الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر أولا.. مجالس المجتمع المدنى الوهمية للتسامح والسلام.. التمويل الموجه لتحقيق مصالح غير وطنية!

مصر أولا.. مجالس المجتمع المدنى الوهمية للتسامح والسلام.. التمويل الموجه لتحقيق مصالح غير وطنية!

من الملاحظ خلال الفترة الماضية بعد ما حدث من سجال وجدال حول «الديانة الإبراهيمية الجديدة» أنه قد تم تمرير تأسيس بعض المنظمات والمجالس بشكل منمق منذ عدة سنوات. وهو ما جعلها تبدو.. كأن تصنيفها ضمن مؤسسات المجتمع المدنى.. رغم أن حقيقتها تؤكد أنها كيانات موجهة لتحقيق مصالح محددة حسب مصدر تمويلها وتوجيهها سواء لنشر أفكار محددة أو تبنى ترويجها بقناع الدبلوماسية الناعمة.



فى الاحتفالية بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس بيت العائلة المصرية سنة 2021 قال  د.أحمد الطيب «شيخ الأزهر» عن «الدين الإبراهيمى الجديد» أنه مصادرة لحرية الاعتقاد. كما ذهبت بعض الكتابات إلى أنه مصادرة لحرية الإيمان وحرية الاختيار.

وأذكر أننى قد كتبت مقالاً على صفحات مجلة «روزاليوسف» 20 نوفمبر 2021 ذكرت فيه أن الكثيرين قد تفاعلوا بشكل عاطفى مع هذا السجال بالشكل الذى جعل الأمر يظهر.. كأنه مجرد دفاع عن المعتقدات الدينية بعيداً عن الذوبان فى دين جديد مستحدث.. دون أى مرجعية للحقائق التاريخية والمعلومات الدقيقة. ويأتى هذا المقال استكمالاً وتطويراً لبعض ما كتبته بعد رصد وتحليل ما حدث خلال الفترة الماضية.

ارتبط الترويج لمفهوم «الديانة الإبراهيمية» بالحديث عن أن الأديان السماوية فى شكلها الحالى.. ما هى إلا مصدر للمشكلات والأزمات، ويجب إعادة تأويلها لتكون أكثر سماحة وسلاما. وهو طرح يهمل أن المشكلة الرئيسية تقع على أتباع الأديان بالدرجة الأولى، وليس فى الأديان نفسها.. فمن يتحاور ويتناقش ويقتل ويحارب ويكفر هم أتباع الأديان، بل وأتباع الدين الواحد فى استغلال وتوظيف سياسى للنص الدينى حسب الحاجة والطلب.. على عكس ما يحمله من قيم ومبادئ سامية. وقد نتج عن ما سبق، أن تحول مصطلح «الديانة الإبراهيمية» إلى مفهوم غامض فضفاض ذو طابع دينى على خلفية سياسية مباشرة لتنفيذ استراتيجيات وسيناريوهات ذات مصالح سياسية لشكل التعاون بين دول المنطقة.

تاريخياً.. تم الترويج لفكرة «الديانة الإبراهيمية» عن طريق مراكز بحثية يطلق على بعضها «مراكز الدبلوماسية الروحية»، ويتم دعمها تمويلياً من: الاتحاد الأوروبى، وصندوق النقد الدولى، والبنك الدولى. وقد أطلقت جامعة هارفارد الأمريكية.. برنامج «أبحاث دراسات الحرب والسلام»، والذى تناول تداول الفكرة منذ عام 2000 تحت دعاوى حل الصراع العربى - الإسرائيلى من خلال هذا المفهوم الإبراهيمى الجديد. ثم جاءت بشكل مباشر من خلال دعوة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية وبين إسرائيل تحت إطار ما عرف حينذاك باسم «اتفاقيات أبراهام» فى شهر أبريل 2019، تقديراً لإبراهيم الذى يعتبر أب الديانات السماوية الثلاث «اليهودية والمسيحية والإسلام. وما ترتب على ذلك من تداول  بعض الأفكار باعتبارها مخططات يتم الإعداد لها فى أروقة صناعة القرار بالولايات المتحدة الأمريكية.. لخلق حالة فكرية جديدة فى الدول العربية يتم الترويج لها تحت عنوان «الديانة الإبراهيمية» أو الديانات الإبراهيمية» أو «الإبراهيمية» أو «السلام الإبراهيمي» أو «الميثاق الإبراهيمي» لتكون بمثابة خارطة طريق كحل لفرض السلام ووقف النزاعات فى الشرق الأوسط.

الطريف فى الأمر، وما يجب الانتباه إليه أنه قد بدأت منذ عام 2017 تأسيس بعض المنظمات العربية ذات الطابع الدولى المعنية بالتسامح والسلام بإمكانات وتسهيلات تثير العديد من الشبهات، وبإضفاء شرعية سياسية وثقافية لها من جهة، وبضم شخصيات عالمية وبرلمانية ضمن هياكلها من جهة أخرى. فضلاً عن إضفاء الصبغة الدولية والعالمية لها من خلال توقيع بروتوكولات التعاون والشراكة مع الأمم المتحدة وغيرها، وإهداء الميداليات والدروع.   

