
طارق مرسي
غراميات أحباب الله
فى منطقة شائكة تحوطها أسلاك من الإيمان.. محفوظة بتقوى الله دخل مؤلف هذا الكتاب «غرام المشايخ» وبإقرار منه بحسن النية لإثبات أن الحب هو شرط الإيمان والإسلام وأن أبطاله المحفورة أسماؤهم فى قلوبنا من الأجلاء الذين عرفوا صحيح الدين قد عاشوا الحب وجربوه وتزوجوا به وآمنوا بأنه هو الحياة لنأخذ منهم الأسوة الحسنة فى الحياة والتدين.
المؤلف والكاتب «أيمن الحكيم» يأخذنا فى رحلة مباركة مع أحباب الله من مشايخ ومقرئين ودعاة ومفسرين وأزهريين ومداحين وصوفية وفتح صفحات مجهولة من قصص الحب والزواج وروايات من غرامهم لإثبات أن الحب أساس الإيمان والحياة فى كتاب غير موجود له مثيل فى بورصة الكتب وهو أحدث الإصدارات المطروحة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2020 الماضى.
إنه درس جديد من هؤلاء لمتحجرى القلوب والعقول الذين ملأوا حياتنا كذبًا وخداعًا ونفاقًا تحت شعارات دينية وفتاوى دموية وأغراض دنيوية والمتاجرين بالدين والدنيا بالقتل والإرهاب وأعداء الحياة.
وفى رصد «بنيوى» يتألف من أكثر من 15 شخصية ينقلنا الكاتب بذكاء من غراميات المشايخ العظام: محمد رفعت ومصطفى إسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد ومحمود الحصرى والبنا والمنشاوى إلى محمد متولى الشعراوى والباقورى وطنطاوى وعلى جمعة وبينهم إبراهيم حامد الراضى ومصطفى محمود إلى كشك والنقشبندى.
يستطلع الكاتب أيمن الحكيم كتابة الوثيقة بمقدمة سماها «دين الحب» وفيها يؤيد أن الحب هو جوهر الدين مستشهدًا بنبى الرحمة «محمد رسول الله» وبأن خاتم الأنبياء جاء لينشر الحب وينثره على الإنسانية، ولم يكن فظًا غليظ القلب وتكذيب ما نسب إلى شريعته من عنف وقسوة وسفك الدماء، وأن على سنة النبى سار الصحابة والمحبون من رجال الله اختار منهم المؤلف من أكابر الأولياء العارفين بالله الملقب بالشيخ الأكبر وهو من مشاهير المتصوفة وهو مولانا محيى الدين بن عربى الذى أعلن عن عشقه لامرأة كتب فيها أجمل قصائد الغزل فى ديوانه الذى يضيف فيه ابنة شيخه «مكين الدين الأصفهانى» التى قابلها فى مكة بأنها بنت عذراء «طفيلة هيفاء تقيد النظر وتزين المحاضر والمُحاضر وتحير المناظر.. ساحرة الطرف عراقية الظُرف».
من ابن عربى إلى «رفاعة الطهطاوى» حامل لواء التنوير إلى العقل المصرى يقول الحكيم: عاش رفاعة حياته وأوقفها على العلم وظل هو الشيخ المعمم حتى وقع فى الحب على أعتاب الخامسة والثلاثين من عمره وكانت الحبيبة التى أصبحت زوجته وأم أولاده هى ابنة خاله بعد تجربة زواج خاطفة وعبثية – على حد وصف الحكيم – وأراد بهذا الزواج رد الجميل لأستاذه وشيخه حسن العطار بعد وفاته، ولم يجد أفضل من الزواج بأرملته ورعايتها وكانت سيدة سورية الأصل.
ويسرد «الحكيم» قصتها مع الطهطاوى بقوله: اتفق معها على أن يظل الزواج سريًا وفى يوم الصباحية أراد أن يعبر لها عن امتنانه وتقديره وكرمه فنثر عليها كيسًا من المال، وهو ما اعتبرته الزوجة إهانة لها لا تغتفر فقد بدا لها هذا التصرف – حسب ما تربت عليه من تقاليد - وكأنه يعتبرها فتاة ليل يعطيها مقابل المتعة فأصرّت على الطلاق منه.
أما المرأة الحلم فى حياة «الرفاعة» فهى ابنة خالته «كريمة الأنصارى» وكان من بين مهرها إقرار مكتوب يتعهد فيه ويلتزم أن يبقى معها وحدها على الزوجية دون غيرها وإذا تزوج أيًا ما كانت تكون بنت خالته بحجة هذا العقد خالصة بالثلاثة.. وظل الشيخ «رفاعة» على العهد والوعد طيلة خمسة وثلاثين عامًا حتى وافاه قضاء الله بعد أن تخطى السبعين عامًا.
