السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الشرق الأوسط يستعد لمرحلة ما بعد الإسلام السياسى

الشرق الأوسط يستعد لمرحلة ما بعد الإسلام السياسى

والسؤال.. هل تعيد الجمهورية الثانية إحياء القومية المصرية؟



حركة التاريخ تنحاز إلى مصر والشخصية المصرية تفرض نفسها على التخطيط الوطنى

 

اعتراف حق أن أسجله رُغم مرور سنوات عليه.. أقرّ أننى لم أكن من السعداء بتصريح الرئيس «السيسى» قبل خمس سنوات بإعلانه حينها أننا نعيش فى (شبه دولة) وأننا عايزين نبنى دولة بجد.. ربما غلبنى إحساس الشيفونية الوطنية.. أو أنها غُصَّة الصّدمة بالواقع آنذاك.. ولكن عندما بدأتُ التحضيرَ لهذه السلسلة من المقالات حول (الجمهورية الثانية)، وهو الإعلان الذى أطلقه الرئيس «السيسى» فى خطابه بمناسبة يوم الشهيد.. أدركتُ دقة المصطلح وبلاغته.. فلا يوجد قطاع أو عنصر مميز للتكوين المصرى إلا وتجد أنه بالفعل بحاجة إلى إعادة بناء وأننا كنا نتعايش مع (شبه حالة) ونقنع أنفسنا بإشباع الاكتمال.. فى المقال الأول كنّا نبحث فى فلسفة الجمهورية الثانية، وقدّرنا أنها الجمهورية القابلة للبقاء وسَندها التخطيط الاستراتيچى بعيد المدَى.. فأدركتُ أننا كنا نَرضى بشبه (تخطيط).. ثم فى المقال الثانى سعيتُ للبحث عن مصير الصحافة ومستقبلها فأدركتُ أيضًا أنها بحاجة إلى إعادة بناء شامل وأننا ارتضينا بـ(شبه صحافة).. ومن هنا كانت ولا تزال المُناشَدة بحتمية إعادة بناء الكادر الصحفى.. وفى المقالات التالية سنكتشف الحالة نفسَها عندما نبحث فى كل أنسجة وشرايين عناصر التميز المصرى.. والمُحصلة أن هذا الوطن العظيم وهويّته الفريدة وشخصيته العبقرية نالها الكثيرُ بفعل فاعلين أصليين وتجرُّؤ أفكار دخيلة عليها قامت بتشتيتها ومسخها دون مبالغة، وأن هناك من سعَى لإقحام القومية المصرية داخل قوميات أخرى فنالت الشخصية المصرية نصيبًا ليس هَيّنًا من ندبات الهزيمة وحملت فوق طاقتها.

 

 

 

