الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مصر بين حديث القوة واللعنة

مصر بين حديث القوة واللعنة

أيام أثبتت صلابة الشعب وقوة القيادة وعنفوان الدولة.. الإرادة تمضى إلى حيث يقرر المصريون



قناة السويس.. استردتها الجمهورية الأولى وأنقذتها الجمهورية الثانية

“محدش يتصور أنه ممكن يبقى بعيد عن قدرتنا".. والسيسى إذا وعد صدق وعده

موكب المومياوات.. ألم نقل إن قوميتنا مصرية؟

الانتحار السياسى لوزير الدولة للإعلام.. لماذا أطالب بإقالته؟!

 

يستمر حديثنا عن (الجمهورية الثانية)، وهذا هو رابع المقالات التي تبحث فى الإعلان السياسى بالغ الأهمية الذي تضمّنه خطاب الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فى الندوة التثقيفية التي أقامتها القوات المسلحة بمناسبة (يوم الشهيد).. وقد حدّدنا فى مقالات سابقة تاريخ انتهاء الجمهورية الأولى من وجْهة نظرنا.. بأنها تلك اللحظة التي وصل الخصم التاريخى والأيدلوچى لثورة يوليو إلى مَقر حُكم جمهوريتها.. بمعنى تلك اللحظة التي أعلن فيها وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحُكم.. واجتهدنا فى تأصيل فلسفة هذه الجمهورية بأنها ليست مجرد ترقيم ولكن فلسفتها أنها الجمهورية القابلة للبقاء وتعتمد لتحقيق هذه الغاية على التفكير الاستراتيچى بعيد المدَى..

 

بدأنا فى تناوُل أفرُع متعددة تشكل فى مجملها التكوين المصري وحاله مع الجمهورية الأولى ومستقبله مع الجمهورية الثانية.. وبدأنا بملف الصحافة وطالبنا بتدخُّل الدولة لإعادة بناء الكادر الصحفى والإعلامى.. وطرحنا أن يمتد نشاط الأكاديمية الوطنية للتدريب إلى هذا الإطار، ولهذا استقبلنا الخبر الذي كشف عنه قبل أيام والذي يتحدث عن التعاون بين المجلس الأعلى للإعلام والأكاديمية من أجل تدريب القيادات الإعلامية والصحفية بترحاب بالغ.

ثم سعينا للبحث عن هويتنا وقوميتنا للوصول إلى ما جرَى للشخصية المصرية خلال العقود الماضية بعد استقطابها بين تيارَيْن تحالفا على تدميرها لتحقيق أهدافهما؛ التيار الأول هو تيار الإسلام السياسى، والتيار الثانى هو تيار القومية العربية، وسردنا بشكل نحسبه منطقيّا انتهاءَ التيارَيْن وتحرُّر الشخصية المصرية منهما، وأننا فى مرحلة إعادة إحياء القومية المصرية من جديد التي تقول إن مصر أولاً وأن مصر هى الحل، ورصدنا منهجَ الخطاب السياسى المصري فى محطات متعددة منذ تولى الرئيس «عبدالفتاح السيسي» المسؤوليةَ بأنه خطاب مفعم بالقومية المصرية اتخذ من «تحيا مصر» شعارًا له، ومنهجُه حضارىٌّ متسامحٌ.. يعرف قدر مصر ومنبتها الفرعونى وأن مصر فرعونية أولاً، ووضح ذلك فى مواقف متعددة، ويضاف إليها الحدث الذي يترقبه العالمُ اليوم، وهو موكب المومياوات عندما تقف مصر كلها احترامًا واحتفاءً بملوكها القدماء وصُناع حضارتها، التي تُشكل أكبر وأعظم الحضارات الإنسانية؛ لنثبتَ مجددًا أننا امتدادٌ لهذه الحضارة العظيمة.. كذلك أن القيادة السياسية تعاملت منذ اللحظة الأولى بفكر القومية المصرية، وهو أن الدين لله والوطن للجميع، لا تفرقة بين مصري ومصري على أساس الدين، وكفالة حرية الاعتقاد والعبادة تكفلت بها الدولة بتوجيه مباشر من الرئيس، فضلاً عن احترام العصر السياسى للمرأة بقيم حضارية مصرية وليس بمفاهيم غربية.

 

 

 

واليوم يستمر حديثنا عن الجمهورية الثانية ولكن من واقع الأحداث والأيام الماضية التي حملت الكثير مما يستحق الحديث والتوثيق أيضًا.. وامتدت إلى أعمدة فاصلة فى التكوين المصري وهى صلابة الشخصية المصرية.. قناة السويس.. نهر النيل.. وظهرت مَلحمة متكاملة بين رجل الشارع والقيادة.. الكل على قلب رجُل واحد فى حالة اصطفاف وطني لأجل مصر.. وهو الاصطفاف الذي لا نَمِلّ من المطالبة به دومًا إدراكًا لواقع التحديات.. ومن منطلق هذا الإدراك نتصدّى لكل مَن يريد شَقّ الصفوف مَهما كان موقعه.

 

 

 

كيف هضم المصريون الحزن والوجع وانتصروا؟

- كما يُختَبر الذهبُ بالنار.. اختبر هذا الشعب العظيم بمتواليات قدرية صعبة.. ولكنه كالعادة أزال غبار الحزن وانتفض محققًا الانتصارَ.. مغيرًا دفة الأيام من ضِيق الحزن إلى بشائر الفرح ومن محاولات حصار ذهنهم بدوّامات التشكيك إلى فطنة الوعى الوطني المكتمل.. لا تستغربْ هذه هى مصرُ وأصالة شعب مصر وعبقريته.. كانت الأيام الماضية شاهدةً على مقولة توفيق الحكيم (تحت جِلد أفقر فلاح فى مصر 7000 سَنة حضارة يستدعيهم عند اللزوم).. أضف إلى ذلك أن ثقة المصريين فى القيادة الوطنية المصرية تُشكل نسقَ اتصال مباشر.. الرئيس دائمًا ينتصر لهذا الوطن ولهذا الشعب.

