الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الجانى الحقيقى  فى جريمة مدينة السلام

الجانى الحقيقى فى جريمة مدينة السلام

من المؤكد أن الجريمة المعروفة إعلاميًا بسيدة مدينة السلام لن تكون الأخيرة وستتكرر مرات أخرى بأشكال مختلفة، مادام الجانى الحقيقى حرًا طليقًا، صحيح أن من ارتكبوا الجريمة بأيديهم تم القبض عليهم وحبسهم على ذمة التحقيقات، ولكن هل هم وحدهم المجرمون أم أنهم المنفذون فقط ومجرد أداة تم استخدامها؟ ولكى نعرف من وراء الجريمة لا بد أن نتتبع ما حدث، حكاية الجريمة تم تناقلها بأكثر من رواية، فى البداية نشرت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى أن صاحب عقار ومعه ثلاثة رجال اقتحموا شقة سيدة تقيم بمفردها بحجة أن معها رجلاً غريبًا، وتم إلقاؤها من الدور السادس أو أرغمت على الانتحار أو لم تجد مفرًا من أن ترمى نفسها من شرفة شقتها، وحاول الجناة وضع وازع دينى للجريمة وتغليفها بطابع أخلاقى بالقول أن السيدة كان معها صديقها، والواقع أن المجرمين يعرفون تأثير ما قالوه، حيث تذهب أذهان البسطاء إلى اتهام المرأة أخلاقيًا، والإعجاب بنخوة وتدين المعتدين.



 

والغريب أن كثيرين شاركوا هؤلاء القتلة فى جريمتهم البشعة، فقد كانت كل الأخبار التى نشرت فى اليوم الأول عن الحادث بمثابة إدانة أخلاقية للمجنى عليها حتى ولو دون قصد، فرددوا كلمات الجناة ونشروا تعبيرًا كان معها صديقها، وهى كلمة سيئة فى عرف المجتمعات المغلقة والمحاطة بستار دينى وأخلاقى وهمى، ورغم أن عددًا غير قليل دافعوا عن الضحية وتحدثوا عن الحرية الشخصية وحرمة اقتحام الشقق الخاصة وأنه ليس من حق أحد التدخل فى حياتها الخاصة، وهو كلام صحيح إلا أنه يظل مؤثرًا فى النخبة فقط، أما المجتمعات المنغلقة وغير السوية فترفضه رغم أن فيها كثيرين يرفعون شعارات الفضيلة والأخلاق علنًا وقولاً ويخالفونها سرًا، وهؤلاء هم الأعلى صوتًا والأكثر تأثيرًا فى بيئتهم. فى اليوم التالى للجريمة ظهر شقيق الضحية فى أحد البرامج التليفزيونية وقال كلامًا مختلفًا مثل أن من تواجد معها فى الشقة عامل أنابيب كان يقوم بتغيير الأنبوبة وليس صديقها، وأن باب الشقة كان مفتوحًا وليس مغلقًا، وأن من اعتدوا عليها حاولوا خلع ملابسها لتصويرها عارية لكى يثبتوا عليها تهمة أنها بلا أخلاق، وأيضًا أن الضحية كانت على خلاف مع صاحب العمارة وكان يرغب فى طردها، وأنها مطلقة ولها ثلاثة أولاد يزورونها باستمرار، وهكذا أصبح لدينا رواية مختلفة حاول من خلالها شقيق المجنى عليها نفى أنه كان معها صديقها، ورغم أنها حرة فى استقبال من تشاء فى بيتها، وأن ذلك ليس دليلاً على سوء أخلاقها، فإن مجتمعنا صاحب المعايير المزدوجة والمصاب بشيزوفرنيا وانفصام شخصية لا يتقبل مثل هذه العلاقات، وسيعانى أبناؤها وإخوتها وأسرتها كثيرًا من تصوير الراحلة على أن لها صديقًا، وسيواجهون مجتمعًا لا يرحم يجلد الناس بسوط الأخلاق الذى يفصلونه على المقاس، ويضعون معاييره حسب تصوراتهم، ثم ظهرت رواية ثالثة فى بيان النيابة ومن خلال شهادة الشهود، وتتلخص فى أن «ثلاثة متهمين دخلوا الشقة بعد أن فتحت لهم السيدة الباب فقاموا بتقييد شخص كان موجودًا بوثاق - لم يحدد البيان هوية هذا الشخص – وهددوها بالاعتداء عليها، فأسرعت المجنى عليها نحو الشرفة وألقت نفسها منها، ووجهت النيابة للمتهمين تهم حجز المجنى عليها والشخص الذى كان رفقتها دون وجه حق بقصد ترويعهما وتخوفيهما وإلحاق الأذى بهما وإلقاء الرعب فى نفسيهما وتعريض حياتهما للخطر ودخول مسكن المجنى عليها بغرض ارتكاب هاتين الجريمتين».

 

إننى أتمنى أن تكون العقوبات الصادرة من المحكمة بعد إحالة القضية لها رادعة وتنتصر للحريات والدستور والدين الحقيقى على الأفكار الداعشية التى سيستند إليها المجرمون فى دفاعهم عن أنفسهم، ولكن وأيًا كانت الطريقة التى تمت بها الجريمة والاتهامات الموجهة لمرتكبيها والعقوبات التى ستصدر عليهم، فإن الجناة الحقيقيين لم يقترب منهم أحد، القتلة الأصليون هم من أقحموا الدين فى كل أمور حياتنا حسب رؤاهم وليس حسب صحيح الدين، ومن وضعوا أنفسهم أوصياء على المجتمع ونتج عنهم أوصياء أصغر فى كل شارع وحارة وقرية، وهم الدعاة الكذبة الذين يفسرون الدين على هواهم والدين منهم براء، والذين نصبوا أنفسهم قضاة يحكمون على الناس، يعطون من يشاءون صكوك الإيمان والبراءة والأخلاق ويدينون ويكفرون من يريدون حسب أهوائهم، وهم أيضًا من وضعوا الوصاية الدينية على مدى سنوات طويلة والتى رسخت فى المجتمع فكرة الإدانة الأخلاقية والتدخل فى حريات الناس تحت مسمى تطبيق القواعد الدينية وأنه من الواجب على من رأى منكرًا أن يغيره بيده أو بلسانه دون اعتبار للدولة وقانونها وأولى الأمر، وهم من شوشوا عقول البسطاء وأقنعوهم أن المرأة عورة يجب مراقبتها ومحاسبتها على كل كلمة تقولها وحركة تصدر منها وفعل تقوم به، وأنها ليست حرة وإنما يجب دائمًا أن تكون تحت الرقابة حتى لا تنحرف، وأن من تقيم بمفردها محل شك دائم ولا بد أن سلوكها غير مستقيم، وهم كذلك من استطاعوا خلق تيار واسع يحترف التدين الشكلى ولا يعرف جوهر الدين الصحيح، أما الأكثر إجرامًا فهم من سمحوا لكل هؤلاء باستباحة المجتمع ونشر أفكارهم على مدى سنوات طويلة دون أى مواجهة ما جعلهم يستولون على الشارع ويستلبون عقول البسطاء يوجهونها كما يشاءون، هؤلاء جميعًا هم الجناة، ولكن كيف ومن يحاسبهم؟.