ولكن تضافرت فى الصورة عناصر عدة دفعت الأمل إلى معانقة السماء.. عناصر تُكمل الحلقات الناقصة والمساحات الفارغة فى العناوين.. أولها أن الشخصية المصرية هى المِداد الذى يُكتَب به التخطيط الوطنى المصرى الآن.. وأن هذا الحضور للشخصية المصرية هو العنصر الأكثر سطوعًا فى الخطاب السياسى للدولة المصرية منذ تولى الرئيس «السيسى» المسئولية.. أكثر من ذلك أن كل اتجاهات عمل الدولة المصرية ومؤسَّسَاتها بالإضافة إلى المبادرات الرئاسية المتعددة الموجهة لقطاعات مجتمعية مختلفة والتى يحمل ظاهرها ومضمونها اتصالًا مباشرًا بين رئيس الدولة والشعب وبداخلها عُمق إنسانى لا يحتاج إلى شرح، ولكن.. الآن ندرك معنى آخر بالغ الأهمية وهو استدعاء جديد للقومية المصرية قد حدث بكل سماتها المتحضرة والمتسامحة والمتصالحة مع نفسها ومع العالم من حولها.. القومية المصرية التى لا تفرِّق بين الناس على أساس دينى.. أنت مصرى وكفَى.. القومية المصرية التى اختزلت كُتُب ومجلدات فى مفهوم التعايُش الوطنى بعبقريتها عندما قامت بصَك شعار (الدين لله والوطن للجميع).. القومية المصرية التى تدفع بالمساواة بين جميع أبنائها لا فرق فى الحقوق والواجبات بين رجل وامرأة.. القومية المصرية التى ينصهر بداخلها جميع أبناء القُطر المصرى دون تمييز.. القومية المصرية التى من فرط تأثيرها تجعل الغريبَ إذا تعايش معها يُعاد تشكيله ويتمَصَّر.. القومية المصرية التى لا تحضر إلا بأمر واستدعاء وطنى.. وقد صدر أمرُ استدعائها فى ثورة 1919.. ثم تكرّر النداءُ والاستدعاءُ والأمرُ فى ثورة 30 يونيو.. الاستدعاءُ الوطنى الذى يمكن تلخيصه بأن مصر أولاً وقبل كل شىء وأن مصر وحدها هى الحل.. ولهذا يمكنك تفسير النطاق الجغرافى الجامع بين الثورَتَيْن والذى لم يترك بقعة على أرض مصر إلا وكان عليها النداءُ والاستدعاءُ والأمرُ حاضرًا بكبرياء عَلم مصر.. القومية المصرية التى تستجمع شموخَها من عُمقها الحضارى بأننا امتدادُ الحضارة الفرعونية التى علّمتْ الإنسانية كل المعانى.. وعندما تستدعى مصر عُمقها التاريخى تنحاز حركة التاريخ إلى مصر، وهو ما أحاول رصدَه فى هذه السطور وعمّا إذا كانت الجمهورية الثانية موعدًا قدريّا لإعادة إحياء القومية المصرية بعد تخلصها من كل أفكار الانتماء إلى خارج حدود مصر؟ 

 

 

 

• هل تنحاز حركة التاريخ الآن إلى مصر؟ 

قبل سنوات أهدانى الصديق العزيز الدكتور محمد البدرى، سفيرنا الحالى لدى بكين، مؤلفه القيّم (حوارات الموتى)، الذى يبحث فى بحور التاريخ داخل أزمنة مختلفة بطريقة شيّقة من خلال حوارات افتراضية مع شخصيات تاريخية كانوا مؤثرين فى رسم ملامح زمنهم.. ولعل أهم استنتاجات هذا الكتاب أن التاريخ فى حد ذاته له شخصية.. وأن بعض السنوات تكون صاحبة قرار فى تغيير مسار حركة التاريخ.

من هذا الفهم وهذه الفلسفة أستطيع الآن أن أقرأ العام 2011 بزاوية أكثر عمقًا وأبعاد أكثر اتساعًا.. وأن هذا العام ورُغم قسوته والجُرم الذى جرَى فى حق مصر خلاله من جرّاء محاولات إسقاط الدولة المصرية؛ فإنه كان إعلانًا تاريخيّا بأن التاريخ يعيد ترتيب أوراقه إذا تعاملنا مع سياقه الإقليمى والعالمى، الذى بدأت نتائج هذا السياق تظهر بعد مرور عقد كامل عليه وبدأت تظهر فى الربع الأول من العام الجارى 2021.

بمعنى.. أنه وإن كان حديثنا عن القومية المصرية فإن علينا أن نعرف ماذا جرَى لها؟ لكى نكتشف ماذا جرَى للشخصية المصرية نفسها؟ .