بدأت موجة الحزن بحادث قطارَى سوهاج، واعتصرنا الألم والغضب، وجاءت إدارة الأزمة لتثبت أن الزمن قد تبدّل.. كان الرئيس «السيسي» أول من تدخَّل متوعدًا المقصِّرين بالحساب.. ثم ذهبت الحكومة إلى موقع الحادث وعرض وزير النقل بيانه إلى الرأى العام وباشر البرلمان دوره المنتظر.. وقام الإعلام بعرض جميع الحقائق.. الكل أصبح واحدًا.. هكذا كنا وهكذا سنظل.. وباشرت اللجان الإلكترونية المعادية دورَها فى محاولة استغلال الغضب؛ ولكن بارت بضاعتهم الفاسدة وحبطت أعمالهم فانتهت حملتهم الفَوّارة أمام حزن عميق تحلى بأرقى معانى المسؤولية.. وبَعدها كان حادث انهيار عقار جسر السويس.. مجسدًا ما يفعله الفساد بأرواحنا.. ومذكرًا بسلامة ومنطقية إحالة مخالفات البناء إلى النيابة العسكرية.. وأتذكر قبل أشهُر عندما تم الإعلان عن هذا الأمر خرج الإعلام المعادى- الذي يتخذه أحد المسؤولين ظهيرًا له فى مواجهة الإعلام الوطني- ليُشكك ويهاجم ويقول للناس إن مَن يهدم حائطا فى منزله سيُحَوّل إلى النيابة العسكرية.. الآن شاهدنا جميعًا الثمَن.. من أرواحنا تم دفعه.. وهى مناسبة لكى أوجِّه التحيةَ للزميل «عبدالعزيز النحاس» والزميلة المصورة «سماح زيدان» وقيامهما برصد تجربة إنسانية قاسية من فوق الأنقاض تجدونها على صفحات هذا العدد.

 

 

 

ثم جاء حديث السويس.. بحادث غير معهود.. توقفت الملاحة فى قناتنا وبدأ العالم يُصرّح.. وبدأ العالم يتحدّث.. وبدأ مَن يسعى لانتهاز الموقف.. وبدأ الأعداء فى التشكيك.. وما كان من أهل مصر إلا استدعاء ما تُشكله قناة السويس فى وجدانهم بالوراثة حتى ولو لم يدرس أو يعرف تاريخها كاملاً وهو التاريخ المتشابك بالنفس المصرية.. كان الكل على ثقة بالرجال.. وعند الإعلان كانت الفرحة.. فرحة الانتصار فى معركة الأيام الستة.. وبَعد تحقيق النصر كان موعد الرسالة السياسية من قائد مصر إلى العالم من قلب قناتنا.. قناة السويس.

قناة السويس استردتها الجمهورية الأولى وأنقذتها الجمهورية الثانية 

لم تَعرف الإنسانية بكل لغاتها توصيفًا دقيقًا يعكس ما تُشكله قناة السويس فى وجدان مصر والمصريين.. إنها قصة كبرى يجب أن تُروَى.. ولأبعاد سياسية يجب أن تُدرَك.. وما جرى يجب أن يُدرس.

فى حفل إمبراطورى افتتح الخديو إسماعيل قناة السويس عام 1869 بعد عَشر سنوات من أعمال الحفر بسواعد وأنامل المصريين.. والأهم أرواحهم.. أعداد لا تُقَدّر ذهبوا بلا عودة.. ذكرى فى كل بيت فى ريف وصعيد مصر.. «أخدوه يحفر القنال ومارجعش».. وأكثر المحظوظين كان يعود وتُعتبَر معجزة ومع عودته كان يحمل ما تبقى من ذكرى من أبناء قريته.. قطعة بالية من جلباب مهلهل.. تَروى قصة الوجع الأليم.

ثم سيطر الاحتلال على قناة السويس التي غيرت جغرافية العالم وجعلت الشرق الأوسط يتحول من مجرد مستعمرات إلى نقطة ارتباط محورية.. بمعنى أدق قلب العالم.. ومضى السياق المنطقى لما فرضته الجغرافيا أصبحت القناة أحد ملهمات الصراع العالمى فى العالم القديم والحديث.. سعى الأتراك للسيطرة عليها خلال الحرب العالمية الأولى وفشلوا وظل الاحتلال الإنجليزى مسيطرًا عليها.

وجاءت تفاعلات الحرب العالمية الثانية وكانت القناة جزءًا محوريّا فى حسم نتائجها؛ ليتأكد الاحتلال أن هذا الكنز الذي صنعه أهلنا بأرواحنا يجب ألّا يُترَك، وكل حديث عن رغبة الاحتلال فى ترك قناة السويس لا يعدو كونه (كلام فارغ) مفتقد لكل أدبيات السياسة والتاريخ.. إلى أن جاءت ثورة يوليو 1952.

يعيش جمال.. حتى فى موته 

قُلْ ما تشاء فى «جمال عبدالناصر».. قَيّمه كما ترى.. اختلف مع سياساته.. شخصيّا أختلف مع الكثير منها.. البعض يقدسه هذا شأنهم.. البعض لا يطيق سيرته هذا يخصهم.. أمّا تاريخ مصر فشأنٌ آخرُ.

