
أسامة سلامة
قتل عمد وليس إهمالاً
لو أن مواطنًا يدرك أن ما سيفعله أو تصرفه الذى سيقوم به قد يؤدى إلى الموت ومع ذلك يصر على القيام به، هل نعتبره مجرد إهمال وتقصير أم أنه قتل مع سبق الإصرار؟ وهل هذا التهور نراه رعونة فقط أم إزهاق أرواح عن تعمد؟ قد يقول البعض إن القتل العمد يشترط وجود نية لذلك وبغيرها ينتفى هذا التوصيف القانونى وينتقل إلى مناحٍ أخرى مثل القتل الخطأ الناتج عن عدم الاحتراز، ولكنى أتساءل: إذا كان هناك إصرار على الإهمال وعدم الاحتراز والرعونة مع الوعى الكامل أنه قد يؤدى إلى وفاة أبرياء لم يرتكبوا ذنبًا سوى الثقة الكاملة فى الشخص أو الهيئة والمؤسسة التابع لها، ألا يعتبر ذلك «قتل عمد»؟ وأكرر أن من قام بالتصرف يدرك تمامًا أنه قد يؤدى إلى إزهاق الأرواح، ولكنه لم يهتم باتخاذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإضرار بالناس، ولم يقم بواجبه الذى يحول دون وقوع الكارثة، ولم يلق بالًا للإجراءات المطلوبة من وظيفته.
أكتب هذا قبل أن تظهر نتائج التحقيقات النهائية فى الحوادث التى وقعت مؤخرًا وأدت إلى وفاة عدد غير قليل من المواطنين، وأبرزها حادث قطار الصعيد، وسقوط عمارة جسر السويس، وقبلهما عمارة الطريق الدائرى، وهى أمثلة على هذا الإهمال المتعمد والقاتل فى نفس الوقت ، وهى حوادث تكررت كثيرًا فى الآونة الأخيرة، وأصبح معتادًا أن نقرأ أو نسمع عن حادثة قطار أو انهيار عقار بسبب الفساد والإهمال المتغلغل فى مؤسسات وقطاعات مختلفة، وإذا صح ما نشر أن سائق القطار غادره فى إحدى المحطات وترك مساعده يقوده بدلًا منه ، وأنه لم يستجب لنداءات ومطالبات إيقاف القطار عبر اللاسلكى قبل اصطدامه بالقطار الثانى فكيف نعتبر ذلك مجرد إهمال؟ ألا يدرك السائق جيدًا أنه يعرّض حياة الركاب للخطر، وأنه من المحتمل أن تحدث كارثة، ومع ذلك أصر على تصرفه الأرعن؟ وكذلك إذا كان صحيحًا ما نشر أنه تم الاتفاق على تعطيل جهاز الأمان بالقطارات خلال مرورها فى مناطق إصلاح السكك الحديدية حتى لا تتأخر عن موعدها كثيرًا، فهذا أمر يثير التساؤل.
نعم.. حبست النيابة ثمانية متهمين فى هذا الحادث على ذمة التحقيقات، منهم سائقا القطارين ومساعداهما وآخرون، ولكن من المؤكد أن التهم التى ستوجه لهم إذا ثبتت الإدانة فى حقهم لن ترقى لما تسببوا فيه من وفيات، أيضًا إذا صح ما نشر فى حادث عمارة جسر السويس أن مالكها قام ببناء عدة أدوار دون ترخيص، وأن مالك الدور الأرضى الذى يستخدمه مصنعًا دون ترخيص أراد توسيع الشقة فحطم عامودًا خرسانيًا، مما جعل العمارة تنهار، فإن ذلك إصرار على المراهنة بحياة السكان والمقامرة بهم، والاثنان صاحب العمارة والساكن يدركان جيدًا مدى الأخطار المترتبة على تصرفهما؟ فكيف نحاسبهما على مجرد الإهمال أو حتى على القتل الخطأ؟
إننى لا أقصد الأمثلة السابقة بذاتها ولكنى أعنى كل إهمال فى نواحى حياتنا يؤدى إلى قتل ووفاة المواطنين، الإهمال القاتل لا يقتصر على السكك الحديدية فقط، فهو يشمل أيضًا عدم إصلاح الطرق، وكذلك من قام بإنشائها مخالفة للقواعد العلمية، مما تسبب فى وفاة كثير من المصريين حتى صرنا من أكبر دول العالم فى حوادث الطرق والسيارات، ويضاف إليهم من يتقاعس عن وقف البناء المخالف أو من يقوم بالبناء مهملاً قواعد البناء الصحيحة مما قد يؤدى إلى انهيار العقارات، الأمر يمتد إلى كل من يعبث بصحة وحياة المصريين، مثل من يقوم بصناعة أغذية فاسدة وهو يعرف جيدًا تأثيرها الضار على الصحة وأنها قد تؤدى إلى أمراض قاتلة، وكذلك من يصنع أدوية غير صالحة للاستخدام أو يبيع أدوية منتهية الصلاحية ، ونفس الأمر مع أصحاب ومديرى المستشفيات التى لا تقبل المرضى رغم خطورة حالتهم، وهم يعرفون أن عدم إسعافهم قد يؤدى إلى الوفاة.
ما سبق كله على سبيل المثال وهناك مجالات أخرى مماثلة، ولذا وبسبب انتشار الفساد فى مناحٍ كثيرة من حياتنا وخاصة فى المحليات والصناعات الغذائية والدوائية والطرق والمواصلات وهى ما تمس بشكل مباشر صحة وحياة المصريين، فإننى أطالب الحكومة والبرلمان بتعديل تشريعى يشدد العقوبة على الإهمال المتعمد وعلى الإصرار على التهاون وعدم الاحتراز رغم العلم بخطورة التصرف وأنه قد يؤدى إلى إزهاق الأرواح، وأن تتساوى مع جريمة القتل العمد، وأن كل مسئول يتقاعس عن القيام بواجبه فى حماية الأرواح مهما علا منصبه وأدى تراخيه إلى وفاة المواطنين يستحق ذات العقوبة، إننا نعانى من تجذر الفساد فى حياتنا ولا سبيل لاقتلاعه إلا بالعقوبات المشددة بعد تحقيقات شفافة ومحاكمات عادلة.