انطلقت القومية المصرية مع ثورة 1919 مُشَكّلةً تيارًا وطنيّا فريدًا محددَ الأهداف.. هذا التيار أنجز دستور 1923 وبدأ حركة تنوير غير مسبوقة وتطوّر وبناء فى العقل المصرى بهدف التحرّر الوطنى من الاحتلال البريطانى، واستمر مدادُ هذا التيار بإسهاماته فى كل مناحى الحياة المصرية حتى بداية أربعينيات القرن الماضى.. فى هذه الفترة كانت ثمرة الاحتلال الخبيثة التى قام بزرعها لضرب هذا التيار قد بدأت تفرض حضورَها وهى جماعة الإخوان الإرهابية، التى تم تأسيسها قبل مرور العقد الأول لثورة 1919، وتحديدًا فى مارس 1928، والدور الذى لعبه مرشدها الإرهابى الأول «حسن البنا»، الذى عمد إلى إخراج المجتمع المصرى من مسار التيار الوطنى إلى فكرة الانتماء إلى خارج الحدود، وأن الهدف هو فكرة (الخلافة الإسلامية) أو تحقيق (المجتمع الإسلامى) حسب المصطلح الذى كان يستخدمه فى البداية  وليس تحرير الوطن من المحتل.

هذا الارتباك فى المسار الوطنى كان أحد أهم مُحفّزات تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، ومعظمهم انخرط مع العمل السياسى فى مرحلة التكوين والنشأة، ووجدوا أنه لا سبيل للخلاص من الاحتلال إلا بتغيير شامل للمعادلة كلها (الإنجليز - المَلك - الأحزاب)؛ لأن الأحزاب كانت جزءًا من المُشْكلة ولم تكن طريقًا إلى الحل، إذ تفرّغ الجميع إلى المؤامرات والتحالفات السّرّيّة، أمّا الوطن وأهله فلم يلتفت لهم أحد.. فكانت ثورة يوليو وتأسيس الجمهورية الأولى ومعها بدأ صراع وجودى بين الجمهورية المصرية وجماعة الإخوان الإرهابية من جهة وصراع أكثر خطورة على القومية المصرية والشخصية المصرية من جهة أخرى، إذ سعى كل تيار لدفعها وتوظيفها تجاه مشروعه.. إذ دفعت القومية المصرية إلى الانخراط فى القومية العربية فى عهد الرئيس «عبدالناصر»، وبعد نكسة 1967 بدأ تيار الإسلام السياسى، وكان يتمركز وقتها فى دول الخليج العربى توظيف الأهداف القومية لخدمة مشروعه دون أن يلحظ أحد، وبدأ مسار المتاجرة بالقضية المركزية للتيار القومى، ومن العام 1977 بمواءمة غير محسوبة الأبعاد من الرئيس «السادات» أطبق تيار الإسلام السياسى على القومية المصرية والشخصية المصرية مدمرًا أبعادَها وملامحَها وتاريخَها ورموزَها وعمقَها الثقافى والفنى والحضارى إلى أن وصلنا لعام الانفجار 2011.. وظن تيار الإسلام السياسى أنها لحظة التمكين الإقليمية، ولم يرفع علم فلسطين التى تاجروا بها عقودًا فى أى ميدان عربى مُظهرًا وجهَه الحقيقى، وحينها بدأ إدراك حقيقة انتهاء التيار القومى وأنه كان يخدم مشروع خصمه.. لينتهى أول تيار أثقل الشخصية المصرية وأقحمها فى هزائم متتالية ويشتد الظلام الكاحل ويطبق الإخوان على مصر.. أو هكذا ظنّوا.. ويأتى العام 2013.. لتُكتب كلمة النهاية لأخطر وأحقر فكر عرفته الإنسانية، ويُعلن «السيسى» بيان تحرير مصر منهم فى 3 يوليو 2013..  باستدعاء التيار الوطنى المصرى الذى استجمع چينات القومية المصرية داخله.. لتبدأ الهجمة المرتدة بكتابة نهاية هذا التيار وهذه الجماعة وهذا الفكر من المنطقة إلى الأبد، وقد بدأ إسدال الستار فى مارس 2021 .. وهنا علينا أن ندرك أن حركة التاريخ تنحاز إلى مصر رُغم قسوة المواجهة والتحديات؛ بل والمؤامرات التى تعمد إلى ضرب المشروع الوطنى المصرى ومنع بزوغ القومية المصرية من جديد، وفى هذا الأمر تحديدًا لا تستغرب من تحالفات غير منطقية قد تجمع بين صديق أو شقيق مع عدو!.

