الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«روزاليوسف» تواصل  نشر فصول خاصة  من (دعاة عصر السادات) إبراهيم عزت.. مربى الإرهابيين

«روزاليوسف» تواصل نشر فصول خاصة من (دعاة عصر السادات) إبراهيم عزت.. مربى الإرهابيين

فى الحلقات المقبلة تنفرد «روزاليوسف» بنشر فصول من كتاب (دعاة عصر السادات)، الصادر عن دار العين للزميل وائل لطفى.. الكتاب يناقش تفاصيل الصفقة السياسية مع جماعة الإخوان المسلمين والسماح لها بالعودة للعمل، وأثر الدعاة الذين تأثروا بأفكار جماعة الإخوان على الحالة السياسية والاجتماعية للمجتمع المصرى فى العقود التالية.. يحتوى الكتاب على فصول عن الدعاة الإخوان مثل الشيخ كشك والشيخ الغزالى والشيخ المحلاوى.. فضلًا عن دراسة عن موقف الشيخ الشعراوى من قضايا المرأة والأقباط والفن.. الكتاب هو الثالث للزميل وائل لطفى بعد كتابَيْه (دعاة السوبر ماركت) و(ظاهرة الدعاة الجُدُد) والذى حصل عنه على جائزة الدولة التشجيعية عام 2008.



 

بين دعاة السبعينيات، لم يكن الشيخ إبراهيم عزت (1939-1983) أشهَر الدعاة، ولكنه كان أكثرهم تأثيرًا على المنتمين للحركة الإسلامية، أن حياته غامضة، ولولا أنه توفى وهو فى بداية الأربعينيات لكان له مع الشهرة شأن آخر.. إنه واحد من الدعاة المنتمين للإخوان المسلمين.. لم يكن فى حياته ما يثير.. وُلِدَ لأسرة متوسطة فى صعيد مصر، وكان والده مُدرسًا للتعليم الصناعى، نزح إلى القاهرة، وفى كلية التجارة تعرّف على الإخوان المسلمين، وقد اعتُقل على ذمة قضية 1965 الشهيرة، وظل فى السجن ثلاث سنوات من 1965 حتى 1968. 

الغريب أنه رُغم انتمائه للإخوان المسلمين التحق بوظيفة مذيع فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وبالتحديد فى إذاعة القرآن الكريم؛ حيث قدّم عددًا من البرامج. كان أشهرها برنامج يحمل اسم (بيوت الله).. ولم تكن المحطة الثانية فى حياته المهنية أقل غرابة؛ حيث التحق بالجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وربما ظل موظفًا فيه حتى وفاته. 

 

وهو شاعر.. أثرت أشعارُه فى الشباب المنتمين للحركة الإسلامية، وتحوّلت بعض أشعاره إلى أناشيد تَغنّى بها كبار منشدى الحركة الإسلامية مثل أبى مازن، وقد كان للأناشيد الإسلامية دور كبير فى الشحن المعنوى للشباب المنتمين للحركة الإسلامية فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى.. وقد سجّلت قصائده تجربة المعتقل وتردده بين الصمود والانهيار.. وحالات الضعف التى كانت تعتريه.. واشتياقه لوالدته، والحقيقة أن المستوى الشعرى لقصائده متميز، وهى على خلاف أشعار الإسلاميين لا تنتمى للقصيدة الكلاسيكية العمودية، ولكن لقصيدة التفعيلة، وهو ما يدل على انفتاحه على قراءات أخرى غير القراءات الدينية.

