الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مارس.. شهر السعادة والأحزان

مارس.. شهر السعادة والأحزان

هو الشهر الوحيد الذى تجتمع فيه عدة مناسبات سعيدة ومبهجة، ولكنها فى نفس الوقت تحمل معها الشجن والحزن، مارس شهر بداية الربيع، يستسلم فيه الشتاء، يرفع الراية البيضاء، يرحل ومعه لياليه الطويلة المقبضة وبرودته القاسية، ويبدأ الدفء وتتفتح الأزهار، وكما تعلمنا فى المدارس يأتينا «الربيع الطلق يختال ضاحكًا»، مثلما وصفه البحترى فى قصيدته الشهيرة، ولكن هل حقًا هو الفصل الأجمل فى بلدنا؟ أم أننا ربطنا به الجمال لاقتراب نضج المحاصيل فى الحقول بما تحمله من فرحة؟



الحقيقة أنه واحد من أقسى فصول السنة، يأتى محملاً بالأتربة وقسوتها، وبرياح الخماسين وعنفها، وما ينتج عنها من أمراض الحساسية والكحة والتهاب الجيوب الأنفية وهى أمراض شائعة عن عدد غير قليل من المصريين، لهذا يفضل الكثيرون وأنا منهم فصل الخريف فهو ألطف وأرق، تعتدل فيه حرارة الجو، وتهب نسائم محملة ببرودة منعشة، صحيح أن أوراق الأشجار تتساقط فيه، ولكنها تسقط من أجل الأزهار الجديدة، وما أجملها من تضحية! مارس هو شهر اليوم العالمى للسعادة، والمحدد له يوم عشرين، وهو أيضًا يرتبط بالربيع، فمنذ عشرة أعوام فكر «جايمى ليان» المستشار الخاص للأمم المتحدة، فى تحديد يوم عالمى للسعادة، يتم  الاحتفال به على مستوى العالم، واستطاع بالفعل إقناع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة بالفكرة، كما حصل على موافقة «بان كى مون» الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، وفى يونيو 2012 اعتمدت الأمم المتحدة 20 مارس موعدًا لليوم العالمى للسعادة، وتم اختيار ذلك اليوم لأنه يوافق يوم الاعتدال الربيعى، وهى ظاهرة عالمية تحدث حول العالم فى الوقت نفسه، وبذلك يشعر الجميع فى كل الدول بنفس الإحساس فى وقت واحد، وبالفعل تم الاحتفال بهذا اليوم لأول مرة عام 2013، ولكن هل فعلًا نشعر بالسعادة فى هذا اليوم؟ 

طبقًا للمؤشرات التى وضعتها الأمم المتحدة فإن قائمة أكثر 20 دولة سعادة خلت من الدول العربية، وجاء وضعنا فى ترتيب منخفض، وهو أمر طبيعى فى ظل جائحة كورونا والخوف منها، ونظرًا للظروف التى نمر بها، والقلق على المستقبل والأخطار التى تحيط بنا من كل جانب، ويزيد من الأمر ما يحدث فى المجتمع من جرائم غريبة تثير الخوف، ومحاولات أدعياء التدين السيطرة على الشارع وعلى عقول البسطاء ونشر أفكارهم التى تجرنا إلى الخلف وتدفعنا إلى العيش فى أزمان قديمة وأفكار بالية لم تعد صالحة لعصرنا، وإضافة إلى ذلك حالة الاستقطاب الحادة التى تتكرس يومًا بعد يوم فى مجتمعنا فى كل المجالات والتى تصل إلى تبادل الاتهامات بالتكفير والتخوين، صعب أن نشعر بالسعادة فى يومها العالمى ونحن يسيطر علينا القلق والتوتر والخوف والمشاحنات.

مارس شهر الاحتفال بعيد الأم وهو يأتى بعد يوم السعادة العالمى بيوم واحد، وصاحب الابتكار هو الكاتب الصحفى الكبير على أمين، مؤسس جريدة أخبار اليوم مع شقيقه  الصحفى الكبير مصطفى أمين، حيث طرح فى مقال له بالأخبار فكرة الاحتفال بعيد الأم تكريمًا لها، وتساءل: «لكن أى يوم فى السنة نجعله عيد الأم؟»، ولاقى المقال إعجاب الكثيرين، واستجاب الكثير من القراء لهذه الدعوة، وتم اختيار يوم 21 مارس أول أيام فصل الربيع، لأنه رمز للعطاء والحياة والجمال، وكان أول احتفال به عام 1956.

وبالطبع تشعر الأمهات بالسعادة فى هذا اليوم، ولكن الأسى يكون من نصيب الأيتام وكل من فقد أمه، نعم تعيش الأمهات فى الوجدان رغم رحيلهن ومهما طالت السنوات لا يغادر الحزن القلوب، تزداد مشاعر الحنين والتعاسة فى قلوب اليتامى فى هذا اليوم، وما أقساه على من فقد أمه وما أسعد من يجدها فى انتظاره!

مارس هو أيضًا شهر الاحتفال بيوم الشعر العالمى، وهو فى نفس يوم عيد الأم، حيث اعتمده المؤتمر العام لليونسكو عام 1999، بهدف دعم التنوع اللغوى، ومنح اللغات المهددة بالاندثار فرصًا أكثر لاستخدامها فى التعبير، الفكرة جاءت بمبادرة من ثلاثة من الشعراء الفلسطينيين، محمود درويش وعز الدين المناصرة وفدوى طوقان، حيث وجهوا نداء إلى مدير عام اليونسكو آنذاك، فيديريكو مايور، طالبوا فيه بتسمية يوم عالمى خاص بالشعر، وكان ذلك خلال مهرجان ربيع الثقافة الفلسطينية فى مايو 1997، وتطورت الفكرة حين بادر عدد من شعراء العالم فى عام 1998، بتقديم طلب رسمى إلى اليونيسكو التى أعلنت موافقتها رسميًا عام 1999، واختارت 21 مارس يومًا عالميًا للشعر، تزامنًا مع أعياد الربيع.

ولكن هل يشعرنا الشعر بالسعادة أم بالشجن؟ الأمر يتوقف على نوع القصيدة والمتلقى، ولكن إذا كان أجمل الشعر أكذبه فإن الأكثر تأثيرًا ما يمس القلوب ويحركها وما يجعل الأفئدة تنتفض والعقول تدرك وتفهم وتعى، وهى أمور تجعل الإنسان أميل للشجن منه للبهجة، والأخطر كيف نشعر بالسعادة مع الشعر ونحن نواجه تراجع لغتنا العربية فى بلادنا أمام اللغات الأجنبية، إننى أخشى أن يأتى جيل يعتبر أن العربية لغة غريبة ودخيلة وليست اللغة الأم.

مارس هو شهر يوم الشهيد والمحدد له يوم 8، وهو ذكرى استشهاد القائد العظيم عبد المنعم رياض، نحتفل فيه بكل شهدائنا الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوطن، نتذكرهم ونفتخر بهم، ولكن نحزن لفقدهم، صحيح أنهم ليسوا أمواتًا، بل أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن الآلام تظل موجودة، ووجع البُعاد لا يُنسى على أعز الرجال.

مارس لا أدرى هل أنت شهر السعادة أم الأحزان؟ ما أجملك وما أقساك فى الوقت نفسه!