 

 

 

 

• الشرق الأوسط وإعادة التشكيل فى مرحلة ما بَعد الإسلام السياسى  

ربما يكون العنوان الأول للمتغيرات المتسارعة فى الشرق الأوسط هو صدْق القراءات الغربية التى تتحدث عن شرق أوسط فى مرحلة ما بعد الإسلام السياسى، وإن كان هذا لا يعنى نهاية الإرهاب؛  لأن الإرهاب فى شكله الراهن هو مجرد أداة لتصفية الحسابات بين الدول.. وهذه المرحلة هى عنوان العقد الزمنى الحالى من «2021» حتى «2031».

وبينما يلفَظ الإسلام السياسى فى عنصرَه السُّنى ممثلاً فى جماعة الإخوان الإرهابية أنفاسَه الأخيرة بعد قطع شرايينه من مصر ومؤشرات طرده من أوكاره الإقليمية.. وفيما تظهر تحالفات إقليمية ما كان لأحد يتوقعها هدفها الاستراتيچى التخلص من العنصر الشيعى لفكرة الإسلام السياسى، ممثلاً فى نظام الملالى فى إيران وأذرعه الإقليمية.. هذه الصورة تجعل من الشرق الأوسط منطقة رمال متحركة بامتياز.. ونطاقًا جغرافيّا من الصلصال يُعاد تشكيل توازناته.. يحتفظ بقدره داخله مَن يقف على أرض صلبة ويصمد أمام تفاعلاته متمسكًا بالكَمِّ الاستراتيچى الذى يمتلكه.. وقبل أسابيع كنت قد كتبتُ عن (الكم الاستراتيچى الذى حققته مصرُ خلال الفترة من 2014 إلى يومنا هذا)، وهو ما يُعَد معجزة تاريخية بكل المقاييس جعلت من الكيان المصرى كتلة صلبة فى ظل هذه السيولة الإقليمية.

وهنا علينا أن نستجمع مجموعة من الحقائق لتظل حاضرة أمامنا، أن محاولات إضعاف مصر وتمزيقها داخليّا على مدار العَقدَيْن الماضيَيْن لم تكن صدفة،ومحاولات إسقاطها فى 2011 لم تكن صدفة ،ومحاولات منع قواتنا المسلحة من امتلاك القدرة دائمًا والسعى لتشويهها من أطراف دولية لم تكن صدفة.. وكذلك فإن صمود مصر أمام هذه الموجات المتتالية من الحروب النوعية المختلفة لم يكن أيضًا صدفة .. ويظل مرجعه الحضور الأصيل للقومية المصرية فى البنيان المصرى وداخل مؤسَّسَات الدولة الوطنية المصرية.. وعلينا أن ندرك أن ما تواجهه مصرُ الآن فى تحدّى مياه النيل أيضًا ليس صدفة.. الهدف الاستراتيچى لخصوم مصر واضحٌ ومكشوفٌ وهو عدمُ بقاء مصر على حالها بعد فشل إسقاطها وتقسيمها وحرمانها من الاحتفاظ بالنطاق والتأثير الذى يليق بها فى التقسيم الإقليمى الجديد.. وهو التقسيم الذى قد يدفع بكيانات إقليمية صغيرة وحديثة إلى مواقع دول وكيانات إقليمية رئيسية، وفى المقابل يبعد الكيانات الرئيسية عن ساحة التأثير ويُضعفها ويجعل من حجمها وكمِّها إن لم يكن أقل من الكيانات المستحدثة فعلى أقصَى تقدير يكون مساويًا لها.. ولهذا أعتقد أن تحدّى مياه النيل هو آخر التحديات المصرية الجسيمة، وهو تحدٍّ وجودىّ، ولهذا فإن اصطفاف الأمة المصرية خلف القيادة السياسية فى معالجة هذا الملف ليس وجهة نظر.

