الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
30 عامًا.. ومازالت جريمة  اغتيال فرج فودة  مستمرة!

30 عامًا.. ومازالت جريمة اغتيال فرج فودة مستمرة!

عام 1992 عقدت المناظرة التى أدت إلى اغتيال الدكتور فرج فودة، كانت فى مثل هذه الأيام فى معرض الكتاب من ثلاثين عامًا، وقتها كان المعرض مميزًا بندواته الثقافية وأمسياته الشعرية ومناظراته العميقة، كانت لقاءات المثقفين والمفكرين بالجماهير تجعل المعرض عرسًا ثقافيًا حقيقيًا ينتظره رواده بشغف كل عام، كانت القاعات تمتلئ عن آخرها وتدور نقاشات ساخنة يتسع لها قلب المفكرين ويسعد بها القراء والمتابعون للحياة الثقافية والفكرية وأناس عاديون ممن يحضرون المعرض لأسباب مختلفة فتجذبهم المناقشات مع نجوم الأدب والثقافة، فيتمتعون بالجدل المفيد والمثير للتفكير، ولكن كل هذا انتهى واختفى فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق مبارك، والذى ضاق صدر نظامه تجاه بعض الشخصيات والقامات الكبيرة التى كان المعرض يستضيفها فى ندواته فتدلى بآراء لا تعجب القائمين على الحكم وقتها، فمنعت هذه الندوات واللقاءات الفكرية ولم تعد موجودة فى فعاليات المعرض، ومنذ ثلاثين عامًا استضاف المعرض ندوة من أهم الندوات فى تاريخه، كانت مناظرة بعنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، كان ممثلا دعاة الدولة الدينية الشيخ محمد الغزالى والمستشار مأمون الهضيبى نائب مرشد الإخوان فى ذلك الوقت ومرشد الجماعة بعدها بسنوات، فى مواجهة الدكتور محمد أحمد خلف الله والدكتور فرج فودة مدافعين عن الدولة المدنية، وحسب «البريشورات» التى طبعها المشرفون على المعرض للإعلان عما تحتويه فعالياته كان من المفترض أن يدير المناظرة الدكتور محمد عمارة، ولكن الأخير عندما رأى القاعة وقد امتلأت بأصحاب اللحى الطويلة الذين احتلوها مبكرا وهم يكبرون ويهللون؛ طلب أن يكون فى جانب المتحدثين لصالح الدولة الدينية، ولم يجد الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب والمشرف على المعرض وقتها حلا سوى أن يدير هو المناظرة التى أصبحت ثلاثة ضد اثنين على عكس المفترض فى مثل هذه المناظرات التى تتطلب التساوى بين الجانبين، وقد استطعت فى هذا اليوم أن أجد لنفسى موطئ قدم فى القاعة فى حين ظل المئات من أنصار الدولة المدنية يستمعون إلى المناظرة عبر الميكرفونات خارج القاعة، ولهذا شاهدت وسمعت وتابعت ما حدث عن قرب، لم يقدم الهضيبى وعمارة أى أفكار سوى كلمات عاطفية وشعارات رنانة، بينما كان الغزالى أكثر دراسة للفكرة فى كلامه، وفى المقابل كان كلام الدكتور خلف الله غير مؤثر على المستمعين ربما لأنه أكاديمى أكثر، فى حين أحرج فودة المواجهين له ولم يستطع ثلاثتهم الرد على ما طرحه من أفكار وما وجهه إليهم من أسئلة، وكان من أهم ما قاله أى دولة دينية تريدون؟، وقد كانت الخلافة الأموية وبعدها العباسية مليئة بالمظالم والقتل من أجل الحكم والأمثلة على ذلك كثيرة، واستشهد بما قاله الشيخ الغزالى نفسه فى كتابات سابقة بأنه بعد الخلفاء الراشدين لم تكن الخلافة راشدة، وسألهم أيضًا: لدينا تجارب لتطبيق الشريعة والحكم الإسلامى حولنا فى الخليج وإيران والسودان خلال حكم النميرى فهل أنتم راضون عنها؟ وما هى التجربة التى تريدون أن نكون مثلها؟ وقال كذلك: إن أى حكم لا بد أن يكون لديه برنامج تفصيلي للحكم ولحل المشكلات التى تواجه البلاد وأنتم ليس لديكم برنامج فكيف تحكمون؟ وهو الأمر الذى اعترف به الهضيبى فى رده داعيًا فودة لوضع البرنامج باعتباره مسلمًا، ورد الأخير بأن لديه برنامجًا بالفعل لحزب المستقبل الذى يريد إنشاءه وسيمنحه له بعد المناظرة مما أحرج الهضيبى بعد أن ارتد إليه سهمه، وحاول الثلاثة التملص بقولهم: إن الحكم فى الخلافة بعد الخلفاء الراشدين وتجارب الدول الثلاث ليس حجة على الإسلام، وإنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية كما جاءت فى القرآن، وإن الاشتراكية والرأسمالية لهما عيوبهما وأخطاؤهما فلماذا لا نجرب الحكم الإسلامى؟، ورد فودة بأنه من يضمن إلا يكون الحكم أيضًا غير رشيد، وأضاف بأنه يقبل أن تهان الاشتراكية والرأسمالية ولكن الإسلام أعز عنده من أن يهان مطالبًا بتنزيه الإسلام من الأغراض السياسية لأنه دين عظيم، وقال إن هناك فصيلًا يريد الحكم الدينى ويمارس الإرهاب والقتل باسم الإسلام، وتساءل: يقومون بهذه الأفعال وهم ليسوا حكامًا فماذا سيفعلون بالناس إذا اعتلوا الحكم؟



انتهت المناظرة وكل طرف فى موقعه، ورغم تهليل القاعة لأصحاب الدولة الدينية إلا أنه بدا أنهم مهزومون وحجتهم ضعيفة وغير قادرين على مواجهة أفكار فودة، بعدها بشهور  قليلة تم اغتياله أمام منزله على يد إرهابى اعترف فى التحقيقات أنه لم يقرأ لفودة ولكن صدرت فتوى باعتباره كافرًا ومرتدًا عن الإسلام، فقام بتنفيذ التعليمات.. مرت ثلاثون عامًا على المناظرة وعلى حادث الاغتيال، ومازالت الجريمة مستمرة على يد الإرهابيين الذين يغتالون كل من يقف فى وجههم ويفند أفكارهم ويكشف تهافتها، ويكفرون من يخالفهم وينصبون محاكم التفتيش لمن لا يرضون عنه، رحم الله الدكتور فرج فودة وجزاه خيرًا عن دفاعه عن صحيح الإسلام.