لا يمكن أن تتحدث عن قناة السويس إلا وتَترحَّم على الرئيس «جمال عبدالناصر».. ويظل خطابه فى الإسكندرية فى يوليو 1956 علامة فارقة فى تاريخ مصر وفى التاريخ العالمى ومصيره وتوجيه دفة صراعه وتوازناته.. وللمفارقة أيضًا ترتبط القناة بالنيل.. ويبدأ حديث السُّدود فى إثيوبيا مع قرار التأميم.. إنه التاريخ.. لا عجب.

فى هذا الخطاب عندما أعلن «جمال عبدالناصر» تأميمَ قناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية.. كان يسترد كرامة وسيادة وحق ومستقبل وشرف «عضم» أجدادنا المدفون فى أعماقها وتحت رمال دُفَّتَيْها.

فى هذه المرحلة كان لقرار التأميم دورٌ حاسمٌ فى تغيير موازين القوَى العالمية.. تعرضت مصر للعدوان الثلاثى.. تحالفت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لكسر إرادتنا.. وكانت البطولة فى بورسعيد ومُدن القنال.. ولكن كانت الخريطة السياسية العالمية تستعد هى الأخرى للتغير.. فشلت تحركات مجلس الأمن لوقف حرب السويس ثم استخدم قرار الاتحاد من أجل السّلم من قِبَل الجمعية العامة لإنهاء العدوان.. ومع صدور القرار استقبل العالمُ إعلانًا آخر أن العالم أصبح ثنائىّ القُطبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وأن الإمبراطوريات القديمة أصبحت جزءًا من التاريخ.

انتصرت الإرادة المصرية.. غنّى عبدالحليم «قولنا هنبنى وآدى احنا بنينا السد العالى».. كتب صلاح جاهين «حكاية شعب».. وبدأ البنك الدولى يُعلن عن دعمه لإقامة سد فى إثيوبيا لتخزين وحجب المياه عن مصر.. وهو مشروع لم يكتمل لفشل دراسات الجدوى الخاصة به.

وبذلك أصبحت قناة السويس واستردادها عنوانًا عريضًا لقدرة الجمهورية الأولى.

 

 

 

قناة السويس محور الحرب والسلام 

تعددت أسباب نكسة 1967.. سواء المباشرة أو الضمنية.. ما أعلن منها وما خُفى.. ما قالته الصحف وما شخَّصه الأدب.. ولكن هذا ليس محل حديثنا الآن.. بعد الاحتلال الإسرائيلى لشبه جزيرة سيناء تحوّلت قناة السويس إلى (مانع مائى) فخّخَها العدو بأنابيب وفتحات (نابلم).. (مانع مائى) يفصل بين حلم النصر وكابوس الهزيمة.. عَلم مصر لا يقبل الاستسلامَ.. عَلم محتل لا تطيقه الضفة الأخرَى.. وفيما بينهما كانت تسجل حكايات البطولة والخلود لمعارك حرب الاستنزاف وتُروَى الرمال بدماء الأبطال.. إلى أن جاءت لحظة العبور.. الأبطال يَعبرون قناة السويس.. جاء الانتصار ونُزع عَلم المحتل ورُفع عَلم مصر.. ويَرفع البطل علامة النصر.. ثم يتكرّر المشهد قبل أيام فى تعبير مماثل على شط القنال.. لا تستغرب.. إنها جينات بين الأب والابن وتعود إلى الأجداد.

بعد انتهاء الحرب وتحقيق النصر وقبل استكماله بمعاهدة السلام التي حققت تمام الانسحاب.. كان تحدّى تطهير قناة السويس من آثار الحرب وإعادة افتتاحها جزءًا محوريّا فى إعادة صياغة الموقف الاستراتيچى الجديد للشرق الأوسط بناءً على الواقع الذي فرضه نصر أكتوبر.. وهو بعد كان الرئيس «السادات»- رحمة الله عليه- يدركه جيدًا لخَلق إرادة دوليّة للسلام.. وبالفعل أنجزت مصر فى عام وبضعة شهور مهمة تجهيز القناة مرّة أخرى وفتحها للملاحة الدولية ليسترد العالمُ روحَه بعودة أهم شريان ملاحى عالمى.. وأعطى الرئيس «السادات» إشارةَ الانطلاق للملاحة عام 1975.

ماذا جرى لقناة السويس عند انتهاء الجمهورية الأولى؟

سبق أن حدّدنا لحظة انتهاء الجمهورية الأولى بأنها لحظة وصول الإخوان للحُكم، وهنا علينا أن نتذكر ونستعيد كَمّ المخاطر التي كانت تحيط بقناة السويس بكل ما تحمله من أبعاد سياسية واستراتيچية مؤثرة على مصر وبكل ما تشكله فى الوجدان المصري بداية من حفرها إلى استعادتها إلى تحريرها وإعادة فتحها.. علينا هنا أن نتذكر تحالفات الجماعة الإرهابية لتسليم القناة إلى تنظيمهم الدولى.

فى ديسمبر 2013 كتب الدكتور «عبدالمنعم المشاط» مقالاً صحفيّا يحمل صبغة بحثية وأكاديمية معروفة عن كتابات الرجل تحمل المعلومة الصحيحة والتحليل المنطقى.. فى هذا المقال تحدّث الدكتور «المشاط» عن مخطط الإخوان لبيع المنطقة المتاخمة لقناة السويس إلى دولة قطر.. وهو المشروع الكارثى الذي أنهت كابوسه ثورة 30 يونيو العظيمة.