 

 

 

• الجمهورية الثانية وواقعية الاستناد على القومية المصرية 

يقول عميد الأدب المصرى والعربى الدكتور «طه حسين»، الذى يُعَد أحد  أهم (المنظرين للقومية المصرية).. «الحضارة المصرية والفرعونية متأصلة فى نفوس المصريين وستبقى كذلك.. بل يجب أن تبقى وتقوَى.. والمصرى فرعونى.. قبل أن يكون عربيّا ولا يطلب من مصر أن تتخلى عن فرعونيتها وإلا سيكون معنى ذلك أن يقول أحدهم اهدمى يا مصر أبا الهول والأهرامات وانسى نفسك واتبعينا.. فلا تطلبوا من مصر أكثرَ مما تستطيع أن تعطى».

هذه المقولة تضمنها مقال للدكتور «طه حسين» فى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضى، وهى تعكس حالة بداية التجاذبات الداخلية بين الأفكار الدخيلة على مصر وصراعها على القومية المصرية والشخصية المصرية.. وقد رأينا وعايشنا المرحلة التى سعى خلالها البعض أن ينسى مصر نفسها لكى تتبعهم، ولقد رأينا وعايشنا المرحلة التى خرجت فيها أصوات تطلب بهدم الآثار الفرعونية باعتبارها أصنامًا.. وقد درسنا الثمَن الذى دفعته مصر عندما تم تحميلها ما يفوق طاقتها.

محصلة هذه القراءة أن السياق الزمنى وتحوّلاته التى تكفلت من تحرير القومية المصرية من القيود التى أثقلتها على مدار ما يقرب من قرن من الزمان ثم السياق الإقليمى الذى يُعاد تشكيله وامتلاك مصر لقيادة وطنية استثنائية تشكل قوة الدفع المركزية للمشروع الوطنى المصرى.. لأن الرئيس «السيسى» فى حد ذاته يمثل الوجه القوى للقومية المصرية.. سواء من ناحية المنطلقات التفكيرية الحاكمة لكل خطواته عنوانها الحاضر (مصر أولاً) كذلك رفضه مخاطبة المصريين على أساس انتمائهم الدينى؛ بل إنه يرفض استخدام المصطلح نفسه لا يقول مصرى مسلم أو مصرى مسيحى، وانفتاحه فى كفالة حرية الاعتقاد والعبادة لكل المصريين واحترامها، وهذه قناعته، وجميعنا يدرك الآن أن كل مجتمع عمرانى جديد يراعى فى تخطيطه وجود الكنيسة مثلما يراعى وجود المسجد، وتدخل الدولة فى تجديد كل دُور العبادة الإسلامية والمسيحية؛ بل واليهودية أيضًا.. كل هذا يمثل تجسيدًا للقومية المصرية.

قيامه بالتصدّى لمحاولات تحقير وتهميش المرأة المصرية وإعادة بناء الاحترام المجتمعى للمرأة، وأضف إلى ذلك الرسائل التى تضمّنتها كلمة السيدة «انتصار السيسى» قرينة السيد الرئيس التى ألقتها مؤخرًا أمام منظمة التربية والعلوم والثقافة الإسلامية (الإيسيسكو)، والتى كشفت عن السياق الشامل الذى تعمل عليه الدولة المصرية فى ظل قيادة الرئيس «السيسى» من أجل دعم وتمكين المرأة، وهى الأمور التى ظهر بعضٌ منها خلال احتفالية يوم المرأة الأسبوع الماضى من خلال المعلومات التى تضمّنها حديث رئيس المجلس القومى للمرأة ووزراء التضامن الاجتماعى والتخطيط.. كل هذا يمثل تجسيدًا للقومية المصرية.

