الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أستاذة تاريخ تقترح استغلال الحى سياحيًا: من قلب الإسكندرية.. «ميناء البصل» سوق تجار العالم

تعتبر ميناء البصل من المناطق الأقل كثافة سكانية بالإسكندرية ذات المساحة المحدودة، غير أن ذات الاسم إداريًا يطلق على منطقة ذات كثافة سكانية عالية؛ حيث يحتل تقسيم مينا البصل الإدارى جزءًا كبيرًا من مساحة (حى غرب الإسكندرية)، فيشمل مناطق «القبارى»، و«الورديان»، و«المفروزة» وغيرها.



تقول دكتورة زينب المنسى أستاذ التاريخ بجامعة الإسكندرية، إن منطقة مينا البصل تتبع تاريخيًا إقليم مريوط، الذى عُرف فى العصر الفرعونى باسم كرمة آمون، وقد عمّرت تلك المنطقة قبل قدوم الإسكندر الأكبر لمصر، أى قبل بناء الإسكندرية، وازدهرت فى العصر اليونانى والرومانى، لعل أكبر دليل على ذلك قربها من منطقة عمود السوارى وكوم الشقافة المنطقة الأثرية الأشهَر فى الإسكندرية. 

واستمر الوجود القوى للمنطقة طيلة العصر الإسلامى، فعلى مقربة من منطقة مينا البصل كان يوجد جامع الألف عمود، وقد كان الجامع الأضخم والأقدم فى الإسكندرية، واستمر بناء الجوامع سواء بشكل مستجد أو على أطلال مبانٍ قديمة.

وتضيف «المنسى» إنه من أهم الجوامع الأثرية التى تحيط بمنطقة مينا البصل جامع المنير وجامع نظير أغا وجامع المردانى وجامع أبوالعلا وكذلك جامع القبارى الذى كان محل الولى والعالم الفقيه الشيخ القبارى، والذى كان علامة من علامات العلم والتصوف فى الإسكندرية فى العصر المملوكى، ويجاور جامع القبارى أيضًا ضريح القاضى العز بن عبدالسلام، حقيقة أن العز بن عبدالسلام لم يدفن فى هذا الضريح ولكن وجود هذا الضريح فى هذا المكان بالقرب من مينا البصل وهى منطقة تجارية ولشيخ شافعى فى معقل المالكية يثير الكثير من التساؤلات.

 التجارة والصوفية 

فى منطقة مينا البصل قبل أن تحمل هذا الاسم فإن تلك المنطقة التجارية ضمت بين طياتها التجار الشوام الذين وجدوا فى شخص العز بن عبدالسلام الملاذ والإمام فكان اتجاههم للاعتزاز به وعمل ضريح رؤية له يكون ملتقى الشوام فى غرب الإسكندرية. يطرح هنا السؤال نفسه؛ ما الذى جعل تلك المنطقة تجارية أو ذات قيمة اقتصادية والإجابة واضحة لكل باحث فى التاريخ، فتلك المنطقة تجاور منطقة المكس، والمكس من المكوس وهى الضريبة التى تفرض على البضائع الداخلة إلى البلد أو القطر فإذا نظرنا إلى أقصى جنوب أسوان سنجد هناك منطقة باسم المكس وكذلك فى العوينات وحلايب.

فالمكس هو الجمرك، وهو ما يؤكد على أن منطقة المكس كانت جمركًا للإسكندرية فى العصر الإسلامى، فطبيعى أن تزدهر المنطقة المجاورة لأى جمرك اجتماعيًا واقتصاديًا، ومن ناحية أخرى يجاور منطقة مينا البصل منطقة كفر عشرى، والعشرى هو الجمركجى المقصود بها مأمور الجمارك، والكفر هو المستقر أو الحى، والمقصود بمنطقة كفر عشرى أنها كانت سكن رجال الجمارك من جهة وكانت مخزنًا للعشور التى يحصلها رجال الجمارك ومن ثم أصبحت منطقة مينا البصل هى السوق الأقرب لتصريف منتجات العشور، فبعضها لم يكن ليتحمل السفر إلى القاهرة والبعض الآخر كانت تكلفة سفره تغطى جدواه الاقتصادية ومن ثم ازدهرت تلك المنطقة.

ريادة تجارية

تقسيم الأراضى الفضاء المجاورة للميناء الغربى بذات المنطقة «ميناء البصل» بين أهل المدينة، لتبنى كمخازن لتلقى البضائع الصادرة والواردة عبر الميناء والتى كان من أهمها محصول «البصل»، وانتشرت بالمنطقة المخازن والشون والوكالات وتحولت المنطقة إلى حى تجارى وإدارى بامتياز أطلق عليه مينا البصل سكنه وأقام به التجار من مختلف ربوع مصر ومن خارج مصر.

كما يرتبط حى مينا البصل بالمينا البحرى «المكس» والمرسى النهرى لترعة «المحمودية» ما سهل عملية التجارة الداخلية والخارجية، وزاد من الأهمية التجارية للحى إنشاء خط السكة الحديد من القاهرة إلى الإسكندرية فى منتصف القرن 19.