 

 

 

كيف أنقذت الجمهورية الثانية قناة السويس؟

قبل شهر ونصف الشهر كنتُ قد كتبتُ هنا على صفحات «روزاليوسف» مقالاً حول (الكم الاستراتيچى لمصر)، وتناولتُ محدّدات القوة المصرية على الخريطة الدولية.. وكيف نجح الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فى زيادة هذا الكم الاستراتيچى لمصر فى مَحاور متعددة وبوتيرة متعاقبة وفى فترة زمنية تشكل معجزة بكل المقاييس.. ولكن علينا الآن أن ندرك أنه عندما توجهت القيادة إلى قناة السويس لتكون محور أول المشروعات القومية المصرية الكبرى كان لهذا أبعاد استراتيچية كبرى.

القيادة المصرية التي تولت المسؤولية باستدعاء وطني انطلقت بحلم للمصريين بإنشاء قناة السويس الجديدة.. بتمويل المصريين وسواعدهم، وحينها أعلنت مصر أن القناة الجديدة هى هدية المصريين للعالم.

كان الرئيس «السيسي» يدرك أبعادًا فى الصورة لم تتّضح لكثر وقتها ربما كشفت الأزمة الأخيرة عن قشور منها.. لكن الأعماق لا تزال مستترة.

جاء التحدى المصري بهدف تحقيق أهداف متعددة.. أولها انتشال الوعى المصري والروح المعنوية للشعب من التيه إلى هدف قومى.. وعندما أشار الرئيس إلى هدف الروح المعنوية خرج الإعلام المعادى ليقلل من الهدف؛ لأنهم مغرضون يريدون شعبًا يائسًا لأن اليأس إذا تملك الشعوب كتب عليها الهزيمة، ولهذا لا تستغرب حرص الإعلام الوطني على تكثيف تسليط الضوء على التنمية والمشروعات القومية لأنها دائمًا عنوان الانتصار للإرادة المصرية، ولهذا أيضًا عليك أن تدرك أن فى غمرة الأحداث خلال الأسبوع الماضى فاجأ الرئيس «السيسي» الجميع بإعلانه عن مشروع الدلتا الجديدة.

أمّا الهدف الثانى فكان الحفاظ على القناة نفسها وسلامة الملاحة بها وتسهيلها بضمان حركة مرور أسرع للسُّفن، لاسيما أن قناة السويس تحيا ضمن إقليم ملتهب وحينها كانت مصر تخوض معركة كبرى ضد الإرهاب بكل مكوناته؛ فكرًا وتنظيمات ودولاً داعمة له.

أمّا الهدف الثالث.. وهو ما ظهر أثناء الأزمة الماضية.. أن قناة السويس الجديدة بالإضافة إلى محورها الاقتصادى الذي يُعد جزءًا بالغ الأهمية فى استراتيچية التنمية المصرية ضاعفت من إحباط وجود مشاريع بديلة كان يتم الترويج لها فى السنوات الماضية وعاد الترويج لها مع أزمة سفينة الحاويات البنمية.. أو لنَقُل (جبل الحاويات البنمية) الذي جنح فأغلق المدخل الجنوبى لقناة السويس.

أمّا الهدف الرابع.. وقد تكفل به شعار المشروع أنه هدية المصريين للعالم، وهو أن مصر الجديدة تحمل الشخصية التي يعرفها العالم عنها.. شخصية التحضر والتعاون المشترك والسلام.. ولهذا عليك أن تدرك ما تضمّنه خطاب الرئيس «السيسي» خلال افتتاح القناة الجديدة عندما ربط بين هذه الهدية وبين الهدية الكبرى التي سيذكرها التاريخ للمصريين بقوله إن شعب مصر تحمَّل مواجهة أخطر فكر إنسانى نيابة عن الإنسانية.. فكر إن لم يملك الأرض حرق الأرض.

 

 

 

قناة السويس مَلحمة الأيام الستة.. كيف نقرأ ما جرى؟

لطالما قَلل أعداءُ هذا البلد من قيمة (قناتنا) وقام إعلامهم بالترويج لمشروعات بديلة.. وكثيرًا من هذا التضليل والتزييف.. ولكن جاءت أزمة سفينة الحاويات البنمية التي جنحت لتغلق المدخل الجنوبى للقناة.. لتضع العالم كله أمام حقيقة واحدة وهى أنه لا يوجد لقناة السويس بديل.

ولكنْ الأمْرُ لم يكن بهذه السهولة وهذا المعنى.. بدأت الأزمة باهتمام عالمى منطقى.. وارتفاع منطقى أيضًا فى أسعار النفط.. ثم بدأ الإعلام العالمى فى دراسة الموقف وتبين أن الجسم الذي تسبب فى تعطيل الملاحة يشكل (جبل) يتجاوز فى طوله برج إيفيل ويصل حجم الغاطس منه لبناء من خمسة طوابق.

وفى اليوم الثالث.. بدأت تصريحات الأصدقاء والأشقاء ومَن يُصنفون أنفسهم أصدقاء لمصر ومَن يُصنفون أنفسهم أيضًا بأنهم أشقاء لمصر.. بعروض للمساعدة.. وكانت الردود المصرية حاسمة بأننا نمتلك القدرة لحل الموقف.. ثم جاء عرض الرئيس الأمريكى «چو بايدن» مستعرضًا أنه يملك أدواتًا وإمكانيات قد تساعد فى حل الأزمة ولاقَى طلبه نفس الرد المصري.. نحن قادرون.

