
أسامة سلامة
عقوبات مبتكرة
«أنت عايز سمارة اللى ساكن عند كشك القزعة اللى جنب بيت النصرانى فوق شقة أبو طويلة وتحت شقة الست التخينة»، نكتة سخيفة متداولة على الفيس بوك.. ولكنها كاشفة عن حالات التنمر فى الشارع المصرى، وبها كل الأوصاف التى تسخر من مواطنين بسبب لونهم أو ديانتهم أو صفاتهم الجسدية. والمشكلة أن قطاعًا غير قليل منهم يتقبل ذلك من دون غضب، مما يشجع على التنمر ضد غيرهم ممن يرفضونه، كما أن معظم من يطلقون هذه الألقاب لا يعرفون أنهم يتنمرون، بل إن البعض يمارسه ببساطة باعتباره مادة للفكاهة والضحك من دون أن يدرى بالأضرار التى يسببها للمعتدى عليه. ومنذ أيام انتشر فيديو لمجموعة مراهقين وهم يسبون ويسخرون ويعتدون بالضرب على رجل يرتدى زى عامل نظافة فى مدينة طنطا، وخرج رئيس حى أول طنطا بتصريحات ينفى فيها أن المعتدى عليه عامل نظافة أو موظفًا بالحى وأنه متسول أو مريض نفسى، ولم يهتم أحد من المسئولين بقضية الاعتداء على مواطن أيًا كان وضعه، ولم يكلفوا أنفسهم محاولة إيداعه أحد المستشفيات النفسية أو دور الرعاية الاجتماعية.. وانتهت القضية عند هذا التصريح، وعلى العكس من ذلك فإن التنمر من قبل مراهقين مصريين على شاب من جنوب السودان جذب انتباه كل الجهات المعنية، حتى إنه تمت دعوة المجنى عليه لمؤتمر الشباب الذى عقد منذ أيام فى شرم الشيخ، كما تمت إحالة المعتدين للنيابة التى أفرجت عنهم بكفالة بعد أن قام المعتدى عليه بالتنازل عن المحضر. الواقعتان اللتان اختلف الاهتمام بهما - وكذلك مصير أبطالهما - يكشفان أن التنمر والعنصرية يتنامى لدى المراهقين، وأعتقد أن الاهتمام بالتوعية بخطورته وأضراره على المجتمع يبدأ من المدارس والجامعات لخلق جيل جديد واعٍ بهذه الجريمة، بجانب تبنى وسائل الإعلام لهذه القضية وشرح أبعادها المختلفة للمواطنين، كما أن تطبيق القانون قد يكون واحدًا من الحلول الحاسمة، إننى لا أعرف هل القانون يحتوى على نصوص تعاقب على التنمر أم يتم استخدام المواد الخاصة بالاعتداء البدنى واللفظى؟ وفى كل الأحوال نحتاج إلى ابتكار عقوبات جديدة قد تكون أكثر حسمًا من الحبس والغرامة فى مواجهة الظاهرة خاصة بالنسبة للشباب، حتى يتربوا على فكرة تقبل الآخر المختلف معهم، وأتذكر هنا ما فعلته قاضية لبنانية مسيحية عندما أحيل إليها ثلاثة مراهقين مسلمين بتهمة ازدراء المسيحية فحكمت عليهم بحفظ سورة مريم وتسميعها أمام المحكمة، وعلمتهم أن القرآن احتفى بالعذراء أطهر نساء الأرض، وزرعت داخلهم المحبة بدلا من سجنهم مع المجرمين، نحن أحوج إلى مثل هذه العقوبات المبتكرة، مثلًا هل يمكن الحكم على المتنمرين بحفظ جميع آيات القرآن والإنجيل والأحاديث التى تساوى بين الناس ولا تجعل أفضلية لأحد على الآخر إلا بالعمل الصالح، وتكليفهم بعمل دراسات وأبحاث حول العنصرية والتنمر وكيفية مواجهتهما؟ أيضًا من الممكن إلزامهم بعمل عام أو خدمى مثل التطوع لعدة ساعات فى مقار جمعيات خيرية متخصصة فى إيواء المتشردين أو فى الملاجئ، أو تنظيف الشوارع والمدارس لفترة محددة. قد يكون هذا الاقتراح غير مقبول لدى البعض أو من الصعب تنفيذه.. لكنه قابل للنقاش والتطوير لمن يريد الإصلاح والتصدى للظاهرة المؤسفة.