الحصاد الغنائى فى 2025:
العام الذى ابتلع فيه عمرو دياب السوق
محمد شميس
من دون مقدمات، ومع نهاية عام 2025، يمكن الجزم بأن «عمرو دياب» هو فنان العام بلا منازع، والأجدر – فنًا وسوقًا وتأثيرًا – بأن يُتوَّج ملكًا على عرش الأغنية العربية. ولا يفوتنى هنا التذكير بأننا، على صفحات هذه المجلة، كنا من أوائل من انتقدوا غيابه اللافت فى صيف 2024، فى مقال حمل عنوان: «نعم.. صيف 2024 أسوأ مواسم الهضبة». غير أن ما فعله «عمرو دياب» فى 2025 كان عودة مدروسة، وقاسية، ومبنية على وعى كامل بقواعد اللعبة الجديدة.
بدأت هذه العودة القوية بإعلانه التعاقد مع شركة إنتاج عالمية سبق أن عملت مع كبار نجوم الموسيقى فى العالم، وعلى رأسهم أيقونة الـ pop الأكثر نجاحًا فى التاريخ: «مايكل جاكسون».
وتكمن أهمية هذه الخطوة الإنتاجية فى إدراك الشركة لطبيعة مشروع «عمرو دياب»، وإعادة تقديمه كلاعب كامل الحضور على كل منصات الموسيقى الرقمية، بعد سنوات من البث الحصرى على منصة واحدة.
صحيح أن هذا الاحتكار منح «عمرو دياب» تميزًا استثنائيًا، وجعله الفنان الوحيد تقريبًا الذى يدفع الجمهور المال من أجل الاستماع إليه، بما يعكس قيمة المنتج وربحيته، من دون أن يُقصيه ذلك عن الانتشار الجماهيري.
لكن مع الشركة الجديدة، رأينا منذ اللحظة الأولى حملة إعلانية مكثفة، قائمة على استراتيجية مختلفة كليًا وغير تقليدية، اعتمدت بالأساس على وسائل التواصل الاجتماعى، مع حضور بصرى ضخم تجلّى فى ظهور صور «عمرو دياب» مقرونة بشعار الشركة الجديدة فى ميادين عالمية كبرى، أبرزها Times Square فى نيويورك.
بالتوازى، عادت أغانى «عمرو دياب» للظهور على قناته الرسمية فى YouTube، إلى جانب تواجده الكامل على المنصات الرقمية مثل Anghami وSpotify، لتنجح هذه الاستراتيجية نجاحًا لافتًا ومباشرًا.
الأرقام هنا لا تحتمل التأويل: «عمرو دياب» هو الفنان الأول على YouTube بين جميع الفنانين العرب، محققًا أكثر من مليار و700 مليون مشاهدة واستماع، وهو الرقم الأضخم فى تاريخه على هذه المنصة تحديدًا.
ولكى نضع هذا الإنجاز فى سياقه الحقيقى، يكفى أن نقارن هذه الأرقام بمنافسيه المباشرين. «تامر حسنى»، على سبيل المثال، قدّم هذا العام عددًا كبيرًا من الأغانى المشتركة، من بينها (الذوق العالي) مع «محمد منير»، و(ملكة جمال الكون) مع «الشامى»، و(المقص) مع «رضا البحراوى»، إلى جانب أغانيه المنفردة وألبومه (لينا معاد)، ومع ذلك انتهى به المطاف عند حدود مليار و20 مليون مشاهدة.
وهو الرقم نفسه تقريبًا الذى حققته «إليسا» هذا العام. أما «فضل شاكر»، الذى وُصف موسمه بالاستثنائى، فقد اقترب من مليار وربع المليار مشاهدة.
ما يعنى ببساطة أن «عمرو دياب» يتقدم على أقرب منافسيه بأكثر من نصف مليار مشاهدة واستماع على YouTube.
وحين ننتقل إلى ترتيب أغانى «عمرو دياب» الأكثر استماعًا على المنصة نفسها، تتضح الصورة أكثر: نحن أمام أضخم كتالوج موسيقى متنوع لفنان عربى معاصر.
المركز الأول: (بابا) – أكثر من 210 ملايين مشاهدة، إنتاج 2025، وهى الأغنية الأهم فنيًا هذا العام. عمل يمزج بين موسيقى الـ Dancehall والطابع الصعيدى المعتمد على الربابة والنقرزان والمزامير، بلحن قائم على ربع تون وجملة لحنية واحدة متكررة، مع قوافٍ لغوية غير مستهلكة.