فى مساء هذا اليوم بدأت تظهر تحليلات غربية أن الأزمة ستستمر أسابيع، وبدأت تظهر قراءات غربية لا يمكن أن نمرّرها إذا كنا نريد أن ندرس ما جرى حتى لو كان حادثًا قدريّا.. بعض هذه القراءات تناول الأزمة من زاوية خطأ الحرب الباردة الأكبر عندما سمحت لجمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس.. قراءة أخرى تناولت طبيعة الصراع العالمى الراهن باعتباره صراعًا على الموانئ والممرات البحرية بامتياز.. ثم بدأت منصات إخبارية تكثّف الضوءَ بقوة حول خيارات مصر للتعامل مع الأزمة مُقللة من القدرات المصرية فى استعادة الملاحة فى قناة السويس.. وظهرت انتهازية استغلال الأزمة بالترويج إلى مسارات بديلة.

هذه الصورة أقل ما يمكن وصفها بأنها بالغة الخطورة.. ولكن مصر أكبر.. وعزيمتها أكبر.. وعزيمة رجالها يلين أمامها المستحيل ويخضع.. وثباتها السياسى يعكس حجم وثقل الدولة المصرية.

علينا أن ننظر الآن إلى الأداء المصري فى التعامل مع الأزمة.. طيلة أيام الأزمة تعاملت مصر بمنطلق أن الأزمة إلى نهاية وأن الأمر كله مجرد مسألة وقت.. بثقة متناهية فى قدرات أبطال هيئة قناة السويس.. كانت التصريحات يتصدرها الفريق «أسامة ربيع» رئيس هيئة قناة السويس، وكذلك ظهر للتأكيد على المنهج نفسه الفريق «مهاب مميش» مستشار السيد الرئيس.

إلى أن جاء إعلان النصر بسواعد الأبطال.. تحققت معجزة حقيقية سيتم تدريسها.. فجاءت لحظة الرسالة السياسية من مصر إلى العالم.. بذهاب الرئيس «عبدالفتاح السيسي» إلى قناة السويس ليتحدث أمام العالم كله والقناة مفتوحة أمام الملاحة العالمية ليؤكد الرئيسُ على الآتى:

1 - لا بديل عن قناة السويس للعالم مَهما تحدّث البعض عن بدائل. 

2 - إن مصر لا تقول إنها ستطور فى قناة السويس.. مصر على موعد مع افتتاح ما قامت به من تطوير لأهم ممر ملاحى عالمى.

3 - صلابة شعب مصر وحبه لوطنه تجلى فى مَلحمة قناة السويس، ولهذا مصر تنتصر على الدوام.

4 - ومن بقعة تمثل أحد أهم عناوين الكرامة والكبرياء والفداء والقوة لمصر كانت رسالة مياه النِّيل.

5 - حدّد الرئيسُ بحسم ووضوح أن مصر لا تهدد أحدًا، ولكن لا أحد يمكنه أن يأخذ قطرة مياه واحدة من مياه مصر.

6 - تحدّث الرئيسُ عن الصبر المصري، وهو صبر المسؤولية التاريخية لمصر.

7 - أعلن الرئيسُ عن قدرات مصر التي يجب ألّا يَظن أحد أنه بعيد عنها. 

8 - حذّر الرئيسُ من تبعات عدم الاستقرار الإقليمى إذا وصلت الأمور إلى هذه النقطة.

هذه الرسائل تؤكد أن مصر حتى هذه اللحظة تريد الوصول إلى اتفاق قانونى مُلزم يضمن السلم والأمن فى المنطقة؛ بل يُحجب عن العالم تداعيات الإضرار بالسلم والأمن فى هذا المحيط الحيوى منه، وهى رسالة عابرة للحدود.. كما تؤكد للشعب المصري أن القيادة التي وعدته بأنها لن تضيّعه فهى دائمًا على العهد.. لأن «السيسي» إذا وعد.. صدَق وعده.

 

 

 

الطبيعة القانونية لقناة السويس بين الجمهوريتين 

عندما تبحث فى السياق القانونى المنظم للملاحة فى قناة السويس ومتطلباته واشتراطاته أيضًا والتي مثلتها اتفاقية القسطنطينية.. ستجد أيضًا الروابط التاريخية بين الجمهورية الأولى والجمهورية الثانية.. إذ فى هذا السياق ستجد قرار الرئيس «جمال عبدالناصر» بتأميم شركة قناة السويس لتصبح شركة مساهمة مصرية ثم ستجد قرار الرئيس «عبدالفتاح السيسي» بإنشاء قناة السويس الجديدة. الرئيس «جمال عبدالناصر» وهو العنوان الأكبر للجمهورية الأولى والرئيس «عبدالفتاح السيسي» المؤسِّس للجمهورية الثانية.. والقناة بين الجمهوريتين.. مجرد مفارقة تاريخية..  ولكن ما بين مصر والتاريخ لا مكان للصدف.

موكب ملوك مصر.. العالم يشهد على فرعونيتنا 

اليوم.. مصر حديث العالم.. اليوم مصر تعلن عن قيمتها الحضارية.. اليوم مصر تقول نحن أصحاب هذه الحضارة الفرعونية العظيمة وامتدادها.. الأمْرُ أبعد من مجرد حدث مُهم يحظى باهتمام عالمى.. لكنه حدث تاريخى يعيد الشخصية المصرية إلى مَنبتها العريق ويزيل الغبار عنها بعدما سعى تيار لينتزعها من عمقها الحضارى باسم الدين وبلغ به الفُجر ذات يوم ليطالب بهدم الحضارة والآثار وتتحقق استفاقته من تيار آخر سعى إلى إقحام القومية المصرية فى قوميات أخرى أقل اتساعًا من مصر وحضارتها وحمّل الشخصية المصرية عبء هزائم هذه القومية.

أتحدث عن موكب مومياوات ملوك ومَلكات مصر الفرعونية الذي تزينت له مصر واستعدت.. هكذا نستقبل ملوكنا، وهكذا نعرف قدرهم وما قدّموه.. هكذا نقول نحن منكم وامتداد لكم.

