإصلاح والتغيير والحوار الوطنى.. ليس بالسياسة فقط تتقدم الدولة المصرية.. ولكن بالوعى الفكرى وقوة القانون ونفاذ عدالته!

مصر أولا.. الإصلاح والتغيير والحوار الوطنى.. ليس بالسياسة فقط تتقدم الدولة المصرية.. ولكن بالوعى الفكرى وقوة القانون ونفاذ عدالته!

الحوارُ الوطنى من شأنه أن يمثل مرحلة فاصلة فى إعادة صياغة العقل السياسى المصرى وترسيخ قواعد الدولة المدنية المصرية وثوابتها.. بَعيدًا عن سيطرة الأفكار المتشددة والمتطرفة التى ترسّخت على مدار سنوات طويلة، وهى الأفكار التى نعانى منها، والتى لم تتم مواجهتها فكريًا وسياسيًا.. بالقدر الذى يجب أن يكون. ولذا كانت أهمية تناول ارتباط الإصلاح السياسى بالإصلاح الفكرى.



حقيقة الأمر.. تؤكد أنه بَعيدًا عن التضخيم أو التهوين؛ فإن ما تحقق فى عملية الإصلاح الاقتصادى الذى كان ضمن أولوياته طيلة السنوات الماضية الإعداد والتخطيط والتنفيذ السريع لبنية أساسية جديدة للدولة المصرية؛ قد تزامَن مع ترميم وبناء جسور قوية من العلاقات الخارجية مع جميع القوَى الدولية، مما رسخ قدرة النظام المصرى على صناعة قراراته وتنفيذها.

حاليًا.. تؤكد هذه المرحلة أنها مرحلة التركيز على الإصلاح السياسى لأنه بعد مرور أكثر من 12 عامًا على أحداث 25 يناير.. لا نزال نعانى من حالة التجريف الفكرى، التى تمّت تدريجيًا على مدار أكثر من نصف قرن مضى. وهو الأمر الذى نتج عنه عدم وجود نخبة سياسية وثقافية وإعلامية واجتماعية وفنية حقيقية. وهو حُكمٌ ليس على الإطلاق؛ فلا تزال هناك فئة قليلة نادرة وباقية من أصحاب الكفاءة والاقتدار والخبرة.

بدأ الإصلاح مع ثورة 30 يونيو العظيمة، التى كانت بمثابة انطلاق تأسيس الدولة المدنية المصرية، دولة نفاذ القانون والعدالة الناجزة والمساواة المرتكزة على قيم المواطنة. ولذا كان من الطبيعى أن تأتى مرحلة تفعيل الحياة السياسية من خلال دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حفل إفطار الأسرة المصرية فى 26 أبريل 2022 بتكليف إدارة المؤتمر الوطنى للشباب بالتنسيق مع جميع التيارات السياسية والحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى من أجل المستقبل.

فى اعتقادى؛ أن أهمية هذه الدعوة هى وجود مرجعية للإصلاح الفكرى ترتكز على قاعدة ترسيخ وجود أحزاب سياسية حقيقية وفعالة ومؤثرة بعيدًا عن سلبيات تقسيمات الماضى التقليدية بين وسط ويمين ويسار. وما يتبع ذلك من وجود برامج واضحة لها؛ بعيدًا عن توزيع السلع الغذائية، إذ إنه دور أصيل للحكومة بوزاراتها ومحلياتها وبرامجها للحماية الاجتماعية. وهو ما يجعل الحياة السياسية تستعيد دور الأحزاب الحقيقى فى تقديم أفكار وبرامج بديلة أو جديدة قابلة للتنفيذ العملى لصالح المواطن والمجتمع والدولة.

ليست العبرة بتجاوز العدد لأكثر من 100 حزب، ولكن بما تقدمه تلك الأحزاب من إسهام على أرض الواقع.. يرتكز على الرؤية فى التقدم والتطور.

النظام الحالى لديه رؤية يتم تنفيذها للإصلاح بخطوات محسوبة.. حتى لو اختلف معها البعض، ولكن يتم تحقيقها تدريجيًا.. على غرار ما أقرته التعديلات الدستورية لسنة 2019 من وجود نائب أو أكثر للرئيس، وهى فى تقديرى أحد الأشكال القادمة للإصلاح السياسى فى سبيل ترسيخ الشكل المؤسّسى لنظام الحُكم المصرى فى ظل وجود فريق من المستشارين والخبراء مع الرئيس.  

التحدى الأساسى فى تفعيل الحياة السياسية هو مواجهة المشكلات المؤثرة سواء فى عدم وجود حالة تفاعُل سياسى حقيقى بسبب الأحزاب المتهالكة والأحزاب الكارتونية وأحزاب السلع التموينية، وبسبب تلك الحالة غير المنضبطة سواء فى عدم القدرة على التناول الموضوعى للتحديات، أو فى الدفاع عن الثوابت، أو فى فشل تسويق الإنجازات والإيجابيات، أو فى الإخفاق فى الرد على الشائعات الموجهة. وما يتواكب مع ذلك من حالة عدم وعى حقيقى فى المجتمع.. تجعل أصحابها يميلون دائمًا إلى تصديق الأوهام والأكاذيب لتبرير العديد من الإجراءات الحكومية.

