الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المسيح بين  الإنجيل والقرآن

المسيح بين الإنجيل والقرآن

«إن ملايين البشر فى مشارق الأرض ومغاربها يدينون بالمسيحية ويهشون لذكر عيسى ابن مريم، وملايين المسلمين فى كل مكان يؤمنون بعيسى ابن مريم ولا يكتمل إيمانهم إلا إذا آمنوا به، وإذا كان أصحاب الدينين الكبيرين يؤمنون بالمسيح فأولى بهم أن يتحابوا فيما بينهم، وأن يكون المسيح نبراسًا به يهتدون، وعلى هديه يسيرون، وأولى بمن يدينون بدينه أن يحققوا تعاليمه فى المحبة والخير».



هذه الكلمات الرائعة كتبها المرحوم الشيخ محمود البرشومى، وهو من علماء الأزهر الشريف فى مقدمة كتابه المهم «المسيح بين الإنجيل والقرآن»، وقد تذكرتها بمناسبة واقعة ازدراء الأديان والتى شغلت مواقع التواصل الاجتماعى لعدة أيام، وانتهت بالقبض على شاب مسيحى وفتاة مسلمة ووجهت لهما النيابة تهمة ازدراء الإسلام والمسيحية، وحبس كل منهما أربعة أيام قبل أن تفرج عنهما المحكمة على ذمة التحقيقات، وقد تزامنت هذه الواقعة مع أزمة نشرالرسوم المسيئة للرسول- صلى الله عليه وسلم- فى فرنسا وما تبعها من تداعيات ودعوات لمقاطعة البضائع الفرنسية ردًا على موقف الرئيس الفرنسى ماكرون المؤيد لنشر الرسوم بدعوى الدفاع عن حرية الرأى، هذه الوقائع والأحداث من الممكن أن تتكرر كثيرًا داخل وخارج مصر، فى ظل وجود متعصبين ومتطرفين من أتباع الديانتين لا يفهمون جوهر الدين ولا يعرفون تعاليمه الصحيحة، ولهذا نحن نحتاج إلى مثل كتابات الشيخ البرشومى وتعميمها ونشرها على أوسع نطاق لكى يعرف الجهلاء مقاصد الأديان، ونمنع تأثير المتشددين على البسطاء حيث يحاولون اختطافهم وجذبهم إلى طريقهم مستغلين جهل كل طرف بمبادئ الدين الآخر، وهو ما حاول الشيخ البرشومى أن يتصدى له فى كتابه حيث كان هدفه التقريب بين الدينين، وشرح العقيدتين فى بساطة تمكن المسيحيين من معرفة ما عند المسلمين من عقيدة ومثل وأخلاقيات، وتعطى المسلمين الفرصة لمعرفة عقيدة المسيحيين ومثلهم وأخلاقياتهم، وقد انتهج الشيخ البرشومى فى سبيل ذلك منهجًا علميًا، فأوضح ماذا كتبت الأناجيل عن المسيح؟ ثم ماذا قال القرآن عنه؟، وانتهى إلى أن المسلم لابد أن يؤمن بالمسيح حسب عقيدته تطبيقًا لقول الله عز وجل «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير»، كما أن المسيحى عقيدته منبعها الإيمان بالمسيح، وإذا كان أتباع الدينين يؤمنون بالمسيح، فإن هذا الإيمان لا يكتمل إلا إذا طبق المؤمنون جميعًا تعاليمه، ولكن ما هى تعاليم المسيح؟

يرى الشيخ البرشومى أنها تجلت فى موعظة الجبل وأهمها الرحمة والسلام والسماحة: «لا تقاوموا الشر بالشر لأنه يولد شرًا»، «من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء ومن سألك فأعطه»، «باركوا لاعنيكم وأحسنوا إلى مبغضيكم صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم»، وتضمنت الموعظة أيضًا معانى جليلة، ومفاهيم ثرية تؤكد كلها على حق الناس فى التعايش بسلام ومحبة، وفى تخلص النفس من الأدران القلبية من رياء وغش وخداع وكذب وضلال، والأخذ بيد الجميع ليعرفوا طريقهم إلى الرب الرحيم الذى وسعت رحمته كل شىء، لقد أكد الشيخ البرشومى فى كتابه على «أن الله خلق الناس مختلفين ولو شاء لجعلهم أمة واحدة، ولكن التطور يقتضى هذا الاختلاف وبضدها تتميز الأشياء، فلن يجتمع الناس على دين واحد كما لن يجتمعوا على فكر واحد، وحتى أصحاب الدين الواحد يختلفون، ولكن لابد من وجود قدر مشترك من احترام كل صاحب فكر لفكر الآخر، وكل صاحب دين لعقيدة الآخر»، ويقول: «فإن كان ثمة مناقشة بين فكر وفكر فالاحترام واجب والسخرية ممنوعة، ورب فكر أحسنّا الاستماع إليه أدى إلى خير كثير، ورب عرض صادق لدين أدى إلى معرفة وثقافة وتقارب وتفاهم»، ما أحوجنا إلى مثل هذه الأفكار التى توقف التشاحن والتلاسن الدينى وتطفئ الحرائق التى يشعلها المتطرفون والمتعصبون، بقى أن أقول إن الكتاب من إصدار مؤسسة روزاليوسف ومن منشورات الكتاب الذهبى حيث صدر لأول مرة عام 1976، وأعيد نشره مرة أخرى عام 2016.>