 

 

 

22 من الملوك والملكات ينتمون إلى أسَر مختلفة.. يستقل كل مَلك عربة أعدت على الطراز الفرعونى لأجل هذا الغرض.. يتنقل ما بين قلب القاهرة.. يطوف خلودهم أمام كباش ميدان التحرير.. ويمضون أمام نيلنا منبع حضارتنا وفى مرورهم اطمئنان أن أحفاد الفراعنة يعرفون قدره ويُقدّسون قطراته مثلما قَدّسه الأجدادُ.

نحن أمام لوحة حضارية فريدة.. وأمام تاريخ متحرك.. خلف كل مَلك ومَلكة.. قصة من البطولة والفداء وحب هذه الأرض والارتباط بها.. لهذا لا تستغرب سِرّ الخلود.. إنها مصر. 

الانتحار السياسى لوزير الدولة للإعلام.. لماذا أطالب بإقالته؟

بَعد مطالبتى العلنية مساء الخميس الماضى بإقالة وزير الدولة للإعلام.. وكان إعلانى فى صيغة بيان وضعته تناقلته عددٌ من المواقع الإلكترونية.. وكان البيان موجّهًا إلى السيد الدكتور «مصطفى مدبولى» متضمنًا الأسانيد التي بنيت عليها هذه الوجهة من نظر أننا أمام نمط غير معهود على رجال الدولة المصرية وأن يصل الأمر من الوزير باستخدام أكاديمى لكى يدمر مصداقية الإعلام المصري الذي يعاديه السيد وزير الدولة منذ اللحظة الأولى من توليه المنصب ويحاول جَرّه إلى اشتباك جانبى فى ظل هذا التوقيت فهى كارثة، أمّا الكارثة الأكبر فهى المظلة الإخوانية الداعمة لهذا النسق الذي يستحق التصدى له ومواجهته.. المظلة الإخوانية سواء كانت لجانًا إلكترونية على مواقع التواصُل الاجتماعى أو قنوات ومواقع إخبارية تابعة للجماعة وتنظيمها الدولى.. المطالبة وجدت صداها لدى مجلس النواب ولدى الوسط الصحفى والإعلامى.. فحق علينا توجيه التحية لهم جميعًا، ولكن.. قبل كل ذلك أكتب هذه السطور لكى أضع الحقائق كاملة أمام الرأى العام المصري بعيدًا عن خلط الحقائق والتزييف.. لاسيما وقد منحنى إعلام الإخوان وصفًا أعتبره فَخرًا عندما لخص هويتى الصحفية فى كونى من أذرع النظام، وبمعنى أوضح من (ميليشيات السيسي) هذا هو المصطلح الذي قاموا باستخدامه.. ولا أجد فيه أى غضاضة.. نَعَم لدينا قائد نقف جميعًا إلى جواره ونقاتل معه لأن لديه مشروعًا وطنيّا نؤمن به.. وهو المشروع الوطني الذي دفعنى قبل ثمانى سنوات للمطالبة بإقالة وزير الخارجية السابق «نبيل فهمى» عندما كنت مديرًا لمكتب جريدة الوطن لدى واشنطن وجاء فهمى فى زيارة قبل الانتخابات الرئاسية المصرية بأسابيع قليلة وهناك أطلق التصريح الإذاعى الشهير عندما وصف العلاقة بين القاهرة وواشنطن (بالزواج) وكنت مَن انفرد بهذا التصريح وطالبتُ من خلال حملة صحفية بضرورة إقالته احترامًا للكبرياء الوطني.. حسنًا ما هى الأذرع التي كانت تحرّكنى وقتها؟ ومَن دفع عنّى حينها حملات صحفية مضادة كانت تدعم وجود الوزير السابق؟ الأمر باختصار هو الدافع الوطني.. ولا يعلم كُثُر أن الوزير «نبيل فهمى» كان يجمعنى به قدر كبير من التواصل والاحترام المتبادل قبل هذا الموقف.. ربما منذ عمله سفيرًا فى واشنطن قبل يناير 2011.. أكثر  من ذلك عندما تولى وزارة الخارجية كنت على متن طائرة خاصة استقلها الوزير فى أول مهمة خارجية له وكانت وجهتها إلى الخرطوم.

كل ما فى الأمر أننا تعلمنا من أساتذتنا فى هذه المهنة أن الصحفى لا يشتبك مع أشخاص ولكن مع أفكار ومنطلقاته فى هذا الأمر هى ما يؤمن به.. ومن هذا الإيمان تأتى الدوافع.

وفى السياق نفسه قدتُ حملةً أخرى لإقالة الوزير «زياد بهاء الدين»، وكان وقتها نائبًا لرئيس مجلس الوزراء، والدكتور «مصطفى حجازى» مستشار رئيس الجمهورية المؤقت المستشار «عدلى منصور»، وذلك عندما علمت بتفاصيل جلسة قاما بحضورها نظمها أحد مراكز الأبحاث الأمريكية وكان فى حديثهم ما يشكل خروجًا عن الإجماع الوطني الذي خرجت من أجله الملايين فى ثورة يونيو.. وحينها تخلى عنّى الجميع بما فى ذلك الجريدة نفسها التي أعمل لديها وأكتب لها من واشنطن، وكانت هذه الواقعة نقطة حسم فى علاقتى بها عند عودتى إلى القاهرة فى أغسطس 2014.. وخرج نائب رئيس الوزراء وقتها فى أحد البرامج الشهيرة ورفض الرد على ما كتبته بحجة أن الرد قد يعطى قيمة لهذا الصحفى.. يقصدنى.. وعندما حضر إلى واشنطن.. كان هناك مسعى من سفارتنا لعشاء مشترك لإنهاء الخلاف ورفضتُ وواصلتُ الحملة ومعها ما كتبته نيويورك تايمز عنه ووصفها له بأنه (محامى المصالحة).