ويقول الحكيم: إن تأثير هذا الحب كان كبيرًا على الطهطاوى وكان من أكثر المشايخ انتصارًا للمرأة وحقوقها حسب ما جاء فى كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين».
ومن رفاعة الطهطاوى ينتقل «الحكيم» إلى قصة أخرى بطلها الشيخ على يوسف وصفية السادات ملهمة العشاق وابنة الشيخ عبدالقادر السادات شيخ الطريقة الساداتية الصوفية وعميد واحدة من أعرق عائلات الأشراف فى مصر، والتى خرجت قصتها من وراء الجدران إلى المحاكم والجرائد فى هذا التوقيت وحسبما ذكر الكاتب:
بدأت الحكاية عندما كان يجلس شيخ الطريقة الصوفية فى بيته مترقبًا رؤية هلال رمضان وعندما طال ترقبه طلب من ابنته صفية أن تتصل تليفونيًا بدار جريدة المؤيد أوسع الصحف انتشارًا فى هذا التوقيت لتسألهم عن الرؤية، وبالصدفة يرد عليها الشيخ على يوسف، من المكالمة الأولى تقع فى غرامه ثم توالت المكالمات وتحولت العلاقة إلى غرام حتى ذهب الشيخ يطلبها من والدها ووافق الشيخ السادات وتمت الخطبة، لكن الشيخ السادات ماطل فى تحديد الزفاف طيلة أربع سنوات بينما يتبادل الحبيبان الخطابات الملتهبة، وعندما وصلت الأمور بينه وبين الشيخ السادات إلى طريق مسدود قرر الحبيبان الزواج مهما كان الثمن وصفية فى السابعة والعشرين عامًا أى فى سن الرشد كما يبيح الشرع أن تزوج نفسها.
وعندما فوجئ الأب بزواجهما أصر على تطليق ابنته وحكمت المحكمة لصالحه بدعوى عدم تكافؤ الزوجين اجتماعيًا، وبعد جلسات مطولة تابعها المصريون بشغف ولم ييأس الحبيبان حتى عاد الشيخ السادات لتزويجهما بعقد جديد لصفيته وحبيبته صفية كما وصفها فى خطاباته السرية «صفيتى الحبيبة وحبيبتى صفية»، وفى النهاية قرر الشيخ على يوسف التضحية بالصحافة ومجده السياسى ليعين شيخًا للطريقة الوفائية» من أجل عيون «صفية».
غرام الشيخ رفعت بزينب فى السيدة زينب
ومن الطريقة الساداتية إلى المقرئين الشيخ محمد رفعت وفى حياته حبيبتان اسمهما «زينب» الأولى عقيلة آل بيت النبى وعاش فى رحابها فترة طويلة أما زينب الثانية فهى أم أولاده والتى عاشت معه فى السراء والضراء حتى وفاته بحى السيدة زينب، وكانت زوجته زينب مثالاً للزوجة المتفانية فى خدمة زوجها فى منزل الزوجية الذى كان بطوابقه الثلاثة مزارا للمقربين وزملائه المقربين منه وأهل الفن المقربين على رأسهم محمد عبدالوهاب وليلى مراد والريحانى وكانت زوجته ووش السعد عليه متخصصة فى صنع طواجن البامية بلحم الضأن وجبة قيثارة السماء المفضلة والمقربين منه حتى فاضت روحها فى ليلة القدر وعلى ضوء الشموع دفنت وكأنها كما يقول أحفاده ذاهبة للزفاف من قيثارة السماء بعد 16 عامًا من فراقه فى 14 مايو 1950.
حب مصطفى إسماعيل من النظرة الأولى
أما الشيخ مصطفى إسماعيل صاحب الصوت الذى يتجلى فى 19 مقامًا والذى احتار موسيقار الأجيال من المقامات التى يتنقل منها فى سهولة ويسر وكانت أم كلثوم ترسل له شخصًا لتسجيل وصلات الشيخ فى المناسبات الدينية وكانت تصطحبه معها أثناء تسجيل الأغنيات، وأثناء نفحاته القرآنية فى ذكرى وفاة زعيم الأمة سعد زغلول بالقاهرة ذهب إلى صديق مقرب له فى بيته وفيه لمح فتاة وقع فى حبها من النظرة الأولى وطلب الزواج منها دون أن يعرف اسمها أو ظروفها وكانت فاطمة ابنة السادسة عشر من عمرها وتزوجها خلال أسبوع واحد وكانت وش السعد عليه وأصبح مقرئ الملك والإذاعة المصرية واحتفظ بمكانته بعد ثورة يوليه 1952.
