الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البهجة والبهاء  فى قداس الشيخ رضوان

البهجة والبهاء فى قداس الشيخ رضوان

للروائى الكبير الراحل «خيرى شلبى» قصة قصيرة يعبر من خلالها عن علاقة صداقة وثيقة تربط بين إمام مسجد قرية بقس الكنيسة بنفس القرية منذ طفولتهما.. وإمام المسجد يمتلك ورشة صغيرة للنجارة يمارس عمله بها كنجار.. وتقع فى شارع ضيق فى مواجهة الكنيسة.. تنعكس تلك العلاقة الطيبة حبًا وترابطًا وألفة وسلامًا على أهل تلك القرية.. وهى علاقة تختلف اختلافًا بينًا عن عناق الشيخ مع القسيس المعتادة وصورهما معًا فى اللقاءات ذات الصبغة الإعلامية المصطنعة لتؤكد وحدة النسيج الوطني.. بل تتميز العلاقة بالترابط الوجدانى والإنسانى العميق الذى يعبر عنه المؤلف فى التعاون المثمر لحل وعلاج مشاكل أهل القرية.. وفى جلسات السمر التى تجمعهما فى منزليهما.. والتى تتم فى جو من المرح الخلاب.. وتبادل القفشات والنكات.. واشتراكهما فى الكثير من العلاقات الاجتماعية بما تحمله من مفارقات ضاحكة.. وتكاتفهما فى السراء والضراء.. ويظهر من خلال أحداث القصة أن الشيخ يهوى الموسيقى ويحفظ التراتيل الكنسية والصلوات من خلال علاقته الوطيدة بالقس.



 

فجأة وبعد مرور سنوات يتم نقل القس إلى كنيسة أخرى بقرية فى محافظة أخرى.. يحل عيد الميلاد والقس لم يحضر.. وينتظره المصلون فى الكنيسة ليلة العيد بقلق وحزن خوفًا من تخلفه عن أداء طقوس الصلاة.. يفاجأ الجميع بدخول الشيخ مرتديًا زى القس.. ويقوم بقيادة جموع المصلين وأداء مراسم الصلاة كاملة كبديل للقس الجديد.. وحينما ينهيها يسرع مهرولًا فى اتجاه الجامع ليقيم صلاة الفجر.

 

تذكرت تلك القصة البديعة والتى نشرت فى كتاب منذ فترة زمنية طويلة سادت فيها النعرة الطائفية البغيضة وسيطرتها على عقول الكثيرين من التكفيريين تحمل خطاب الكراهية الأسود.. وازدراء الآخر والتطرف الدينى المتبلور فى تلك الفتاوى الشاذة التى من شأنها أن تطفئ شموع الاستنارة وتلفظنا خارج التاريخ.

 

أقول إنه رغم ذلك فقد أثلج صدرى وأعاد لى الأمل فى تجاوز محنتنا المتمثلة فى تلك الردة الحضارية التى نعانى من آثارها المزرية.. عندما طالعت على صفحات الفيس بوك خبرًا نشره وعلق عليه الصديق الفنان محمد عبدالخالق يقول فى فحواه:

 

بصوت متهدج طيب صادق يردد القمص «بيشوى» الذى كان مريضًا بالكورونا وحالته حرجة.. وتبرع له الأستاذ محمد إسماعيل ببلازما الدم وهو صائم فى رمضان.. يقول القمص بيشوى: كنت واهنًا ضعيفًا مريضًا فى حالة حرجة.. فلما جرى فى عروقى دم أخى محمد إسماعيل.. هذا الدم المصرى الجميل الحلو.. راق جسمى وتماثلت للشفاء.. إن المحبة والود والتآخى تصنع العجائب.

 

يقودنى ذلك المثال الجميل إلى إعادة قراءة التراث العظيم الذى تركه «جلال الدين الرومى» ويجعلنا نتحصن به وبرسالته السامية التى جاء بها فى القرن الثالث عشر.. الذى يمثل حقبة مضطربة فى الأناضول نظرًا لما شهدته من صدمات دينية.. ونزاعات سياسية.. بينما فى العالم الغربى اتجه الصليبيون إلى القدس واحتلوا القسطنطينية.. أما فى الشرق فقد توسعت رقعة جيوش المغول توسعًا مضطردًا..

 

وفى خضم هذه الفوضى الضاربة التى انتشرت فيها الكراهية والتعصب الدينى والفرقة بين أبناء الوطن الواحد.. وبدلًا من أن يهيم المتعصبون المتدينون فى حب الله.. يخوضون حربًا ضد نفوسهم.. اختاروا أن يحاربوا غيرهم من البشر مولدين بذلك موجات من الخوف والرعب.. فى خضم تلك الاضطرابات الضارية جاء مولانا الرومى برسالة حب.. ما زالت تشبع العقول وتروى القلوب والأرواح فهى نداء دائم ودعوة مستمرة إلى السعادة والجمال من الماضى إلى الحاضر.. ومن الحاضر إلى المستقبل وهو القائل:

 

«الحب هو السبب.. الحب هو الهدف.. لا أنا بالمسيحى ولا باليهودى ولا بالمسلم ولا بالهندوسى أو البوذى أو الصوفى أو الصيني.. ولا من أى دين أو نظام ثقافي.. لست شرقيًا ولا غربيًا.. مكانى اللا مكان.. علامة العلامات.. إننى لست بالشرقى ولا الغربى بل أنتمى إلى مملكة الحب.. إلى المحبوب..