ترى ما هى الدوافع حينها.. إنها الأسباب نفسها، وهى الأسباب ذاتها التي تجعلنى متمسكًا بمطلب إقالة وزير الدولة للإعلام.. ولكن ما من قصة إلا ولها جذور ولا من موقف إلا وله أبعاد وحق للقارئ أن يعرفه.

جذور أزمة وزير الدولة مع الإعلام.. تعود إلى فترة توليه وزارة الإعلام بعد يناير 2011.. حينها واجَه قدرًا كبيرًا من الهجوم الإعلامى كان أحد أسبابها الواضحة يعود إلى منافسات جيلية بينه وبين زملائه المنتمين إلى نفس الدفعات فى الصحافة تقريبًا.. والسياق الزمني وقتها جعل من الإعلام قوة سياسية بسبب الاضطراب السياسى.. كان خصومه الرئيسين من أبناء مهنته.. وأعداؤه هم زملاؤه.

عاد مرّة أخرى إلى مقعد الوزارة.. ولكن بمحددات مختلفة وسياق زمني مختلف.. ولم يستوعبه الوزير.. عاد وزيرًا للدولة للإعلام وليس وزيرًا للإعلام.. ولم يعد الإعلام قوة سياسية ولكن أصبح يقوم بمهمته فقط لأن الدولة عادت والمؤسّسات بدأت تباشر مهامها.. عاد بمحددات دستورية توضّح الصياغة للواقع الإعلامى المصري المستند إلى تبعية إعلام الدولة إلى هيئات مستقلة وليس جهة حكومية؛ لأن ذلك سند دستورى لإعلام مستقل حتى وإن تبايَن التطبيق مع النص الدستورى بشكل لحظى الآن، ولكنه حال الإعلام هنا حال قطاعات كثيرة ستطور من نفسها مع الضوابط الحاكمة لكل مرحلة تعيشها الدولة وتحدد تحدياتها والمسؤوليات الملقاة على الإعلام.

هذا التكوين فى مجمله لم يدركه السيد وزير الدولة للإعلام ولكنه مَضى فى الاتجاه المعاكس.. اصطدم مع الجميع.. مع الصحافة، مع مقدمى البرامج، مع الهيئات الإعلامية، مع مجلس النواب.. بل أكثر من ذلك مع الدستور نفسه الذي سعى ولا يزال لتطويع مواده أو تجاهلها لفرض سيطرته على الإعلام، وفى خضم هذا الجهد والعراك المستمر فقدنا ما كنّا ننتظره من دور للحقيبة الوزارية المسؤول عنها بأن يكون مُعَبرًا عن سياسة الحكومة التي ينتمى إليها.. أزمات متعددة كان حضوره وجوبيّا واختار التفرغ لهذه الصراعات والأزمة الأشهَر، وبالمناسبة كتبتها هنا على صفحات «روزاليوسف» كانت تعقيد المشهد المجتمعى فى مسألة قانون الشهر العقارى؛ لأن القانون تم إقراره منذ أغسطس الماضى ولم تقم الحكومة بدورها ممثلة فى وزارة الدولة للإعلام بالقيام بالحملات الإعلامية لشرح القانون قبل دخوله حيز التنفيذ، والتزمت الصمت طيلة ستة أشهُر إلى أن تفاجأ الجميع وارتبك الرأى العام وفتح الباب على مصراعيه للشائعات واستدعى الأمر تدخُّل السيد الرئيس؛ لأنه يشعر بنبض الشارع.. مثلما يتدخل فى أزمات حكومية كثيرة مرجعها عدم توضيح الصورة للرأى العام تظل الأزمة محل تداول وتعتصرها الشائعات إلى أن يظهر الرئيس ويتحدث فيقوم هو بتولى تصفيتها بنفسه فى مجالات متعددة من التعليم إلى الصحة وصولا إلى قوانين تقدمها الحكومة إلى البرلمان وآخرها الجدل المصاحب لقانون الأحوال الشخصية.

كل من يعرفنى فى هذه المهنة التي أحترمها إلى حد التقديس.. يعرف ما أحمله من احترام لكل مَن يعمل بها أو عمل بها؛ خصوصًا إن كان من جيل أكبر من جيلى الصحفى.. ولا يطغى الاختلاف السياسى على فضيلة الاحترام الجيلى.. ولم يكن بينى وبين وزير الدولة للإعلام سابق خلاف بل على العكس كان السياق يحمل قدرًا من الاحترام والرُّقى.

وحتى عندما خرج فى أكتوبر الماضى مُبَدلاً المقاعد بأن قام هو بانتقاد الإعلام المصري والصحافة القومية مخالفًا قوانين وقواعد المهنة بأن الصحافة هى التي تنتقد السلبيات بهدف الصالح العام.. كان الأمر مجرد استغراب ليس أكثر.

ثم عندما تطور الأمْرُ ولم يطق اثنان من الزملاء وهما الأستاذ «خالد صلاح» رئيس تحرير اليوم السابع والدكتور «محمد الباز» رئيس مجلس إدارة وتحرير جريدة الدستور الأمر وقاما بانتقاد الوزير.. كان رده كارثيّا.

قام الوزير حينها بكتابة سطور على صفحته الشخصية على موقع (فيس بوك) كسرت كل المعهود من أطر معروفة عن رجال الدولة، وقال (صدرت الأوامر) بما عكس صورة بالغة السلبية للواقع فى مصر، وهو ما استغله إعلام الإخوان وأصبح ظهيرًا إعلاميّا للوزير فى اشتباكه مع إعلام بلده.. هنا بدأ الخلاف.

