
أسامة سلامة
تأديب وتهذيب وإصلاح خارج السجون
منذ شهور، أصبحت قاضية لبنانية حديث وسائل الإعلام العربية والعالمية، بسبب حكم أصدرته بحق ثلاثة مراهقين، وكان فريدا من نوعه ويتميز بالشجاعة والابتكار، والحكاية أن ثلاثة شباب لبنانيين مسلمين أحيلوا للمحكمة بتهمة ازدراء المسيحية، فحكمت عليهم بحفظ سورة مريم وتسميعها أمام المحكمة، وعلمتهم أن القرآن احتفى بالعذراء أطهر نساء الأرض، والمثير أن القاضية تدين بالمسيحية، ولكنها بحكمها الرائع زرعت داخل المراهقين الثلاثة المحبة والتسامح، وحافظت على مستقبلهم بدلا من سجنهم مع المجرمين، حيث كان من الممكن أن يتعلموا منهم الإجرام وطرقه وأساليبه ويخرجوا بعد العقوبة وقد تشبعوا بالعنف والشر، القاضية الرائعة أنقذت الشبان من مصير مظلم وعلمتهم وربتهم من جديد وطبقت المقولة الشهيرة «السجن تهذيب وتأديب وإصلاح» دون أن يدخلوا الزنزانة، وحافظت لوطنها على شباب كان الاحتمال الأكبر لو طبقت عليهم الأحكام التقليدية أن يصبحوا مشروع مجرمين، أو تزداد كراهيتهم للمسيحية وقد يصلوا إلى التطرف والإرهاب، تذكرت هذه الحكاية عندما قرأت خبر القبض على الطالبة الجامعية حنين حسام التى أثارت جدلا كبيرا بالفيديوهات التى بثتها على مواقع التواصل الاجتماعى من خلال تطبيقات «تيك توك» و«لايكى»، حيث تم اتهامها ببث فيديو يحرض على الفسق والفجور، وحسب ما نشر فإن «حنين» ظهرت فى فيديو من منزلها، ودعت الفتيات إلى العمل من المنزل، بعائد مادى يصل إلى مئات الدولارات، قائلة: «أنا عارفة أن فى ناس كثيرة قاعدة فى البيت وأشغالها اتعطلت.. علشان كده أنا عملت وكالة على لايكى، الجروب هيكون بنات بس.. وتطلب من متابعيها وخاصة الفتيات عمل فيديو لايف على تطبيق لايكى مقابل أموال كثيرة مع الالتزام بملابس غير خليعة».
فى الحقيقة لا أدرى إن كانت الطالبة بكلية الآثار قد ارتكبت جريمة التحريض على الفجور أم لا وهو ما سيتضح من خلال تحقيقات النيابة معها؟، ولكننى أتساءل إذا كانت مذنبة بالفعل هل يمكن أن تفعل النيابة العامة والقضاء فى مصر مثلما فعلت القاضية اللبنانية، وبدلا من تطبيق مواد قانون العقوبات والحكم بسجن الفتاة - إذا كانت مدانة بالفعل - يتم توقيع عقوبات أخرى عليها، وهل يمكن لجامعة القاهرة التى قرر رئيسها إحالتها للتحقيق فى اتهامات قد تصل عقوبتها للفصل من الدراسة أن يقتدى بالقاضية اللبنانية الرحيمة والحكيمة وأن ينقذ الطالبة من الطريق المظلم إذا تم فصلها ووجدت نفسها فى الشارع وقد ضاع مستقبلها، نفس الأمر ينطبق على المراهقين الذين تم القبض عليهم وحبسهم على ذمة قضية ازدراء أديان بعد ظهورهم فى فيديو وهم يؤدون الصلاة بطريقة غير لائقة، أعتقد أننا نحتاج إلى ابتكار عقوبات جديدة قد تكون أكثر حسما ورحمة من الحبس والغرامة فى مواجهة الشباب، ممن يقومون بمخالفة القوانين عبر هذه الظواهر، ويمكن من خلالها إعادة تأهيلهم وتربيتهم بدلا من إضاعة مستقبلهم، «حنين» والمراهقون الآخرون إذا تم حبسهم، هل سيكونون نافعين لوطنهم ومجتمعهم وإضافة له أم عبئا عليه؟ لماذا لا نفكر فى عقوبات غير تقليدية؟، مثلا: هل يمكن الحكم على الشباب والمراهقين الصغار بإلزامهم بعمل عام أو خدمى مثل التطوع لعدة ساعات فى مقار جمعيات خيرية متخصصة فى إيواء المتشردين أو فى الملاجئ، أو تنظيف الشوارع والمدارس والمستشفيات لفترة محددة، أو العمل فى الخدمات الطبية، حيث نحتاج الآن كثير من المتطوعين فى هذا المجال، مع تكليفهم بعمل أبحاث ودراسات عن الأخلاق والقيم، قد يكون هذا الاقتراح غير مقبول لدى البعض أو من الصعب تنفيذه بسبب عراقيل قانونية، لكنه قابل للنقاش والتطوير لمن يريد الإصلاح والتصدى للظواهر المؤسفة وإنقاذ من يخطئ من الشباب والمراهقين بدلا إلقائهم فى الجحيم.