أن يتم اتخاذ شعار بناء الإنسان كمحور استراتيچى للحُكم فى مصر.. بناء الإنسان صحيّا واجتماعيّا وثقافيّا وتحقيق جودة حياة له والعمل على تحقيق ذلك رُغم قسوة التحديات.. فكل هذا يُعَد تجسيدًا للقومية المصرية.

مصرُ لم ترفع شعارًا غير مصرى فى عهد «السيسى».. وباشرت دورَها الإقليمى بقوة وفاعلية أيضًا من منطلقات (القومية المصرية)؛ لأن القومية المصرية قومية منفتحة ومتصالحة وتستمد ذلك من النسق الحضارى لدولة نهرية، والدول النهرية يؤصّل لعمقها الحضارى بأسُس التعايش والتبادل والسلام، وهو ما يختلف عن الثقافة التى يعانى منها البعض وتؤثر على سلوكه الاقليمى، وهى ثقافة الندرة التى تكونت عليها بعض المجتمعات، وهى تلك الثقافة التى تتلخص فى إمّا أن تعيش أنت أو أعيش أنا.. أمّا أهل الحضارة النهرية فمفهومهم عن الحياة هو العيش المشترَك.

تعمّد الرئيس «السيسى» والدولة المصرية الحفاظ على دور الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية المصرية، وهى المساحة التى سعى خصوم هذا الوطن الى تعكير صفوها للنيْل من النسيج الوطنى المصرى.. هذا الإدراك من قِبَلِ الرئيس والدولة المصرية ما هو إلا تجسيد للقومية المصرية، وأذَكّرك بشعارها الأصيل (الدين لله والوطن للجميع).

رسائل الرئيس المتتالية للإعلام وللثقافة وحرصه على امتلاك مصر نظامًا تعليميّا متطورًا وحرصه على دعم الدراما فى هذه المرحلة إلى حين قطف ثمار النظام التعليمى الجديد هو تجسيدٌ للقومية المصرية التى اعتمدت على (الوعى) باعتباره الطريق الأمثل فى تحقيق الغايات الوطنية.

أكثر من ذلك.. إذا عُدنا إلى سبتمبر 2014.. البيان الأول الذى ألقاه الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. راجع محتوَى هذا البيان وما تضمّنه من إشارات وعبارات عندما أراد الرئيس تعريف العالم بالواقع الجديد لمصر؛ ستجد أنه خطاب يُشكل فى حد ذاته مسودةً لتعريف ماهى (القومية المصرية)؛ إذ استمد واقع مصر والمستقبل الذى ينتظرها من عمقها الحضارى أولاً واتصاله وتتابعه بمكوناته المختلفة.

وبالتالى؛ فإن حضور القومية المصرية كأساس فكرى وثقافى وفلسفى للجمهورية الثانية سياقٌ له منطقه .. هذه القومية التى ننتمى إليها باعتبارها المكون الأصيل للشخصية المصرية، التى أنتجت أعلام الفكر والثقافة والفنون والسياسة خلال النصف الأول من القرن العشرين وشكلت مجتمعًا متصالحًا مع نفسه ومع عالمه مؤثرًا فيه .. مجتمع كان البناء الواحد فيه يضم «حسن ومرقص وكوهين» ثم أقحمه تيار فى مشروعه فأصبح البناء يضم «حسن ومرقص» فقط، ثم تمكن تيار ظلامى فأراد أن يجعل البناء خاويًا لا يسكنه إلا «حسن» لا.. يسكنه «الأخ حسن)».

أستبشر كثيرًا بالقادم.. مصر على طريقها.. عندما نقول إن مصر أولاً.. مصر تمتلك زمنها، عندما يكون شعارنا (مصر هى الحل).. رُغم كل التحديات.. مصر قادرة .. وللحديث بقية. 