النشاط التجارى فى منطقة مينا البصل لم يقم على عملية التجارة فى السلع الزراعية والمحاصيل فقط؛ إنما ازدهرت فى مينا البصل الأنشطة الخدمية المتعلقة بالسفن مثل بيع الأقمشة واللوازم البحرية والحبال والجنازير والحدايد والمسامير والكيماويات ولا تزال تلك الأنشطة موجودة حتى الآن، كذلك انتشرت منافذ بيع أعلاف الحيوانات والسروج والجلود وانتشر البياطرة وكذلك المقاهى وأماكن اللهو.

قبلة التجار 

بعد أن ذاع صيت مينا البصل التجارى قصدها اليهود واليونانيون وسائر الأجانب فى مصر؛ خصوصًا بعد افتتاح بورصة القطن بها والتى عرفت باسم بورصة مينا البصل؛ حيث إن منطقة مينا البصل اكتسبت شهرة تجارية عالمية. لارتفاع أسعار «القطن المصرى» بعد الحرب الأهلية الأمريكية؛ حيث قفزت الصادرات المصرية من محصول «القطن».

بعد الاحتلال الإنجليزى وسيطر الإنجليز على منطقة مينا البصل وعلى حركة التجارة والتصدير فى المنطقة، وذلك للسيطرة على محصولى القطن والبصل؛ حيث القيمة المادية للقطن من جهة والقيمة الاستراتيچية للبصل من جهة أخرى كون روسيا إحدى القوى المنافسة لإنجلترا من أهم مستوردى البصل لاستخدامه فى الصناعات الكحولية

 بورصة مينا البصل

وتميزت بورصة مينا البصل بأن التعاقد فيها يتم على أساس التعامل على الأقطان الجاهزة وقت التعاقد ويتم شراؤها فورًا بعد المعاينة فالاستلام ودفع الثمن.

وظلت البورصة تحت رئاسة الأجانب منذ نشأتها حتى تولى رئاستها «محمد أحمد فرغلى باشا» فى نهاية الثلاثينيات.. جدير بالذكر أن محمد أحمد فرغلى باشا هو جد الفنانة السكندرية حورية فرغلى.

ومع قيام ثورة يوليو وتحول الاقتصاد المصرى إلى النظام المركزى قلت أهمية منطقة مينا البصل مثلها مثل الكثير من المناطق التجارية الحرة، مثل بحرى أو بعض المناطق فى دمياط وبورسعيد؛ حيث اعتمدت تلك المناطق على رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وأسلوب المنافسة والمضاربة أحيانًا، وقد اختفى هذا الشكل بعد قوانين التأميم فاختفى التجار الأجانب وقامت الدولة المصرية بدور التاجر فقد تم إنشاء شركات لتجارة المحاصيل وللتصدير.

اقتراحات بتطوير المنطقة

وتقترح دكتورة زينب المنسى أستاذ التاريخ المتخصصة فى التراث الحضارى بجامعة الإسكندرية، الاستغلال السياحى لمنطقة مينا البصل بأنه من الممكن استغلال منطقة مينا البصل سياحيًا بأكثر من شكل بداية من خلال إنتاج أعمال سينمائية توثق وتؤرخ للمكان كجزء لا يتجزأ من تاريخ الإسكندرية، كما يمكن إحياء المنطقة واستغلالها سياحيًا عن طريق عمل نظام الصوت والضوء ليحكى عن تاريخ المنطقة ومجدها، كما يمكن الاهتمام بطريق كوبرى التاريخ لجعله ممشى سياحيًا ووضعه على الخريطة السياحية، كذلك منطقة كفر عشرى وعموم المساجد المحيطة بمنطقة مينا البصل يجب وضعها على الخريطة السياحية بالإسكندرية.

أمّا بالنسبة لمبنى بورصة القطن فترى «المنسى» أنه يمكن أن يتم استغلاله سياحيًا عن طريق تحويله إلى فندق تراثى على الشكل الحالى وتكون أساسات هذا الفندق مماثلة لأساسات بيوت القرن التاسع عشر، مثل بيت الكريتيلية، ومقدمى الخدمة فى المكان يلتزمون بالأزياء التراثية، ومن الممكن استغلال الشارع الجانبى بجوار البورصة كمزار سياحى أو بانوراما لعرض مجسمات للسفن السكندرية على مر العصور، أو يمكن استغلال هذا الشارع للعروض المفتوحة بحيث تؤدى فيه الفرق التراثية السكندرية عروضها، وهو ما سيؤدى إلى الازدهار السياحى والاقتصادى للمنطقة.

وتقترح أيضًا أن يتم عمل كتيب حول منطقة مينا البصل يذكر أهم الأحداث التى وقعت فى المنطقة ويذكر أعلام المنطقة على مر العصور، وكذلك من الممكن الاعتماد على كتابات المستشرقين والرحالة للحصول على صور ورسومات منطقة مينا البصل فى القرنين الـ 18و19 وأوائل القرن العشرين وعمل معرض لها؛ بل وتسويقها كمنتج سياحى ويمكن عمل نظام الطفطف التراثى ليتجول حول منطقة مينا البصل.