
أسامة سلامة
أخطر ما يواجه مجتمعنا
تعمدتُ أن أنتظر عدة أيام قبل أن أكتب فى قضية سيدات نادى الجزيرة، حتى أعرف ما ستنتهى إليه الواقعة، وكما كنت أتوقع انتهت إلى لا شىء، وكأن شيئًا لم يحدث، وهو أمر تكرر كثيرًا مع وقائع شغلت الناس وامتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعى، ثم تنتهى إلى «ولا حاجة»، وهى كلمة عامّيّة تعبر عن الفراغ والكلام غير المُجدى والمناقشات العَدمية التى ترهق الأذهان لعدة أيام ثم تذهب غثاءً مثل الزَّبَد؛ لأنها لا تنفع الناس ولا تمكث فى الأرض، وفى اعتقادى أن قضية نادى الجزيرة هى نموذج لما يواجه مجتمعنا من أخطار تحتاج إلى مواجهة سريعة الآن قبل الغد، وأبرزها الإدانة الأخلاقية الجاهزة، فهناك من أدان السيدات لأنهن صنعن تورتة وجاتوهات على هيئة أعضاء جنسية فى احتفال بعيد ميلاد إحداهن، ووصل الأمر إلى مُطالبة النائب العام بالتحقيق معهن دفاعًا عن المجتمع والأخلاق، وفى المقابل ظهر من دافعوا عن سيدات الجزيرة تحت قاعدة الحرية الشخصية، وطالبوا النائب العام أيضًا بالتحقيق مع مَن صَوَّرَ احتفال السيدات دون علمهن ونشر صورهن على مواقع التواصل الاجتماعى، باعتبار أن مَن قام بهذا الفعل ارتكب جريمة انتهاك الخصوصية والتلصص والتجسُّس والنشر.
الطرفان طلبا اللجوء للنائب العام وتطبيق القانون من وجهة نظرهم، لكن لا أحد منهما ناقش ما هو مفهوم الأخلاق؟ وهل هو واحد فى مجتمع متعدد الطبقات؟ أمْ يختلف من مكان إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى؟ لا شك أن القيم الراسخة واحدة مثل المَحبة والسلام والصدق وعدم الكذب ورفض الاعتداء على الآخرين وغيرها من الثوابت الأخلاقية، ولكنْ الأعراف الاجتماعية متباينة، فما يُقبَل فى المدن الكبرى قد يكون مرفوضًا فى الريف، وما هو عادى فى المنتجعات السياحية والكومبوندات الفاخرة والمغلقة على مُلّاكها قد تستهجنه الطبقة الوسطى، وبعض العادات فى العشوائيات يعتبرها البعض عيبًا فى أوساط أخرى، ومن تلقى تعليمًا أجنبيّا أو عاش فى الغرب لفترة قد تختلف تصرفاته عمّن لم يختلط بالأجانب، فالتصرفات الاجتماعية من احتفالات وملابس ومأكولات ومشروبات وطريقة الكلام وغيرها مختلفة من طبقة إلى أخرى، كما أن هذه الأمور تتغير باختلاف الزمان ومع مرور الوقت، مثلًا فى الصعيد كان من الصعب تعليم الفتيات أو الموافقة على عملهن أو زواجهن خارج العائلة، الآن أصبحت هذه الأشياء طبيعية، بل تسعى إليها الأسَرُ بمختلف طبقاتها، أيضًا ارتداء الفتيات للبنطلون كان مستهجنًا عند ظهوره، أمّا فى وقتنا هذا فصار من الملابس المعتادة حتى إن هناك من ينادى بعودة المرأة لارتداء الفساتين، كما أن خروج المرأة من دون حجاب كان فى فترة؛ خصوصًا فى الريف صعبًا، حتى إنه كان يُنظر إلى مَن لا ترتديه إمّا إنها غير مسلمة أو خارجة عن القواعد الدينية، الآن أصبح الأمرُ عاديّا، وحتى وقت قريب كان ختان الإناث ضروريّا وعند البعض توجهًا دينيّا، حاليًا لدينا قطاع عريض يرفضه ومقتنع بأضراره وأنه ليس من الدين، بل إن بعض الأغانى فى الأفراح الريفية حتى وقت قريب كانت بها عبارات ومعانٍ لو قيلت الآن لفاقت ما فعلته عضوات النادى الأرستقراطى، وهذه الأغانى لم تكن تلقَى رفضًا أو استقباحًا وقتها من المجتمع؛ لأنها كانت فى إطار المرح والفرح.
وفى قضية سيدات الجزيرة لفت نظرى أنه لم يكن هناك أى استنكار من أعضاء النادى، بل إن بيان رئيس النادى كان فى مجمله دفاعًا عن العضوات.. هذه القضية أيضًا كان من الممكن أن تقودنا إلى مناقشة أضرار التلصُّص وخطورة نشر فيديوهات وصور المواطنين دون علمهم بهدف فضحهم، وكان يجدر بنا أن نحدد ما هى الخصوصية فى زمن الفيس بوك وتويتر وغيرهما من وسائل التواصُل الاجتماعى، والتى كسرت كثيرًا من قواعد الخصوصية، وكنت أتمنى أن تصل بنا المناقشات إلى الجواب على السؤال متى يكون النشر جريمة؟ ومتى يكون مباحًا بعد التطورات إلى حدثت فى تكنولوجيا الاتصالات؟ وفى كل الأحوال أنا هنا لا أحكم فى القضية ولا أنحاز إلى طرف، ولكن أوصف حالة خطيرة وهى أن كل شخص يحكم بمعياره وأفكاره ويريد فرض وصايته على الجميع تحت دعوَى الحفاظ على قيم المجتمع، وهذا أخطر ما يواجهنا، فنحن لا نتناقش ولا نسمع بعضنا بعضًا ولا نقبل من يخالفنا فى الرأى أو المعتقد؛ بل نصل إلى حد اتهامه بالكفر والخيانة والخروج على الأخلاق، وهو ما يُحدث انقسامًا فى المجتمع ويقودنا إلى حالة استقطاب حادة فى كل المجالات وفى كل القضايا، وهو أمرٌ لو تعلمون خطيرٌ.