
أسامة سلامة
من يدافع عن الفن؟
أثارت خطبة الجمعة قبل الماضية التى ألقاها الشيخ د. «أحمد عمر هاشم» بجامع الأزهر الشريف، جدلاً واسعًا بين صناع الفن والثقافة فى مصر، خاصة أن العالم الجليل الذى أبدى احترامه مسبقًا لأهل الفن، قام بربط ما يحدث من مشاكل وأزمات وما يمر به العالم من انتشار للأوبئة بالـ«الفواحش» التى تعرض فى السينما والتليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعى.
اعتقدت- ويبدو أننى كنت مخطئًا – أن رؤساء النقابات الفنية ومجالس إداراتها وكبار الفنانين سينتفضون دفاعًا عن الفن (التمثيل والغناء والموسيقى)، بعد أن وجهت له اتهامات خلال الأسابيع الماضية عدة مرات، وانتظرت ردهم على ما يمس مهنة ينتمون إليها ومسئولون عنها بحكم موقعهم النقابى ووضعهم المهنى، ولكن أحدًا منهم لم يهتم بالإهانات التى طالت جميع من يعمل بهذه الفنون، الدكتور «أحمد عمر هاشم» قال فى خطبة الجمعة قبل الماضية: «لم يظهر الوباء فى الأرض إلا بما كسبت أيدى الناس، وقص رب العزة إلى رسول الله قصص الأمم السابقة، وما مسهم من البأساء والضراء، والضراء هى الأمراض والأسقام، ولذلك نحذر من أن يعلنوا الفاحشة فى المسلسلات والأفلام ومواقع التواصل الاجتماعى، فلنحذر هذا ولنكف لننقذ أمتنا وعالمنا».
لا أدرى لماذا يرى الدكتور «هاشم» أن المسلسلات والأفلام تعلن الفاحشة ويختصها بهذا، وكأن الفن هو المسئول عن الفاحشة فى المجتمع وأنه سبب البلاء والوباء، من المؤكد أن الشيخ لا يؤمن برسالة الفن السامية، وهو يتناسى أن الأوبئة ظهرت فى كل العهود، بل إنه وفى نفس الخطبة قال: «إن الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا أنه فى حال وقع الطاعون فى أرض فلا تدخلوها وإذا وقع وأنتم فيها فلا تخرجوا منها»، وبالطبع لم يكن وقتها أفلام ولا مسلسلات، كما أن الأوبئة والمجاعات ظهرت عدة مرات تذكرها كتب التاريخ ولم يكن هناك سينما ولا تليفزيون، من السهل على المشايخ أن يضعوا الحمل على الفن وأن يرتاح ضميرهم لأنهم وجدوا من يلقون عليه بالمسئولية، وهو أمر مريح أكثر من البحث عن الأسباب الحقيقية، وبدلاً من أن يقولوا للناس كيفية مواجهة الوباء، ويحثوا على العلم والتعلم، ويدعموا مراكز الأبحاث والمعامل للوصول إلى دواء فإنهم يحرضون ضد الفن.
كنت أظن أن نقيب السينمائيين ونقيب المهن التمثيلية سيردان على هذا الكلام المهين والمتهافت، ولكنهما صمتا، ومعهما كل الفنانين، وإذا كان الدكتور «هاشم» ومن والاه لا يعرف قيمة الفن المصرى وأنه إحدى القوى الناعمة التى تتمتع به بلدنا وأنه يدعم القيم الإنسانية ويدعو فى معظم منتجه إلى الحق والخير والجمال، فإنه من واجب المنتمين له جميعًا أن يدافعوا عنه وعن أنفسهم، أما التقاعس عن القيام بهذا الدور المهم فيعنى إما الموافقة على هذا الكلام أو أنهم لا يقدرون خطورة الصمت وترك هذا الاتجاه والاتهامات يستشرى ويسود فى المجتمع.
