
أسامة سلامة
المتهم الأول فى قضية عبدالله رشدى
لم يكن ما قاله عبدالله رشدى فى حق الدكتور مجدى يعقوب مفاجأة، والمتابع له ولغيره من ذات التيار يعرف آراءه جيدا، ويدرك أنه وأتباعه وقادته ومن والاهم يكفرون المسيحيين، وأنهم ينتظرون أى مناسبة ليعلنوا عن أفكارهم المسمومة المغلفة برداء الدين والإسلام منها براء، مثلا فى كل عيد مسيحى تظهر الأقاويل الشهيرة بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وترد عليهم دار الإفتاء مفندة كلامهم وداعية المسلمين إلى تهنئة المسيحيين، وأؤكد أن أقوالهم مجرد كلام وليست فتاوى، لأن الأخيرة تصدر من جهات محددة مثل الأزهر ودار الإفتاء ومن أشخاص لهم اعتبارهم ووضعهم العلمى، وظنى أن هدف رشدى وتياره من تكرار كلامهم هو الإعلان عن أنفسهم، والتأكيد على أنهم ما زالوا موجودين على الساحة بعد التصدى لهم من قبل العديد من العلماء المعتبرين وكشف زيف أفكارهم، ولأن وسائل الإعلام تنشر أخبارهم وكلامهم كما تنشر الرد على آرائهم القبيحة فإنهم دوما يتربصون بالمناسبات المسيحية أو التى بطلها مسيحى ليظهروا إلى النور ويخرجوا من كهوفهم، فى هذه المرة انتهز رشدى فرصة تكريم الدكتور مجدى يعقوب فى الإمارات وقال كلاما يكفره فيه، ورغم أنه لم يذكره بالاسم وكأنه يستعمل مبدأ التقية ربما لأنه يعرف أنه سيسأل عن كلامه، إلا أن ما صرح به يفهم منه ودون أدنى احتمال آخر أن المقصود به هو الطبيب العالمى، حيث قال تزامنا مع تكريم يعقوب: «العمل الدنيوى ما دام ليس صادرا عن الإيمان بالله ورسوله فقيمته دنيوية بحتة، تستحق الشكر والثناء والتبجيل منا نحن البشر فى الدنيا فقط، لكنه لا وزن له يوم القيامة»، وأضاف: «وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً»، ومن السفاهة أن تطلب شهادة بقبول عملك فى الآخرة من دين لا تؤمن به أصلا فى الدنيا، وحسنا أن دار الإفتاء ردت على هذا الكلام ووصفت يعقوب بصاحب السعادة، وذكرت عبر صفحتها الرسمية: «من الطبيعى بالنسبة للمصريين بما حباهم الله من فطرة نقية، أن يتوجهوا إلى الله بالشفاء والرحمة والجنة للدكتور مجدى يعقوب لأنه فى قلوب المصريين يستحق كلَّ خير، والجنة هى أكبر خير يناله الإنسان»، وقالت أيضا: «أهل الفتنة ومثيرو الشغب ومحبو الظهور يدخلون على الخط؛ دون أن يسألهم أحد فيتكلمون بحديث الفتنة عن مصير الدكتور مجدى يعقوب، وكأنَّ الله تعالى وكَّلهم بمصائر خلقه وأعطاهم حق إدخال هذا إلى الجنة وذاك إلى النار».
كما أحسنت وزارة الأوقاف عندما أوقفت رشدى عن الخطابة وأحالته إلى التحقيق، ولكن السؤال الذى يجب البحث فيه كيف خرج أمثال عبد الله رشدى إلى الحياة العامة؟ ومن سمح لهم بالمنابر التى روجوا فيها لأفكارهم وحاولوا من خلالها تخريب عقول البسطاء؟ ومن تركهم لسنوات طويلة يحاولون تجريف الروح المصرية وإحلال البداوة والخشونة والغلظة بدلا من الحضارة والسماحة والمحبة؟ وحتى نجيب على هذه الأسئلة لا بد أن نعرف كيف نشأ عبد الله رشدى وفى اى مناخ وبيئة تعلم؟ رشدى من مواليد 1984 أى أن عمره الآن 36 عاما، وبالتالى قضى كل سنوات التكوين فى ظل مناخ سياسى سمح للتيار التكفيرى بالتمدد فى كل المجالات، ومنحه الأوكسجين الذى يحيا به وأغمض عينيه عن تجاوزاته وأفكاره التكفيرية، بل أنه ساعده وأعطاه مطلق الحرية فى تلقى تمويلات ضخمة ساعدته على التأثير على الفقراء فى الحوارى والقرى فانتشروا فى كل مكان، وأصبحت لهم حضانات ومدارس ومساجد ومستشفيات يبثون من خلالها أفكارهم، وكان من الطبيعى فى ظل هذا المناخ أن يتعلم أمثال رشدى ويتخرجون من الجامعات ويحصلون على وظائف وهم يحملون هذه الأفكار، وإذا كان من المهم محاكمة رشدى على ما قاله فمن الضرورى محاكمة من سمح له وأعطاه الفرصة لتدمير المجتمع لأنه المتهم الأول قبل رشدى وأمثاله.