المركز الثاني: (خطفوني) – أكثر من 107 ملايين مشاهدة، إنتاج 2025. أغنية بثلاثة أبعاد متداخلة: اجتماعيًا تكسر القيود الذكورية عبر تقديم «جانا دياب» كمطربة وملحنة وافتتاح الألبوم بصوتها، مع أداء هجين عربي/إنجليزى يعكس عبور الفن للثقافات. فنيًا تقدم نموذجًا حقيقيًا للغنوة المشتركة على إيقاع المقسوم بنكهته اليونانية، أحد بصمات «دياب» التاريخية. تجاريًا، تخدم حملة دعائية ذكية توظف العلاقة الأبوية فى سياق رومانسى جذاب.
المركز الثالث: (تملى معاك) – إنتاج 2000، أكثر من 83 مليون مشاهدة، مصنفة كـ (أغنية القرن) فى الوطن العربى بحسب مجلة Rolling Stone الأمريكية، وتنتمى لقوالب الـ Latin pop.
المركز الرابع: (قصاد عيني) – إنتاج 2004، أكثر من 57 مليون مشاهدة، من قوالب الـ Slow Jam.
المركز الخامس: (خليك معايا) – إنتاج 2007، أكثر من 57 مليون مشاهدة، إحدى روائع الهضبة فى عالم الـ pop.
المركز السادس: (يا أنا يا لأ) – إنتاج 2020، أكثر من 53 مليون مشاهدة، من قوالب موسيقى الـ edm.
المركز السابع: (رايقة) – إنتاج 2021، أكثر من 47 مليون مشاهدة، مقسوم بنكهة يونانية ببصمة الهضبة المعروفة.
المركز الثامن: (وماله) – إنتاج 2005، أكثر من 41 مليون مشاهدة، من كلاسيكيات الـ Soft Rock.
المركز التاسع: (نور العين) – إنتاج 1996، أكثر من 37 مليون مشاهدة، الأغنية التى حصد بها «عمرو دياب» أول جائزة له من مهرجان World Music Awards، كأول فنان عربى مصرى يحقق هذا الإنجاز، وهى من روائع الفلامنكو.
المركز العاشر: (إنت الحظ) – إنتاج 2021، أكثر من 35 مليون مشاهدة، مقسوم بنكهة شعبية مصرية أصيلة.
نحن إذن أمام قائمة Top 10 تجمع بين الجديد والقديم، وبين مدارس موسيقية متباينة، بما يؤكد عمق وتنوع الكتالوج الموسيقى لأهم نجم pop فى التاريخ العربي.وعلى المنصات الرقمية الأخرى، المشهد لا يقل وضوحًا. على Anghami، يتصدر «عمرو دياب» قائمة الأكثر استماعًا هذا العام بأكثر من 3 مليارات استماع، مقابل مليار واحد فقط لـ«تامر حسنى» على مجمل أعماله، أى بفارق يتجاوز مليارى استماع.
كما يمتلك «عمرو دياب» الأغنية الأكثر استماعًا على المنصة، (خطفوني)، ويحتل المركز الثانى أيضًا بأغنية (بابا)، فضلًا عن أن ألبوم (ابتدينا) هو الألبوم الأكثر استماعًا، وقد تناولناه بالتحليل التفصيلى فى هذه المجلة.
وهو كذلك الفنان الأول فى: مصر، السعودية، الإمارات، الكويت، والبحرين.
أما على Spotify، فـ«عمرو دياب» هو الفنان الأكثر استماعًا فى مصر، والأكثر استماعًا فى الوطن العربى بالكامل.
ووفق تصنيف Billboard Arabia، يملك «عمرو دياب» الرقم القياسى للبقاء فى المركز الأول لأطول فترة زمنية، متجاوزًا الرقم المسجل باسم «شيرين عبد الوهاب» فى موسوعة Guinness World Records، بعدما تخطى حاجز الـ42 أسبوعًا، وصولًا إلى 44 أسبوعًا فى المركز الأول.
لكل ذلك، يمكن القول – بلا أى مبالغة – إن عام 2025 هو عام الهضبة بامتياز. ومع هذه الوتيرة الرقمية التصاعدية، ومع ما ينتظر من إصدارات قادمة، يبدو الاقتراب من «عمرو دياب» رقميًا فى السنوات المقبلة مهمة شبه مستحيلة.