نفس الأمر ينطبق على نقيب الموسيقيين والمطربين والملحنين الذين لم يردوا على ما قاله الشيخ «أشرف الفيل» منذ أسابيع قليلة فى أحد البرامج الفضائية حينما سألته إحدى المشاهدات: «أرغب فى إلحاق ابنى بمدرسة لتعليم الموسيقى والعزف على إحدى الآلات كالجيتار، فهل هذا حرام أم حلال؟» وأجاب الشيخ قائلاً: «الموسيقى حرام، وفقًا لما درسته وتعلمته»، وأستشهد «الفيل» بقول الله تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أولئكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ» وعندما جادلته الإعلامية «دعاء فاروق» بأن هناك تفسيرات أخرى وفتاوى مختلفة، قال «الفيل»: «لا أستطيع قول غير ما شرعه الله ولن أرجع عن رأيى فى هذه المسألة». ويبدو أن الشيخ «الفيل» لم يسمع بفتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر والتى أباحت الموسيقى والغناء وقالت: «القول الحازم فى موضوع الموسيقى والغناء بعد دراسة مستفيضة قام بها كبار علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية، أن الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق فى أمور معينة، وأن سماع الموسيقى وحضور مجالسها وتعلمها أيًا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز وباعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون أو مقترنة بالخمر والرقص والفسق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات، أو أوقعت فى المنكرات، أو ألهت عن الواجبات».
وذكر الأزهر: «عن القول فى الاستماع للقضيب والأوتار، فلا يوجد نص يحرم الاستماع له، وأما القول فى المزامير والملاهى فقد وردت الأحاديث الصحيحة بجواز سماعها».
وردًا على حجج المحرمين لسماع الموسيقى على الإطلاق قال الأزهر: «إن من يحرم يستند إلى حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى حرم القينة وثمنها وتعليمها» ومفهوم الحديث أن الله حرم غناء الجارية التى تغنى للرجال فى مجالس الشرب، وقد ورد عن الإمام «الغزالى» أن هذا الحديث ضعيف، حيث إن غناء الجارية لمالكها ولغيره جائز سماعها، بدليل ما روى عن الصحيحين من غناء الجاريتين فى بيت عائشة رضى الله عنها، ومن الغناء المباح ما يحرك السرور والشوق إلى الحلال، فقد سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم فى يوم العيد، وعند قدومه إلى المدينة.
ولم يكن الشيخ «الفيل» الوحيد فى إهانة الموسيقيين والمغنين فقد سبقه، الدكتور «أحمد كريمة» عندما قال منذ أسابيع معلقًا على تلاوة المطرب «بهاء سلطان» للقرآن الكريم على اليوتيوب «بأنه مخالف للشريعة الإسلامية، ولا يجوز له القراءة فى محفل عام، وأنه لا بد للقرآن من قراء، والقارئ إنسان يتفرغ تمامًا»، وأضاف: «لم يحدث فى المسيحية واليهودية أن نجد إنسانًا يمارس غناء أو تمثيلاً ثم يقتحم الترانيم ويقرأ آيات من العهد الجديد أو العهد القديم»، والدكتور «كريمة» هنا يستنكف أن يتلو مطرب آيات الله للناس، وكأنه ليس مسلمًا أو مؤمنًا، وهو يراه غير جدير بقراءة القرآن فى المحافل العامة لمجرد أنه مطرب، كنت أتفهم غضب الدكتور «كريمة» لو كان اعتراضه على وقوع «بهاء» فى أخطاء فى تلاوته وليس لأنه فنان، ويبدو أن الدكتور الأزهرى لا يعرف أن هناك تسجيلات لـ«أم كلثوم وعبدالوهاب وسيد مكاوى» وغيرهم من المطربين وهم يتلون بعض آيات الله ولاقت استحسان المستمعين، كما أن كثيرًا من الموسيقيين كانوا يحظون بلقب الشيخ مثل «أبوالعلا محمد وزكريا أحمد وسيد درويش»، وكانوا يرتدون الزى الأزهرى فى أوقات كثيرة، كما أنه يجهل أن «فيروز ووديع الصافى وماجدة الرومى» وغيرهم لهم تسجيلات عديدة تحتوى على ترانيم كنسية رائعة.
النقابات الفنية ومجالس إداراتها لم نسمع لها صوتًا فى هذه القضية المهمة، رغم أن كل النقابات تدافع عن مهنها إذا انتقص منها أحد أو أهانها أو تعرض لأعضائها بما لا يليق ويقيمون الدعاوى القضائية حرصًا على الكرامة، وللإنصاف فإن الدفاع عن الفن ورد الهجمات عليه ليست مسئولية النقابات لوحدها، ولا بد أن يشارك فيه جميع الفنانين وأهل الفن ومحبيه والمجتمع بجميع طوائفه، وهو ما لم يحدث فى الوقائع السابقة ، ويبدو أن الفن لا يجد من يدافع عنه وأنه لا بواكى له.