الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الفريضة الغائبة

الفريضة الغائبة

ماذا يحدث فى المجتمع المصرى؟ ولماذا تغيرت الأخلاقُ وتبدلت القيمُ؟ وأصبحنا نعانى من ظواهر اجتماعية خطيرة، مثلًا كيف تحولت العلاقات الأسرية من الحب والألفة إلى العنف؟، ولماذا تبدلت المودة والرحمة بين الأزواج إلى الكراهية والبغضاء حتى صرنا من أكبر الدول عالميّا فى نِسَب الطلاق؟، وهل لدينا بالفعل ما أسميناه فى الإعلام ظاهرة العناتيل أمْ أنها وقائع عابرة؟ وما الذى جعل جرائم القتل البشع تنتشر بين الآباء والأمهات والأبناء؟، وما السبب وراء ارتكاب حوادث كنا نسمع عنها من قبيل الغرائب والعجائب فصارت أمرًا معتادًا لا يثير الدهشة بسبب تكرارها كثيرًا؟، وكيف شاع التحرش والبلطجة فى شوارعنا والفساد والرشوة فى المكاتب الحكومية؟ ولماذا تنامَى الإتجار بالدين وأصبح لمن يستخدمونه سُلطة على البسطاء؟ وما السبب وراء حالة الانقسام والاستقطاب الحادة فى معظم قضايانا العميقة منها والبسيطة؟ ولماذا تصدرت الوقائع التافهة اهتمامات الناس؟.. هذه الأسئلة لا بُدّ أن تشغلنا وأن نبحث عن إجابات حقيقية لها لأنها تشير إلى تغير كبير فى مجتمعنا، ولن تكون الإجابات صحيحة إلا إذا جاءت من خلال دراسات اجتماعية ميدانية وعميقة بما يساعد على مواجهتها والتعامل معها، وهو أمرٌ يجب أن تقوم به الجهات المختصة بالبحث العلمى الاجتماعى، وعلى رأسها المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، الذى له باع طويل فى مثل هذه الدراسات وخبرة طويلة فى رصد المتغيرات التى تحدث فى المجتمع، كما أن لدينا أكثر من 16 قسم اجتماع بكليات الآداب الموجودة فى جامعاتنا، والأخيرة أصبحت منتشرة فى معظم المحافظات حتى تكاد لا تخلو محافظة من وجود جامعة بها، ولا ننسى كليات ومعاهد الخدمة الاجتماعية الحكومية والخاصة، هذا الزخم لا بُدّ أن يترجم إلى دراسة أحوال مجتمعنا ومعرفة ماذا جرى له فى السنوات الأخيرة، فقد كانت الأحداث كثيرة ومتلاحقة مثل قيام ثورتين عظيمتين فى وقت متقارب، ومحاولة التيارات المتأسلمة والإرهابية الاستيلاء على الحكم ونشر أفكارها فى الريف والصعيد ومناطق غير قليلة من الحضر، وصولًا إلى تداعيات فيروس «كورونا».. من المؤكد أن تأثير ما حدث كان كبيرًا، هناك من يُحَمل ثورة يناير ما وصلنا إليه، وهو أمر غير دقيق، وفى المقابل لدينا من يرى أنها فقط كشفت الغطاء عن المسكوت عنه طوال ثلاثين  عامًا من حُكم مبارك وقبله سنوات السادات التى سادت فيها قيم الانفتاح السداح مداح، والبعض يمد الأمر إلى فترة عبدالناصر، كما يجب عدم إغفال تأثير تردّى التعليم وتراجُعه، وزيادة معدلات الفقر وتقهقر الطبقة الوسطى حتى كدنا نقول لها وداعًا، وانتشار مفاهيم الفهلوة وجرائم السرقات والرشاوَى، ويكفى أن وزارة الداخلية أعلنت منذ أيام ضبط قضايا رشوة واحتيال بقيمة 19 مليار جنيه خلال شهر واحد، والسؤال: هل ما نراه الآن بسبب الأحداث القريبة أمْ أننا نجنى حصاد سنوات طويلة أدت إلى تغير واهتزاز القيم التى كانت راسخة فى المجتمع؟، وأن كل ما فعلته الثورة أنها كشفت الصديدَ الذى كان موجودًا تحت الجلد وكان لا بُدّ أن يظهر.. فى كل الأحوال علينا أن نبدأ التنظيفَ والعلاجَ قبل أن نضطر إلى البَتر، وهو أقسى أنواع العلاجات، ولكن الدواء لن يكون صحيحًا وناجحًا إلا إذا عرفنا أين يكمن موطن الداء؟ وما سببه؟ وهو ما تجيب عليه الدراسات والأبحاث المعمقة وليست السطحية التى ترى القشرة ولا تصل إلى الجوهر.. وهنا يأتى دور أقسام الاجتماع فى الجامعات التى يجب ألا يقتصر دورها على العملية التعليمية، فالدراسات البحثية فى البيئة المحيطة بها يجب أن تكون أحد أولوياتها، ولجامعة القاهرة مركز بحث اجتماعى تابع لها أنشئ عام 1994 وكان هدفه رصد الظواهر الاجتماعية فى المجالات المختلفة وتحليلها بما يساعد على مواجهتها والتعامل معها، ولا أدرى إن كان نشاطه مستمرًا وفعالًا حتى الآن أمْ لا، كما أن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية لايزال موجودًا، وقد عمل به نخبة كبيرة من علماء الاجتماع منذ إنشائه حتى الآن، وكانوا يقومون بدورهم فى ملاحقة الظواهر الجديدة باعتبارها جزءًا أصيلًا من صميم عملهم واهتمامهم العلمى.. حقيقة لا أعرف إن كانت الجهات المعنية بالبحث درست ما يحدث الآن فى مجتمعنا أمْ أصابها الوهنُ والتكاسُل مثل كثير من مؤسّساتنا العلمية،وستكون كارثة إذا تهاونت هذه المؤسّسات فى عملها؛ لأننا فى هذه الحالة لن نصل إلى ما يقودنا للعلاج الناجع.. البحث العلمى الاجتماعى فريضة  فى ظل ما نمر به، وسندفع الثمَن غاليًا إذا أصبحت هذه الفريضة غائبة، أمّا إذا كانت هذه المؤسّسات تقوم بدورها؛ فإننى أتمنى أن تضع هذه الأبحاث ونتائجها أمامَ صًُناع القرار، وأن تطرح على المهتمين والمعنيين لمناقشتها ووضع خطط المواجهة، فيجب ألّا تكون هذه الدراسات حبيسة أدراجها وأرفف مكتباتها بينما نحن فى أمَسّ الحاجة إليها، وإلا نكون فى هذه الحالة أدّينا الفريضة ناقصة غير مكتملة.