الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل بابا الفاتيكان شيوعى ؟

هل بابا الفاتيكان شيوعى ؟

السؤال أعلاه طرحه الكاتب المعروف والباحث المدقق إميل أمين فى كتابه «فرنسيس.. فقير وراء جدران الفاتيكان»، والذي صدر مؤخرًا عن المركز الثقافى الفرنسيسكانى، السؤال لم يأت من فراغ؛ فمنذ ارتقى البابا فرنسيس كرسى الفاتيكان والأصوات تتعالى موجهة إليه سهام الاتهامات حول توجهاته الفكرية من الناحية الاقتصادية، وتتساءل: هل يميل للأطروحات والشروحات الماركسية والفكر الاشتراكى بأكثر من ميله وتفضيله للنموذج الرأسمالى؟، ولكن ما السبب فى طرح مثل هذه الأسئلة؟. 



يقول إميل «إن البابا فرنسيس منذ الأيام الأولى لبابويته لم يتوان يومًا عن الدفاع عن الفقراء والتنديد بالرأسمالية العالمية التي اتهمها مرارًا بأنها تنهش من لحم المعدمين حول العالم»، ويضيف: «كانت عظات البابا سببًا رئيسيًا فى اتهامات بعض الأصوات ولا سيما من تيار المحافظين الأمريكيين بأنها تحمل فى طياتها أفكارًا يسارية بحتة «كما وصفوا كلامه» كأنه منفيستو ماركسى جديد، ويكشف الكاتب «إن انتقاد البابا لاقتصاديات السوق الحر جعل منه فى أعين غلاة الرأسمالية رمزًا لليسار ولا سيما بعد أن وصف الرأسمالية بأنها مصدر لعدم المساواة فى أحسن الأحوال وقاتلة على أسوأ تقدير»، ويطرح إميل سؤالا يحمل فى طياته ردًا على الاتهامات: «هل كانت آراء فرنسيس مغايرة من الناحية الاقتصادية لآراء سابقيه من باباوات الكنيسة الكاثوليكية؟، ويجيب: من المؤكد أن الكتابات الاقتصادية للبابا فرنسيس ومن قبله كتابات البابا يوحنا بولس الثانى ليست إلا انعكاسًا للتقليد الكنسى الكاثوليكى المتضمن فى الوثيقة الشهيرة باسم «الأشياء الجديدة» والتي وضعها البابا لاون الثالث عشر وحملت رؤية تمثل طعنًا فى الأفكار الشيوعية وانتقادات فى نفس الوقت للجوانب الرأسمالية وأفرزت ما اصطلح على تسميته عقيدة الكنيسة الاجتماعية التي تعد الأساس الأيديولوجى لرؤية الفاتيكان، ويكشف إميل أن فرانسيس وهو البابا الأول فى تاريخ الفاتيكان القادم من أمريكا اللاتينية قد تأثر كثيرًا بما تعيشه هذه القارة وبلده الأرجنتين بنوع خاص، بل إنه شارك فى المظاهرات التي خرجت فى الأرجنتين ضد الانصياع لوصفات صندوق النقد الدولى وضد الوصفات النيوليبرالية للاقتصاد الأرجنتينى، وليس معنى ذلك أنه شيوعى، ففى مقابلة مع صحيفة لاستامبا الإيطالية قال البابا: «الفكر الماركسى خطأ»، وفى مناسبة أخرى قال: «إن التلاقى مع الفقراء والمعذبين فى الأرض لا يأتى استجابة لأيديولوجية معينة»،كما قال أيضًا: «إن الفقر فى القلب من الإنجيل وعليه فإن الشيوعيين سرقوا رايتنا لأن راية المسيحية هى الفقر والفقراء»، ويرى إميل «إن المتابع لحياة البابا وفكره يُدرك أن نقده للرأسمالية بعيد كل البعد عن النقد الماركسى الممنهج وسيُدرك أنه نقد أخلاقى وإيمانى وإنسانى».

