
أسامة سلامة
عاشق مصر والعروبة.. وداعا
ارتبط فاروق أبو عيسى بمصر منذ جاءها قادما من السودان بعد ثورة يوليو 1952، حيث التحق بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية والتى تخرج منها عام 1957، ومن وقتها ظلت مصر فى وجدانه، آمن بالثورة المصرية وبالتوجهات القومية، وظل مدافعا عنها حتى آخر يوم فى حياته، عاد أبو عيسى إلى السودان بعد حصوله على ليسانس الحقوق، ولكن ظلت مصر وطنه الثانى، وكأنه يعرف أن قدره ارتبط بها. انضم أبو عيسى فى عام 1950 للحزب الشيوعى السودانى، ومنه بدأ رحلته السياسية حيث شارك فى أنشطته المختلفة وناضل ضد الاستعمار البريطانى، وتعرض بسبب ذلك لكثير من العنت، تم فصله من المدرسة الثانوية ومنع من دخول الامتحانات قبل أن يتمكن من إعادة قيده والنجاح فى بمجموع يؤهله للالتحاق بكلية الطب ولكنه فضل دراسة القانون بمصر، واستمر فى العمل السياسى لسنوات حتى شارك فى حكومة مايو التى جاءت بعد الانقلاب العسكرى الذى قاده جعفر نميرى عام 1969 بالتحالف مع قوى اليسار المكونة من الحزب الشيوعى السودانى والقوميين العرب، وتولى خلال تلك الفترة وزارة الخارجية، ولكن تقلبات السياسة أبعدته عن المناصب، وفى عام 1983 استقر فى مصر بعد أن انتخب أمين عام اتحاد المحامين العرب، وهنا تجلى حبه لمصر، فساهم مع نقيب المحامين المصريين وقتها الراحل أحمد الخواجة والذى كان رئيسا لاتحاد المحامين العرب فى تقريب العلاقات المصرية العربية، خاصة مع سوريا والعراق، فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، وكانت العلاقات مع هذه الدول انقطعت بعد زيارة الرئيس السادات لإسرائيل وتوقيعه معاهدة كامب ديفيد، وعندما جاء الرئيس مبارك للحكم بدأت محاولات لعودة العلاقات المصرية العربية، وكان اتحاد المحامين العرب أحد الأبواب والوسائل لتبادل الرسائل بين الرؤساء العرب، مما ساهم بقوة فى عودة هذه العلاقات. جعل أبو عيسى من الاتحاد منبرا للدفاع عن الحقوق العربية فى مواجهة إسرائيل فى كثير من المحافل الدولية المعنية بالقانون، وكان أحد نوافذ الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات لمخاطبة العالم، كما تبنى أبو عيسى من خلال اتحاد المحامين العرب الدفاع عن حقوق الإنسان العربى ضد القمع والاضطهاد، فأصبح الاتحاد ملاذا لكل المضطهدين فى الوطن العربي، وكان سباقا فى هذا المجال حتى انه اتخذ قرارا باستضافة المنظمة العربية لحقوق الإنسان فى مقر الاتحاد، ودعمها وتولى الإنفاق عليها من ميزانيته، وهى المنظمة التى أصبحت رائدة حركة حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، كما أن اتحاد المحامين العرب كان أول مؤسسة عربية تستضيف المناضل المعروف نيلسون منديلا فى اجتماع للمكتب الدائم له، وظل الاتحاد شعلة نشاط حتى تركه أبو عيسى عام 2003 فخفتت أنواره وبهت دوره القومى والعربى، ولعل من أهم المواقف التى سيذكرها التاريخ للمناضل السودانى هو معارضته للإخوان فى السودان، حيث كان من أوائل السياسيين الذين نبهوا أن انقلاب البشير الذى قام به عام 1989 هو لصالح جماعة الإخوان، ولم يلين لحظه فى مقاومة نظام البشير حتى إنه تم اعتقاله عدة مرات، مما جعله يترك السودان لسنوات طويلة، ولكنه فى الأعوام الأخيرة استقر فى السودان وشهد ثورتها ضد الدكتاتورية الحاكمة، ولم يرحل عن الحياة إلا بعد أن تحقق حلمه ورأى البشير فى السجن الذى أودع فيه من قبل، رحم الله أبو عيسى بقدر ما أعطى لوطنه وللأمة العربية وبقدر حبه لمصر.