الجمعة 5 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

كدهون! .. العب يا ميمون

تقدمتْ فى اتجاهى بخُطى ثابتة وصمْت مهيب وعلى وجهها الكثير من علامات الحيرة والتعجب، وقبل أن تصب فنجان القهوة اليومى نظرتْ لى نظرة ذات مَغزى تجيد استخدامها كثيرًا؛ خصوصًا فى أوقات الأزمات والمشكلات وكِدَهُوَّن.. الحقيقة لم أكن مستعد نفسيًا ولا ذهنيًا لمفاجأتها الصباحية أو حتى المسائية، وتساءلتُ بقلق مكتوم: ماذا فى جعبتك هذا الصباح ياأم إبراهيم (اللى بتساعدنى فى البيت) وتريدين أن تخبرينى به؟ فى تلك اللحظات العظيمة التى تقدمين لى فيها قهوتى المحوّجة التى أنتظرها بفارغ الصبر من صُنع يديها، خاصة وهى تعلم جيدًا أنها نقطة ضعفى (القهوة مش أم إبراهيم) وبالتالى فهذا هو الوقت المناسب جدًا من وجهة نظرها لعرض قضيتها أو مشكلتها (أتمنى ألا تكون الأزمة مع زوجتى) كى لا تفقدنى متعتى البريئة مع فنجان القهوة، فتعاملتُ معها بحذر رجل حكيم يدرك أنها حالة الهدوء التى تسبق العاصفة، وما أدراك ما عاصفة الست أم إبراهيم إذا قررت أن تقوم وكِدَهُوَّن..



 نظرتُ لها فى اندهاش مصطنع وبراءة الأطفال على وجهى وسألتها: مالك يا أم إبراهيم واقفة كده ليه عايزة تقولى حاجة؟؟ وكأنها كانت متأكدة من عمق سذاجتى وعلى أتم الاستعداد للانطلاق السريع نحو هدفها، فألقت بكنكة القهوة بعيدًا عن طريقها ووضعت كوب ماء بارد أمامى وصاحت  فى وجهى بحركة مسرحية رديئة: هو حضرتك ياأستاذ منعم مش لك فى حكاية الفن والحاجات دى؟ فأدركت على الفور أننا  على أعتاب حديث عبثى لن أستطيع أن أتخلص منه بسهولة، ولكنى التزمت الحكمة فأومأت رأسى فى وقار الأستاذ حسين رياض وقلت لها ساخرًا: أيوة فعلًا أنا بقالى فترة طويلة لى فى حكاية الفن دى.. ثم ابتسمتُ ابتسامة سمجة لا داعى لها وقلت: هو انت عايزة تمثلى ياأم إبراهيم ولا هاتغنى؟؟ فتراجعت خطوتين للخلف استعدادًا لهجوم شامل كاسح متجاهلة سؤالى الساخر (ياريتنى ما سخرت) فقالت بدهاء محارب قديم: ياأستاذ منعم الرزق يحب الخفية وانت لا مؤاخذة يعنى زى ما بتقول كده لك فى الحاجات بتاعة الفن دى من زمان وزى ما بسمع دى حاجات قرشها حلو وكتير أوى وكِدَهُوَّن.. فقلت لها بتوتر حقيقى: هو أنت  محتاجة فلوس ياأم إبراهيم ؟؟؟ فقاطعنى بعصبية مضغوطة: فلوس إيه يا أستاذ، مستورة والحمد لله- فحمدتُ ربنا لأنها  غير محتاجة لسُلفة لأول الشهر  وكِدَهُوَّن.. وقبل أن ينفد صبرى استكملت حديثها قائلة: أنا بس نفسى أفهم إيه اللى مقعدك فى البيت وعَمّال تشرب فى قهوة سادة  كأنك فى عزاء ومش بتنزل تحضر الموالد الكتير اللى بيعملوها كل يوم والتانى دى وبشوفها فى التليفزيون؟؟؟ فأخذت نَفَس عميق ثم رشفت رشفة بطيئة من فنجان القهوة ونظرت فى الولا حاجة (زى أى مثقف عميق) وكأننى أفكر فى كلامها، إلا أنى الحقيقة كنت مستمتع فقط بطعم وريحة القهوة المحوّجة ولكنى تظاهرت بالاهتمام وبأنى أخذت كلامها على محمل الجد وكِدَهُوَّن.. وقبل أن أفكر فى أى رد مقعر ينهى هذا الحديث العبثى؛ خصوصًا أنه يحمل فى ثناياه اتهامات خطيرة لى بالتكاسل وعدم السعى، ودى معلومات لو وصلت لآذان  زوجتى العزيزة (والزّن على الودان أقوى من السّحر والجان) قد تدفعها لرفع قضية خُلع وتخلعنى فى لحظات من أهلى وحبايبى والمجتمع والناس، وقد تحرمنى من فنجان قهوتى المحوّجة وكِدَهُوَّن.. فخرج من حنجرتى صوت ضعيف مبحوح وقد أدركت أخيرًا فداحة الاتهام؛ ولكنى ادعيت الغباء حتى اتهرب من مواجهتها: مش فاهم تقصدى إيه بالضبط ؟؟ فقالت بصبر  أمّ على ابنها البليد ساقط الإعدادية: أقصد أنت ليه مش بتحضر الموالد دى زى زمايلك بتوع الفن دول؟ ده أنا حتى عمرى شوفتك فى التليفزيون لابس  بدلة الفرح  أم البابيونة السوداء واقف معاهم بتضحك بالجامد أوى زيهم كده؟! فصرختُ بكل ما أحمل من كرامة مجروحة على طريقة الأستاذ عبدالسلام النابلسى وقلت: موالد؟! أنا زمايلى بيحضروا موالد وعايزانى أنا كمان أروح معاهم؟!