الغريب فى الأمر، أن مثل هذه المنظمات والمجالس.. تهدف إلى عقد شراكات دولية لغرس قيم التسامح ونبذ التطرف، وتعزيز جهود الدبلوماسية الوقائية لحماية السلام ومنع وقوع النزاعات قبل حدوثها، ونشر ثقافة التسامح، وعقد المؤتمرات وتنفيذ برامج ومناهج دراسية عالمية للمدارس والجامعات لتعزيز السلام والأمن.. خاصة مع الشباب لمواجهة النزاعات التى تواجه العالم بسبب التطرف والتشدد والتعصب الدينى والطائفى والعرقى.

إنها للأسف منظمات مشبوهة.. تعيد صياغة مفاهيم «الديانة الإبراهيمية» التى تدعو لنشر ثقافة الحوار بين الأديان والحضارات، والتعايش المشترك، والتأكيد على القيم الدينية المشتركة، والتقريب والحوار بين الأديان. ولذا علينا أن نميز منطلقات دعوات الحوار بين أتباع الأديان التوحيدية «اليهودية والمسيحية والإسلام» التى تدعو لتأكيد المساحات المشتركة من أجل التعايش والسلام والتعددية تحت إطار وطنى، وبين الدعوة للديانة الإبراهيمية بهدف إعادة رسم علاقات دول منطقتنا العربية لصالح تحقيق أهداف سياسية من خلال التوظيف المباشر للدين. وهو ما يعنى عدم الخضوع لنظرية المؤامرة علينا وعلى منطقتنا.. بقدر قدرتنا على التعامل مع تحقيق أكبر قدر من مصلحتنا الوطنية من جهة، وتحقيق الاستقرار حولنا بالتفاوض والحوار والحكمة فى ترتيب العلاقات الدولية من جهة أخرى. والفصل بين حوار أتباع الأديان بهدف فكرى ووطنى وفلسفى،  وبين هدف تحقيق مصالح سياسية محددة لدول ترى ضمن مصالحها تبنى نشر «الديانة الإبراهيمية» بشكل مباشر تارة، ومن خلال منظمات ومجالس تدعمها مادياً بشكل غير محدود تارة أخرى.

قامت تلك المنظمات فى سبيل تحقيق أهدافها باستقطاب سفراء ووزراء سابقين وأكاديميين لرسم ملامح شرعيتهم المشكوك فيها بعضويتهم فى هيكلها الفنى والإدارى، كما استقطبت العديد من شباب الباحثين والصحفيين من خلال توفير فرص عمل لهم للمزيد من الانتشار بنشر أفكارهم وأنشطتهم على نطاق واسع من خلال مقرات لإدارة العمل منها. رغم أن أهدافهم ومبادئهم تتجاوز فى الحقيقة مجرد كونها أنشطة وفعاليات منظمة مجتمع مدنى إلى مساحة التأثير المدعوم تمويلياً فى الرأى العام المصرى سواء لمحاولة خلق ريادة افتراضية، أو بوهم زيادة نفوذ سيطرتهم الثقافية والسياسية فى مقابل تحجيم دورنا وتراجع مكانتنا لصالحهم.

أود أن أركز هنا بوضوح على أن دعوة تلك المجالس بوجود مناهج دراسية عالمية للمدارس والجامعات لتعزيز السلام والأمن هو حق معلن يراد به باطل فى المحتوى.. لأن مشكلتنا الحقيقية فى مواجهة التطرف والتعصب ونبذ العنف والطائفية هو تجديد الفكر الدينى، وليس الخطاب الدينى الذى يؤثر مباشرة فى المناهج المزعومة. ما نحتاجه هو تجديد حقيقى للفكر الدينى الذى من شأنه عدم الخلط بين دعوة الديانة الإبراهيمية وبين دعاوى إصلاح التعليم على غرار مادة القيم المشتركة.. فالخلط هنا لا محل له من الحقيقة. والهدف هو خلق حالة من التشويش والبلبلة بخلط الأوراق بين ما تقوم به الدولة المصرية مثلاً فى إطار تطوير التعليم وبين تنفيذ أجندات لمصالح دولية كبرى. 

إن هدف مثل تلك المنظمات المنتمية زوراً وبهتاناً إلى المجتمع المدنى.. رغم كونها تنتمى تمويلياً لحكومات الدول التى تدعمها هى محاولة رسم ملامح إنسانية لها حتى تستطيع تحقيق أهدافها السياسية حسب المطلوب منها تنفيذه. ولكن تظل القاعدة المرجعية هى أن الدعوة إلى الحوار بين أتباع الأديان والإخاء أو الإخوة الإنسانية والتسامح وقبول الاختلاف لا يعنى بأى حال من الأحوال ذوبان الأديان مع بعضها أو انصهارها فى دين واحد جديد.. فلكل دين سماته وخصائصه المميزة عند أتباعه. ولكن المطلوب والمرغوب هو التأكيد على المساحة المشتركة الكبيرة فى القيم والمبادئ الإنسانية والوطنية التى تدعم التعايش والسلام والوئام بين أبناء الوطن الواحد فى سبيل نهضته وتقدمه.

نقطة ومن أول السطر.. 

ترتدى بعض المنظمات والمجالس.. عباءة المجتمع المدنى للحكمة الإنسانية والبراءة والتواضع. أما الحقيقة.. أنها عباءة الكذب والتدليس لتحقيق مصالح أنشطتها الفخمة ورعايتها لأنشطة أخرى وهمية للمزيد من الشهرة والتواجد والانتشار، وتثبيت مكانتها بشكل مثالى افتراضى.. ليس له محل من الحقيقة.