الشيخ مصطفى إسماعيل – كما قال الحكيم فى كتابه – كان زوجًا وأبًا مستنيرًا والحق بناته بمدرسة الأمريكان كوليدج وسمح لهن بممارسة التنس ولم يفرض الحجاب على زوجته وبناته، بل اشترى لهن بيانو. ويفجر ابنه الأكبر عاطف سرا خاصا فى الكتاب بأن والده رفض ختان بناته وكان يرى فى ختان البنات خدعة ليست من الإسلام مستشهدًا بآيات من القرآن الكريم يرى فيها كراهية وتحريم الختان.
نصف الشيخ عبدالباسط الصعيدية بنت 19 سنة
من سرادقات العزاء فى «أرمنت» صار نجما فى سماء التلاوة وفى نفس بلد النشأة الصعيدية فاجأ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد والده وهو فى الـ19 عاما بطلب الزواج فرشحوا له ابنة عمه «رسمية» ورزق منها بثلاث بنات وعندما اقترحوا عليه الزواج بأخرى رفض وترك الصعيد واستقر فى حى السيدة زينب ووصل عدد أبنائه إلى الرقم 11.
عاشق صوت أم كلثوم كان يذهب للأوبرا وهو يرتدى العمامة ويعشق صوت محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش والعندليب عبدالحليم حافظ وكان من كبار مشجعى الزمالك والصديق المقرب لرئيسه الراحل حلمى زامورا، وفى الوقت نفسه كان صديقًا للمايسترو صالح سليم والفريق عبدالمحسن كامل مرتجى رغم عشقه للزمالك.
المنشاوى يجمع زوجتين فى بيت واحد
عندما استمع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لصوت الشيخ محمد صديق المنشاوى فى الإذاعة طلب أن يكون مقرئ أول مناسبة يحضرها، وعندما أبلغه المسئول بالخبر وشرف إعجاب ناصر، رد بكل شموخ «الشرف للرئيس»، واعتذر عن عدم الحضور وعندماعلم «عبدالناصر» برد المنشاوى ازداد إعجابه به ولم يغضب منه، بل أصبح مقرئه فى صلوات العيدين التى كان يحضرها فى مسجد مولانا الحسين.
«الصوت الخاشع» كما أطلق عليه الشيخ الشعراوى والذى تلين له القلوب والجلود معا حسب وصف محمد عبدالوهاب أو «التين البرشومى» كما وصفه الكاتب محمود السعدنى لحلاوة صوته والصوت الباكى كما وصفه عشاقه وأجمل من قرأ سورة طه من مقام «نهاوند» والشاب الصعيدى «السوهاجى» حسب كتاب الحكيم الممتع، تزوج من قريبة له زواجا تقليديا وفى سنوات إمامته فى «أخميم» وقع فى غرام فتاة ابنة أحد الوجهاء وقرر أن يتزوجها ولم يوافق والده صديق المنشاوى إلا بعد أن يتعهد أن يعدل بين زوجتيه.. ثم جاء بزوجته الجديدة فى نفس شقة الزوجة الأولى وعاشا فى وئام.
فى سن العشرين تزوج محمود خليل الحصرى شيخ عموم المقارئ المصرية ورئيس رابطة القراء فى العالم الإسلامى، من سعاد محمد الشربينى شريكة عمره أم أولاده السبعة ومن بينهم «أفراح» الشهيرة بـ«ياسمين الخيام» المطربة المعتزلة.. وكانت «سعاد» هى سيدة المنزل التى تستقبل على مدار اليوم زوار شيخ المقارئ بحى العجوزة لتقديم الطعام «الواجب المعدتى» لكل ضيوفه ولم تكن «ياسمين الخيام» تبالغ حين وصفت مائدة بيتهم «بمائدة الرحمن» بفضل كرم والدها.. وتميزت شريكة عمره رغم مسئولية المطبخ بالصرامة والحزم مع أبنائها ولم يسمح لابنته المعتزلة بالغناء إلا بعد استشارة صديقه الإمام الأكبر عبدالحليم محمود فأفتى له بأن الغناء حلال.. «ولو كره المغرضون» الكارهون للوطن والمتاجرون بالدين عبدة الإرهاب.
بنت 15 قلب الشيخ البنا
قرآن الفجر المشهود كان الشيخ محمود على البنا يشهد له بحسن التلاوة أنه وقت التجلى الذى لم يصل إليه مقرئ قبله أو بعده حتى لقب بأمير التلاوة، الذى أعجب بفتاة «15 عاما» جارة بشبرا وتزوجها رغم رفض عائلتها النسب من خارج الأسرة، وهو ابن الـ21 عامًا.. وصارت الزوجة الصغيرة هى قلب الشيخ البنا وأنجب منها أولاده السبعة رغم صعوبة المهمة تحملت مسئولية تربية الأبناء السبعة ليتفرغ الشيخ للقرآن.