والكُتّاب الذين أرّخوا له من جماعة الإخوان يقولون إنه ترك الجماعة فى عام 1963 وأنه عندما اعتقل على ذمتها لم يكن عضوًا فيها، لكن الحقيقة أن علاقته بالإخوان ظلت قائمة حتى وفاته، وأن الإخوان يعتبرونه واحدًا منهم، يستحق تكريمه، وتخليد سيرته.. هو لم يترك الجماعة إثر خلاف معلن، هو تركها فقط لينخرط فى مهمة أخرى تبدو غامضة هى الأخرى.. إذ أسّس الفرع المصرى لجماعة التبليغ والدعوة.. فى ظروف لا تزال تتسم بالغموض وعدم الوضوح هى الأخرى.. لقد ظهرت هذه الجماعة فى الهند.. أسّسها مسلم هندى هو محمد إلياس الكند هلوىّ (1885-1944) عام 1926، أن سيرته هو الآخر تبدو غامضة، خالية من التفاصيل، أن هذه الجماعة أقرب ما تكون لجماعة صوفية، يتهمها السلفية بالابتداع.. إنها تقوم على الدعوة إلى الله؛ حيث يهب أعضاء الجماعة بعض أوقاتهم لدعوة الآخرين للإسلام أو للصلاة ويسمون ذلك بالخروج فى سبيل الله؛ حيث يهب العضو للدعوة ثلاثة أيام فى كل شهر، وأربعين يومًا فى كل عام، وأربعة أشهُر فى العمر كله، يسافر خلالها إلى قرى فى نفس بلده، أو إلى بلاد أخرى فيها فروع للجماعة، فى الخروج يقيم الأعضاء فى مسجد يقبل أن يستضيفهم ومعهم أقل القليل، ويتقشفون فى طعامهم، ولا يقبلون دعوات الطعام من أهالى البلدة التى ينزلونها، ويأكلون على نفقتهم.. وهم يخرجون فى جولات يدعون فيها الناس على المقاهى وفى الشوارع للمسجد، وعندما يعودون يستمعون للدرس الذى يسمونه البيان، وهم لا يتحدثون فى السياسة، ويستبدلون فريضة الجهاد بالخروج للدعوة، وقد انتشرت الجماعة بسرعة كبيرة حتى صار لها فروع فى معظم دول العالم، وقيل إن عدد أعضائها بلغ 80 مليون شخص، وكانت السعودية أول دولة عربية تدخلها الجماعة، رُغْمَ اعتراض علماء الوهّابية عليها، ومن السعودية جاءت إلى مصر، ولا شك أن الجماعة جاءت إلى مصر بعد تولى الرئيس السادات السُّلطة، وسياسات تشجيع الإسلاميين، أسّس إبراهيم عزت الجماعة وصار أول رئيس لها فى ظروف غامضة لم يتم التأريخ لها، لكن الأكيد أنه أصبح شهيرًا فى أوساط شباب الإسلاميين فى بداية السبعينيات، وكان أحد الدعاة الذين يحاضرون فى مخيمات الجماعة الإسلامية عام 1973، وأنه انتقل من الخطابة فى مسجد صغير فى حى الدقى يدعى مسجد المدينة إلى مسجد كبير فى حى المهندسين الراقى هو مسجد أنس بن مالك، الذى كان مسجدًا متعدد الطوابق، وأن جمهوره كان من الطبقات الاجتماعية الأرقى التى عرفت طريقها للتدين فى تلك الفترة، كما انتشرت جماعة التبليغ والدعوة انتشارًا كبيرًا حتى بلغ عدد أعضائها فى مصر ربع مليون عضو.. لكن الأهم كان تأثير إبراهيم عزت فى الحركة الإسلامية كلها، فقد كشفت التحقيقات فى قضية اغتيال السادات أنه كان على صلة بمحمد عبدالسلام فرج مؤسّس التنظيم وأنه قال له إنه لن يستطيع أن ينضم للجهاد رُغم إيمانه بأفكاره، لكنهم يستطيعون تجنيد مَن يريدون من أعضاء جماعته أو على حد تعبيره (أنا أجيب الناس من الشارع للمسجد، والباقى عليكم).. التحقيقات كشفت أيضًا أن عبود الزمر بدأ عضوًا فى التبليغ والدعوة قبل أن يعتنق أفكار الجهاد، وأن خالد الإسلامبولى تأثّر بخطبة سمعها له ذات زيارة له للمنيا، ورُغم أن خُطبه لم تنتشر عبر الكاسيت مثل عبدالحميد كشك، ولا عبر التليفزيون؛ فإنه توجد تسجيلات متاحة له، وهى خُطب عاطفية، تُخاطب الوجدان، وتلهم الإحساس، وتستنهض المسلمين ليعيدوا مجد الإسلام، وقد كان يبدأها بعبارة يا أحباب.. حتى عُرفت جماعته بجماعة (الأحباب)..وهو بمعيار من المعايير أول الدعاة الجُدُد.. فلم يكن منتميًا للمؤسّسة الأزهرية وكان جمهوره من الطبقات الراقية، وكان يركز على الجانب الوجدانى والرقائق، وهى كلها صفات توافرت فى الدعاة الجُدُد الذين عرفتهم مصر فى الثمانينيات والتسعينيات، وقد قال الداعية عمرو خالد إنه كان تلميذًا لإبراهيم عزت، وأنه تأثر به. وفى مذكراته يحكى رجل الأعمال أشرف السعد نجم توظيف الأموال عن إبراهيم عزت.. إذ كان السعد عضوًا فى جماعة التبليغ والدعوة فى نهاية السبعينيات، وهو يحكى كيف تحوّل بفضل تبنّى إبراهيم عزت له من صعلوك إلى ملياردير؛ حيث توسّط له فى البداية ليعمل مع محمد رضوان تاجر العملة الشهير، ثم عرّفه إلى أحمد عبيد أحد قيادات الإخوان ونائب رئيس مجموعة شركات الشريف، الذى طلب منه أن يوفر للمجموعة مليون دولار شهريّا من السوق السوداء لسداد احتياجات الاستيراد، وهو ما حوّله من تاجر عملة صغير إلى تاجر كبير، وفتح أمامه آفاق الثراء، وهو يروى أن إبراهيم عزت نفسه كان يساهم فى تجارة العملة بالمبالغ التى يستطيع اقتطاعها من دخله...، لكن فترة الرواج والتأثير التى شهدها إبراهيم عزت سرعان ما انتهت باغتيال الرئيس السادات، إذ أدركت أجهزة الأمن أن خطأً قد وقع، فتم منعه من الخطابة، وقضى الفترة من 81 حتى 83 ممنوعًا من الخطابة، حتى تُوفى على متن باخرة متجهة لميناء جدة؛ حيث كان يتجه للمدينة المنورة بنية العمرة والاعتكاف، وهى طريقة موت غامضة لا تقل غموضًا عن حياته القصيرة ولا عن الدور الذى أداه خلالها.