 وقد بدأ البابا تطبيق أفكاره بالفاتيكان نفسه فقد ألغى أمورا بروتوكولية ومجاملات درج السابقون عليها، ووجه بأنه لا معاملات خاصة للأشخاص والشركات المانحة، ولا معاملة خاصة للكنيسة فى مباشرتها الاقتصادية مع البنوك، ولا عشاءات عمل مع المانحين، وبهذا بعث رسالة واضحة لجميع الكرادلة الذين وصلت بهم الأمور إلى جعل هذا النوع من اللقاءات بيزنس خاص بهم والأهم أنه لا قداديس خاصة لأولئك المانحين، والحقيقة أن رسالة البابا يجب أن تصل إلى كل رجال الدين فى كل الطوائف والمذاهب والأديان، وعليهم أن يهتدوا ببابا الفاتيكان فى توجهاته الإصلاحية ونظرته الشاملة لمناحى الحياة والدين، هذه التوجهات يطرحها الكتاب فى باقى فصوله، فالرجل ولد فى بيونس أيرس لعائلة مكونة من خمسة أطفال مهاجرة من إيطاليا حيث هرب الأب والأم منها فى زمن الحكم الفاشى، ولأنه ابن لعائلة مهاجرة فقد أبدى اهتمامًا وتعاطفًا كبيرًا مع المهاجرين وعلى نحو خاص من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما ظهر منذ اعتلائه كرسى الفاتيكان أنه بابا إصلاحى، حتى إنه بعد شهور على انتخابه تساءلت وكالة الأنباء الفرنسية: هل بدأ البابا عملية الإصلاح وراء أسوار الفاتيكان؟، يقول إميل «بدأ فرنسيس إصلاحًا طموحًا هادئًا للإدارة الفاتيكانية وأحاط نفسه بمجلس استشارى وشكل لجانًا خاصة بالأمور المالية ورفض مظاهر الترف واحتفالات التكريم»، وتطرح مجلة ناشيونال جيو غرافيك سؤلا: هل ينجح الفاتيكان فى تغيير البابا أم ينجح البابا فى تغيير الفاتيكان؟ والإجابة أن فكرة التجديد والإصلاح فى ذهن البابا تنطلق من قناعاته، ولم يخيب فرنسيس الآمال فى التغيير ففى أول عامين من ولايته عين 39 كاردينالا منهم 24 من خارج أوروبا وألقى خطبة عام 2014 عدد فيها ما تعانيه الكنيسة والإدارة البابوية من أوجه القصور والآفات، ومنها التباهى والنميمة والسعى للربح الدنيوى وكلف 9 كرادلة بإجراء إصلاحات فى المؤسسة منهم 7 لا ينتمون للإدارة البابوية.

ولكن هل هذه الإصلاحات مقبولة داخل الفاتيكان أم أن هناك ناقدين لها؟ يرد الكاتب على التساؤل: «الثابت أن ثورة فرنسيس لا تحظى باستحسان الجميع ويتخوف المحافظون من أن يؤدى العمل الجماعى وإضفاء الديمقراطية على الكنيسة إلى إصابتها بالشلل والفوضى»، ولكن هل تعيق هذه المقاومة البابا؟ الإجابة حسب إميل «لا»، فثورة فرنسيس تتجاوز جدران الفاتيكان من دون أن يكون انقلابًا على التعاليم والمبادئ الإيمانية والأخلاقية أو تجاوزًا للعقيدة الكاثوليكية، وهذه التعاليم المسيحية جعلته يدافع عن الإسلام رافضًا وصفه بالإرهاب مشيرًا «إلى أن هناك دومًا مجموعة صغيرة من المتطرفين فى كل دين»، كما أنه أقام علاقات طيبة مع الأزهر بعد سنوات من الجفاء، وأشار الكتاب إلى محبة البابا لمصر والذي قال خلال زيارتها «يشرفنى أن أزور الأرض التي زارتها العائلة المقدسة»، ولعل من أبرز مواقفه على الصعيد العالمى هو اعترافه بدولة فلسطين. 

الكتاب يشمل أيضًا جوانب أخرى متعددة للبابا فرنسيس يصعب الإلمام بها فى مقال واحد نظرًا للمساحة المتاحة، ولكنه مهم لمن يريد أن يعرف رؤى البابا الذي أحب الفقراء وعاش مثلهم من وراء جدران الفاتيكان.