ولم يكن الخلاف سريّا.. ولكن كان فى مكتب السيد الوزير وشهده عددٌ من الزملاء.. عندما ذهبنا بدعوة منه للحوار وشرح وجهة نظره حول هذه الأزمة.. حينها كان حديثى واضحًا وهو أن ما قاله عن الإعلام لا يعنينى وكذلك رد الزملاء عليه لا يخصنى.. لكن ما يهمنى هو سُوء إدارته السياسية لخلاف مع اثنين من الزملاء وأنه ارتكن لإعلام الإخوان برحابة منه دون اعتراض أو تسجيل موقف ليكون العدو ظهيرًا إعلاميّا له.

وانتهى اللقاءُ بصدمة رفضه دخول الدكتورة فاطمة سيد أحمد عضو الهيئة الوطنية للصحافة بشكل يعكس عدم تقديره للمهنة التي كان ينتمى إليها وكذلك نمط احترامه للهيئات الإعلامية وقبل كل شىء احترامه للمرأة فكان رد الحضور بالانسحاب، ثم جاءت دعوة تهدئة الأجواء من قِبَل الأستاذ «كرم جبر» رئيس المجلس الأعلى للإعلام.. والجميع التزم.

بعدها ربما لم يجمعنى بالسيد وزير الدولة لقاءات إلا لو جاءت مصادفة فى مناسبات.. وإذا ما صادفته أبادله التحية البروتوكولية التي تفرض نفسها عند لقاء أحد أعضاء الحكومة المصرية مَهما وصلتْ درجة الخلاف.

ولكن.. ومن دون مناسبة.. حتى ولو كان هناك سياق فرض نفسه على الاستنتاج لاحقًا وهو أحاديث التعديل الوزارى.. تفاجأ الوسط الصحفى والإعلامى بأحد الأكاديميين يوزع الذّم والقبح اللفظى والتجاوز.. ونحن أبناء مهنة تعرف الخيوط الاجتماعية والسياسية حق المعرفة.. وجميعنا يعرف الرابط بين الوزير والأكاديمى.. والتزمتُ الصمتَ.

بدأ الأكاديمى باشتباك لا يعرف للياقة عنوانًا فى حق الأستاذ «كرم جبر» ثم الزميل «أحمد موسى»، ودخل فى هذا الاشتباك الزميل «نشأت الديهى».. وكرة الثلج تزيد ونعرف أبعادها وأيضًا التزمنا الصمتَ.

 

 

 

نقرأ السطور وما تحمله من تجاوُز ونعرف ما بين السطور وما تريد أن توصله من رسائل مكشوفة.. إلى أن جاءت لحظة الفصل التي تخرج بهذا الاشتباك من نطاق وزير يخشى على مقعده واستخدم أكاديميّا لتحقيق غرضه بتشويه الإعلام المصري إلى منطقة تجعلنا جميعًا ننتبه.. عندما كتب هذا الأكاديمى مقالاً مستخدمًا فيه رواية لم ينطق بها أحد إلا إعلام الإخوان مقحمًا الأجهزة السيادية ومَن يعملون بها فى سياق مرفوض مهنيّا ووطنيّا.. وتبنت قناة الجزيرة المقال مثلما تبنت اشتباك الوزير فى أكتوبر.. وخرج الأكاديمى واعتذر مؤكدًا احترامه لمؤسَّسات الدولة ومَن يعملون بها، ولكن بعد ما انتشر المقال بواسطة اللجان الإخوانية.

هنا علينا أن ننتبه لحجم الجرم الذي جرى.. وهو قيام هذا الأكاديمى بتصدير الخطاب الإعلامى للإخوان للتشكيك فى مصداقية أجهزة الدولة السيادية لدى الرأى العام.. ثم يقوم وزير الدولة للإعلام بمكافأته.. ويستعين به فى تدريب المتحدثين بأسماء الوزراء.. فينتعش الأكاديمى ويخرج ليسب الإعلام المصري كله.. ظنّا منه أننا سنصمت.

فكان ردّنا.. بكشف قدر بسيط من الحقائق.. حول هذا التخريب.. ولم نرتكن إلى قصص أو مسائل شخصية تخص هذا الأكاديمى وتعكس ما يكمنه تجاه الإعلام المصري وسعيه المستمر لدخول المنظومة الإعلامية التي تجاوز فى حقها الآن بأى شكل من الأشكال؛ لأن الأشخاص لا تعنينا بكل تفاصيلها المعقدة.. ولكن نحن ندافع عن ثوابت.. لم يدركها الوزير.. الذي انتحر سياسيّا.. وستظل مطالبتنا بإقالته مستمرة إلى أن تتحقق.

أمّا هذا الأكاديمى الذي أراد تراشقًا بينه وبين الإعلام المصري.. فعليه أن يعرف حقيقة ما انتهى إليه.. أنه أصبح مجرد لجنة إلكترونية يصفق لها من يأتى الكلام على هواه.. أمّا نحن فنرى الأمْرَ من سياقه السياسى والقانونى.. وعن مطالبته بمناقشة ما تضمنته مقالاته.. فقد كشفنا محتواها على الهواء عندما تم استضافتى من قِبَل الزميل «أحمد موسى» فى برنامجه على قناة صدى البلد، التي عكست تخريفًا لا يخرج من مُدرك لأى أبعاد للعمل الإعلامى.

فى البداية وجّهنا المطلبَ إلى السيد رئيس الوزراء.. واليوم نوجّه المطلبَ إلى السادة نواب الشعب.. ونضع الأمْرَ بين أيديهم وبين أيدى كل مَن يهمه الأمر.