أحد أشكال تحقيق مسيرة الإصلاح هو وجود أحزاب قوية، تضم فى عضويتها مواطنًا مصريًا واعيًا ببرامج وأفكار وتوجهات هذه الأحزاب، إذ يسهل ذلك الاختيار بينها، والانضمام لها. وهو ما لن يتم إلا بوجود إصلاح فكرى حقيقى لترسيخ حالة الوعى للعقل الجمعى المصرى.. الذى ظل أسيرًا لأفكار متطرفة ومتشددة من جهة، ولنظرية المؤامرة علينا من جهة أخرى.. حتى نظل فى مربع الضعف والهوان والخنوع. هذه الحالة التى استطاعت ثورة 30 يونيو انهاءَها.. لتبدًا مرحلة جديدة فى تاريخ الدولة المصرية.. دولة 30 يونيو أو الجمهورية الجديدة..

لا يمكن الحديثُ عن الإصلاح الفكرى دون التعرض لعلاقته بالدين أو بمعنى أدق تجديد الفكر الدينى، وليس الخطاب الدينى. وهو الجانب المُهمَل فى الحديث عن الإصلاح. لا يمكن أن ننكر أن الأفكار المنتشرة فى الشارع المصرى هى نتاج سنوات من تغلغل الأفكار الإخوانية والسلفية فى جميع محافظات المجتمع المصرى دون استثناء، وهى أفكار متشددة ومتطرفة تكفّر كل ما حولنا، تكفّر الطرفَ الثانى سواء فى الرأى أو النوع أو الدين، وليس لديها تسامح أو قبول للاختلاف أو فكرة التعددية؛ لكونها تستند على نشر خطاب الكراهية والتمييز والإقصاء والاستبعاد والتهميش والتنمُّر.. بداية من التشكيك فى كل ما يحدث، ومرورًا بالتخوين، وصولًا إلى التكفير غير المعلن. وتكون المحصلة النهائية حالة من السخط الافتراضى المنتشر فى الشارع على الحكومة والدولة تدريجيًا.

يرتبط ما سبق بشكل مباشر بمدى قدرتنا على تبنّى نشر الثقافة القانونية التى نحتاج أن تكون ضمن مناهجنا التعليمية والتربوية؛ وبخاصة منذ المرحلة الابتدائية وما قبلها. إن قوة القانون تخلق لدى المواطنين على مَرّ الوقت سلوكًا فى المجتمع يتسم بالالتزام والانضباط.. وسرعان ما يتحول تدريجيًا بعد خبرة التطبيق العملى إلى حالة وعى جماعى لدى المجتمع.

لا يخلق الوعىُ وحدُه سلوكًا أو قانونًا ملزمًا لجميع المواطنين؛ ولكنه تراكم على المدى الطويل لخبرات كبيرة تحدده وتصيغه فى شكل قوانين ولوائح مُلزمة بعد بلورته ونضوجه واكتماله. وربما يكون المثال الشهير هنا هو منظومة تطبيق قوانين المرور فى الدول الأوروبية، التى أصبحت تمثل أحد مظاهر الحياة المدنية فى تلك الدول.. رُغْمَ استعداد الإنسان الدائم لحالة الفوضى. ولكن يظل تطبيق القانون على الجميع دون استثناء؛ حقيقة لا مجال للالتفاف حولها أو توظيفها واستخدامها فيما ليست له، وهو أمْرٌ لا شَك فيه أو خلاف حوله.

نقطة ومن أول السطر..

الإجراءات والإنجازات التى تمّت فى المجتمع المصرى؛ خصوصًا فى العمل السياسى والإعلامى فى مصر هى خطوات لمواجهة نتاج أكثر من نصف قرن من تشوهات تراكمية فى الشكل والمضمون للوعى الوطنى والعقل الجمعى المصرى. ولتحقيق ذلك.. نحتاج إلى قوة القانون لترسيخ الدولة المدنية فى مواجهة تلك التشوهات التى رسختها أچندات دول ومنظمات خارجية ونفّذتها جماعات وحركات داخلية لإضعاف مصر. وهى تشوهات لا يزال لها تأثيرٌ عند البعض، يظهر بين الحين والآخر فى مواقف التشدد الفكرى المتطرف، وهى للأسف الشديد؛ لا تزال تحتل مساحات لا بأس بها فى الشارع، ولم تنتهِ رُغم كل تلك المواجهات والملاحقات.

بدأت مسيرةُ الإصلاح، والرهان على استمرارية تلك المسيرة التى أصبحت مرتبطة باتخاذ إجراءات حاسمة وناجزة تحت السَّند الدستورى والقانونى لدعم الوعى والفكر والعقلانية.