
أسامة سلامة
ليست قضية قبطية
أحسنَ النائبُ العام عندما أصدرَ بيانًا أعلنَ فيه أن النيابة ستطعن على الحُكم ببراءة المتهمين بتعرية السيدة «سعاد ثابت»، الشهيرة إعلاميّا بسيدة الكرم، ولمَن لا يعرف فإنه منذ أربع سنوات وقع حادثٌ طائفىٌّ فى قرية الكرم بالمنيا، قام خلاله الغوغاء والعوام بحرق بيوت عدد من الأقباط؛ بسبب انتشار أقاويل عن علاقة مسيحى بامرأة مسلمة، ولم يكتفوا بذلك فذهبوا إلى منزل المسيحى، وأخرجوا أمَّهُ وجرّدوها من ملابسها وطافوا بها القرية حتى جاءت إحدَى السيدات المُسلمات وأدخلتها بيتَها وأعطتها ملابس تسترُ بها نفسَها، وتقدّمت الأمُّ ببلاغ إلى النيابة وأصرّت عليه ورفضت كل محاولات الصُّلح، وبَعد تحريات الشرطة وتحقيقات النيابة تم توجيه الاتهام إلى ثلاثة أشخاص، وأحيلت القضية للمحكمة، وتداولت لمُدة أربع سنوات ثم صدر حُكمُ البراءة منذ أيام، هذا الحُكم أثارَ مَواجع معظم المصريين الذين تعاطفوا مع الأمّ، ولكن بدأتْ بعضُ الأصوات تتحدّث بطريقة تنحو بالقضية نحو الطائفية، وهو أمرٌ خطيرٌ فى دولة تنادى بالمواطنة، والتى نسعَى جميعًا لترسيخ مبادئها وتطبيق قواعدها فى مجتمعنا، فالسيدة مصرية وفى سِنّ الأمّهات والجدّات، والاعتداءُ عليها جَعل كل المصريات يشعرن أنهن تعرين معها، وكل الرجال المصريين يحسون بالعار؛ لهذا فإنها يجبُ أن تكونَ قضية وَطن وليست طائفة، وأن نعمل على تأكيد ذلك بكل الوسائل، وما أتمناه هو ألا نكتفى بطعن النيابة، ولا نشعر أنها بذلك كفتنا القتال وأراحت ضمائرنا، فلا بُدّ أن تبادرَ جهات عديدة بتقديم الدعم الإنسانى للأم المعتدى عليها، وأقصد هنا المجلس القومى للمرأة، والذى من المفترض أن له دورًا قويّا فى مساندة المقهورات والمعتدى عليهن، وكان يجبُ ألا يكتفى المجلسُ بالبيان الذى أصدره وطالبَ فيها النائب العام الطعن على الحُكم، وعليه أن يبادر بإرسال وفد لزيارة السيدة «سعاد» وتأكيد أنها ليست وحدها وأن حقّها لن يضيع، هذه الزيارة ستعنى الكثيرَ لها ولأهالى القرية مسلمين وأقباطًا وللمتطرفين أيضًا، الأمرُ نفسُه ينطبق على المجلس القومى لحقوق الإنسان، والذى لديه وحدة دراسات قانونية واجتماعية، ومن صميم عمله تقديم الدعم للمعتدى عليهم والمظلومين، كما يمكن لمنظمات حقوق الإنسان؛ خصوصًا المعنية بالمرأة المشاركة فى مساندة السيدة «سعاد» من خلال انضمام المحامين الأعضاء بها إلى فريق الدفاع عن حق السيدة «سعاد» فى الادعاء المدنى بعد نقض الحُكم، أيضًا الصحفيون وكل المهتمين بقضايا المرأة والعدالة والمواطنة عليهم التضامن وتشكيل وفود لزيارة سيدة الكرم وإسعادها بدلًا من تركها تحس بالوحدة أو تعتقد أن ما جرَى لها سببه أنها قبطية، أعضاء البرلمان بغرفتيه؛ خصوصًا العضوات، يجب عليهم التضامن مع الأمّ المعتدى عليها، وأن يقوموا بواجبهم تجاه سيدة مصرية باعتبارهم نوّاب الشعب، المقصود مما سبق أن تتحول قضية السيدة «سعاد» إلى قضية مصرية، وهى بالفعل كذلك، وواجبنا ألا نترك البعض يجعلها قبطية طائفية مَهما كانت الظروف التى وقعت فيها الجريمة، تضامُن الشعب المصرى بجميع ألوانه وطوائفه موجودٌ على الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعى، وعلينا أن نحوّل الكلام إلى فعل، وأن نحصل لهذه الأمّ على حقها القانونى.. الفائدة الكبرى من هذا التضامن المرجو هو أنه إذا رأت محكمة النقض تأييد حُكم البراءة بسبب أن أوراق القضية المقدمة لا تحمل الإدانة؛ فإن المصريين جميعًا ومن بينهم الأقباط سيعلمون أن الخطأ لم يكن لدى مؤسَّسَة العدالة؛ وإنما فى الأوراق المقدمة، وهى فرصة لإصلاحها وعدم تكرار مثل هذه الأخطاء، كما يمكن تقديم بلاغات جديدة إذا أكدت محكمة النقض أن المتهمين الذين تم تقديمهم من خلال التحريات وتحقيقات النيابة ليسوا هم المتهمين الحقيقيين، وأن تتم مطالبة الجهات المسئولة بالبحث عن الجناة الذين ارتكبوا الجريمة، وذلك بمساعدة الفيديوهات التى صَوّرت الواقعة، التضامُن الشعبى يوجّه رسالة للمتطرفين أن المصريين يَدٌ واحدة فى مواجهتهم، وأن محاولتهم لشقّ الصّف لن تنجح، وأننا نسيرُ حقيقة وليس قولًا فى طريق دولة المواطنة.