   وبعدين دى اسمها مهرجانات فنية يا أمّ إبراهيم مش موالد وكِدَهُوَّن.. فنظرت لى نظرة السّت فردوس محمد الحنينة وقالت: مش هاتفرق يا أستاذ منعم، دى زى دى، أهى كلها هيصة وزحمة ودق طبلة، والشغل مش عيب والسعى مطلوب والموالد كلها بركة وحركة وخَلق بتجيب شغل كتير ورزق كبير. ثم قالت بتعالى العظماء: ده أنا خالى فهيم  كان قرداتى أد الدنيا وكان كسّيب وما كانش بيشتغل أبدًا غير فى أكبر موالد فيكى يا مصر وكِدَهُوَّن. فقلت لها  (باهتمام مصطنع ): تقصدى يعنى أسرح بربابة وأرقّص القرد ميمون على القهاوى  فى الموالد الكبيرة وأرفض  أرقّصه فى الموالد الصغيرة وكِدَهُوَّن.. فقالت بحيرة حقيقية: أنا  مافهمش والنبى فى شغلكم  بس اعمل زى ما زمايلك ما بتعمل وروح الموالد  والمياتم وتحرّك إن شالله تتنطط انت بدل ميمون القرد بتاع خالى فهيم، تصدّق ده كان ساعات يروح الموالد من غير القرد ويتنطط هو بداله وكِدَهُوَّن.. ساد الصمت وبردت القهوة وفقدت سحرها فقد قلبت هذه السيدة المواجع بحُسن نيتها ودون أن تقصد  فاستكملت حديثها الصادم وقالت: أنا مكسوفة من الجيران والخَفَر فى المنطقة كلهم بيسألونى ليه عمرنا ما شوفنا أستاذة يسرا بتزور أستاذ منعم  ولا حتى الأستاذ عمرو دياب  جه يسهر عندك يوم عيد ميلاد بنتك أمينة؟؟؟ وكل مرة أكدب  وأدارى وأقولهم الأستاذ منعم تعبان ومش قادر يروح المولد، بس مش هاتفضل تعبان كده على طول لازم تشرفنا فى المنطقة.. ثم بكت فجأة وقالت: ده أنا نفسى أشوف مدام غادة عبدالرزاق قبل ما أموت  وكِدَهُوَّن..  فقلت لها بهدوء العلماء: عندك حق جدا يا أم إبراهيم لازم فعلاً أنزل موالد وبأقصى سرعة بس محتاج قرد موهوب  ودمه خفيف علشان أقدر  أعلمه  أصول التنطيط برشاقة ومهارة تلفت نظر الجمهور له  ونشتغل بقى  والعَجلة تدور والرزق  يصالحنى وياخذنى فى حضنه وكِدَهُوَّن.. فقالت بسعادة بالغة: ماتقلقش خالص، أنا أقدر أتصرّف لك فى  قرد موهوب وذكى من عند خالى فهيم وأنت بقى عليك تطبعه على طبعك وتفهمه طلباتك وتاخذه معاك كل الموالد يتنطط ويلعب ويشرّفك ونشوفك فى التليفزيون ونكيد الأعادى وكِدَهُوَّن.. ترانى تأثرت بعواطفها الجياشة ومحبتها الصادقة وبأمنيتها الأخيرة بلقاء مدام غادة عبدالرزاق وكِدَهُوَّن.. قلتُ لها  بمنتهى المحبة والامتنان: ثوانى، هاتنطط وأجيلك.