 

 

 

نوال السعداوى

 

عندما قررنا أن يحمل الغلاف الثانى صورة الدكتورة «نوال السعداوى».. لم يكن الهدف فقط أن نحتفى بهذه السيدة الرائدة التى أثارت جدلاً لا ينتهى على مدار عقود، والتى تم نعيُها فى صحف القارات الخمسة الكبيرة منها والصغيرة فى حالة مثيرة للانتباه.

ولكن بأن نقر احترامنا لسيدة كانت مخلصة لنفسها وللمبدأ الذى عاشت من أجله، وهو حرية المرأة وحرمة الاعتداء عليها وعلى جسدها، وهو المبدأ الذى دفعتْ الثمَن المقابل له فى حياتها سنوات طويلة.. الأفكار التى نادت بها «نوال السعداوى» فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى من تجريم الختان وتجريم زواج القاصرات فى مصر والعالم العربى كانت سببًا مركزيّا فى نَعتها بأوصاف تعكس تصلب شرايين التفكير فى هذه المجتمعات حينها.

ما كانت تطالب به «نوال السعداوى» هو نفسه ما طالبت به الرائدة «أمينة السعيد» وهو نفسه الخطاب الذى كانت تتحدث به السيدة «روزاليوسف» مؤسِّسَة هذه الدار الصحفية.. وهو أن المرأة ليست مخلوقًا درجة ثانية.. وأن التقدير والاحترام لها والمساواة حق.

«نوال السعداوى» التى نختلف كل الاختلاف مع قناعتها الماركسية كفلسفة للحياة.. هى المرأة الوحيدة التى رُشحت لجائزة نوبل ثلاث مرّات .. قدمت 55 مؤلفًا وتم تجاهل أعمالها فى المكتبة العربية، وتم مناقشة وتدوين ما كتبت فى المكتبة العالمية.. وأننا على اختلافنا مع تيارها الفلسفى؛ إلا أننا نقر بأنها إنسانة شجاعة وكاتبة عُملتها تحمل وجهًا واحدًا.. دون تبديل أو تلوُّن أو نفاق. 

وعلى الرغم من ذلك فإنها لم تكن جزءًا من التيار السياسى الماركسى، وذلك لأن قضية المرأة لم تكن قضية محورية لهذا التيار.. أكملت دراستها العُليا فى الولايات المتحدة ولكنها لم تغير قناعتها تجاه الصهيونية العالمية وقسوة الرأسمالية.

كانت «نوال السعداوى» تقول كلمتها بجرأة.. دون أى حساب إلا ما تعتقد أنه صواب من وجهة نظرها.. ولا تقتنع إلا بما يمليه عليها عقلها.. وهى حُرّة فيما تعتقد.. وحُرّة فى قناعتها.. كانت تطلب مناقشتها ولم تكن تطلب اتباعها.. ولم تستخدم السلاح أو القنابل أو القتل لفرض وجهة نظرها.. كان لديها أفكار وكان سلاحها قلمها.. وقالت كلمتها ورحلتْ.

فى المقابل كشف ارتباك المجتمع الثقافى المصرى فى التعامل مع وفاتها عن ما حققته التيارات الظلامية فى النخب المصرية.. نُخَب لا تجرؤ أن تقول كلمتها خوفًا من إرهاب ميليشيات الإخوان الإلكترونية.

إن «روزاليوسف»، التى تحمل بين دفاتها وأرشيفها المهيب  الكثير من كتابات وحوارات الدكتورة «نوال السعداوى» والعديد من القراءات النقدية الموضوعية لأعمالها.. ما كان لها إلا أن توثق لحظة رحيلها بما يليق باحترام هذه السيدة لنفسها ولقضيتها، وإن اختلفنا مع بعض أو حتى كثير من أطروحاتها.. هذه قضية أخرى. ماتت نوال.. وعاشت حرية المرأة.