فتنة أم فتحية أجبرت الشعراوى على الزواج
من المشايخ إلى الدعاة ومحمد متولى الشعراوى إمام الدعاة.. صاحب أغرب قصة زواج وهو فى السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية فحسب كتاب «الحكيم» غرام المشايخ، كان الشيخ الشعراوى قد استأجر غرفة مفروشة مع تلميذ من بلدياته من قرية «دقادوس» التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، فى بيت الست أم فتحية بالزقازيق المجاور للمعهد الأزهرى التى طلبت من الشعراوى مساعدة ابنتها «صفاء» فى حل واجب مادة الحساب، وعندما دخل عليه والده غضب وبعد عودته إلى قريته أصر والده على أن يتزوج وبسرعة اختار له والده ابنة خاله.. وهكذا تزوج الشعراوى وهو فى «رابعة ابتدائى» وأنجب منها خمسة أبناء، وتحملت معه مصاعب الحياة حتى تحققت رؤيا والدته بالثراء ورغد العيش بعد العمل بالسعودية مدرسا ثم وزيرا للأوقاف وإماما للدعاة.
فى كتاب «غرام المشايخ» حكايات وروايات طريفة لرموز أخرى منهم الإمام على جمعة صاحب أكبر الفتاوى تعاطفا مع النساء أشهرها لا يجوز للزوج مراقبة «شات» زوجته على الكمبيوتر وهاتفها المحمول. الشيخ على جمعة بعد تخرجه فى كلية التجارة بدأ رحلة البحث عن عروس مناسبة بضغوط أسرية وتقدم لأكثر من 30 فتاة منهن المتعلقة بشخص آخر وأخرى التى لا تريد الارتباط بشخص متدين والثالثة لا تحب خريجى كلية التجارة والرابعة عندما ذهب إليها أخبرته أسرتها بأنها خطبت بالفعل إلى أن قاده القدر لابنة الشيخ الجليل على عبده إسماعيل السيدة «عفاف» وتزوج منها وأنجب 3 بنات.. ومعها استكمل دراسة الدكتوراه والجلوس على كرسى مفتى الديار لعشر سنوات متصلة، ولا ينسى الدكتور على جمعة فضل زوجته النموذج الأمثل للزوجة الصالحة ومشاعر الحب بعد العشرة الطويلة.
الباقورى أحبها طفلة وتزوجها صبية
ومن «جمعة» يعود «الحكيم» فى كتابه للشيخ «أحمد حسن الباقورى» الأزهرى التأثر «الشيخ العاشق» وبدأ غرامه بالنساء بينما هو طالب فى المعهد الأزهرى بأسيوط وكانت «طفلة» ترتدى ملابس قصيرة وشعرها من دون حجاب، وهى ابنة أستاذه بالمعهد ومرت السنوات حتى كبرت وتخرج وتقدم للزواج منها ويختارها شريكة لحياته.
أما الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر الذى تزوج عام 1959 من ابنة عمه وأنجب منها 3 من الأبناء واستعان بها فى تلقى أسئلة النساء وإبلاغهن بالفتاوى ومنهن المعتزلات حنان ترك وشمس البارودى وعفاف شعيب التى سألته عن الميراث الشرعى لزوجة شقيقها الراحل.
شيخ الطريقة الشاذلية الشيخ إبراهيم حامد سلامة الراضى الذى تزوج الفنانة الراحلة مديحة يسرى التى تعرضت لأزمة نفسية قادتها إلى علاجها بالطريقة الصوفية والروحية وهو الشيخ إبراهيم وكان بمثابة الدواء الشافى لها بعد إعجابها بشخصيته والزواج منه.
الشيخ «كشك» أيضًا ضمن قائمة مشايخ الكتاب وهو صاحب الأشرطة الشهيرة وجلساته الدينية وهجومه على مشاهير الفن والرياضة ود. مصطفى محمود والشيخ القرضاوى ومداح الرسول محمد الكحلاوى والشيخ سيد النقشبندى.. وحكايات أخرى فى الحب والزواج يكشف الكاتب أيمن الحكيم روايات عنها فى كتابه الثمين بعيدًا عن أصحاب الفتاوى الشاذة ليؤكد فى النهاية أن الحب هو الحياة بروايات بعضها ينشر لأول مرة فى كتاب فريد من نوعه وهو رسالة حاسمة لـ«دعاة الدم».. وإضافة كبيرة فى الركن الخاص والعائلى لأحباب الله وناشرى الإسلام الوسطى وبعيدًا عن المتطرفين إخوان الشياطين.