قرية سنباط.. لتوريد الغوازى والراقصات

هدي منصور
ليس غريبا أن يظهر عنتيل ويليه عنتيل آخر، ثم ثالث وبعدهم «عنتيلة» من محافظة الغربية! خصوصا أن بها قرية اسمها «سنباط» اشتهرت بتوريد الراقصات لمصر! هذه ليست مبالغة، فمنذ ستينيات القرن العشرين خرج من هذه القرية الراقصات الشعبيات وراقصات الكباريهات والفنادق، ولهذا السبب فإن ظاهرة «العنتلة» إن جاز التعبير طبيعية جدا فى بلد الراقصات، بل إن هذا البلد يجبر أى رجل أن يصير «عنتيلا»!
ورغم تغير الزمن، فإن مهنة الرقص داخل القرية لم تتوقف، صحيح أن عدد الراقصات اللاتى يخرجن منها ليس كبيرا مثلما كان، ولكن الراقصات لايزلن يميزن القرية حتى وإن كان نشاطهن فى الخفاء.
ولفتت هذه القرية انتباه السينما المصرية، فخرج فيلم سينمائى اسمه «غازية من سنباط» ليجسد واقع القرية التى تنجب الراقصات، رغم أنها أنجبت علامة من علامات الموسيقى الموسيقار الكبير رياض السنباطى.
«روزاليوسف» زارت القرية، للتعرف على تفاصيل وملامح القصة التى ذاع صيتها وربطها البعض بالأحداث الأخلاقية المنتشرة داخل الغربية، وخروج عنتيل وعنتيلة جديدين، وتأكيد أهل الغربية أنهم أصحاب «مزاج» وذلك طبع فيهم.
رحلة الزيارة لقرية سنباط التابعة لمركز زفتى محافظة الغربية كانت التعليقات عليها منذ استقلال السيارة التى تحمل الركاب إليها، فنظرة جميع الموجودين بموقف السيارات لمن يستقل تلك السيارة ليصل للقرية إذا كان رجلا فهو «صاحب مزاج» وإذا كانت سيدة فهى راقصة تعمل فى مجال الرقص أو ذاهبة إلى القرية لامتهان الرقص على يد مدربى الرقص بالقرية وكبار الحرفة، تلك الكلمات أكدها سائق إحدى السيارات التى تذهب للقرية «محمد عيد» الذى أضاف أنه للأسف فهذه هى النظرة الأساسية لزوار القرية، ويقول: فى بعض الأحيان نحاول أن نتوقف عن نقل ركابها، فالقرية معروفة بتاريخها القديم بأنها بالفعل هى المصنع الرئيسى للراقصات، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، لكنهم يحاولون منذ عدة سنوات إخفاءه، وأنا بحكم وظيفتى سائقا أتجول بين المحافظات وأعمل فى محافظة أسوان كثيرا، والجميع هناك يعلم أننى من الغربية، وفى حالة «توصيل» الزبائن إلى بعض الكازينوهات والفنادق الكبرى فى محافظة أسوان تكون المفاجأة الكبرى بتنبيهى من البعض أن الراقصة الأولى فى الفندق أو الكازينو من سنباط، وتنتمى لمحافظة الغربية، وأخذت شهرة كبيرة داخل المحافظة، وبالفعل خرجت راقصات مشهورات من سنباط منذ عدة سنوات ليشتهرن فى المحافظات السياحية مثل أسوان وشرم الشيخ والغردقة، إلا أن الانتماء واحد وهو محافظة الغربية، والبعض يرفض تلك السمعة غير الحسنة عن المحافظة، وبالفعل ربطها البعض بالأحداث التى تحدث ويتم نشرها فى وسائل الإعلام بأن القرية يخرج منها «عناتيل» مصر، وهى بالفعل المحافظة الأولى فى مصر التى خرج منها 5 عناتيل حتى الآن من بينهم سيدة أعلن عنها إلا أن هناك آخرين عديدين لم يتم الإفصاح عنهم.. إلا أننا نعلمهم جيدا وأهل الغربية يعلمون أن بينهم آخرين لايزالون موجودين لكن لم يتم الإبلاغ عنهم.
تميزت القرية باشتغال البعض فى مهنة تصنيع الطوب! حتى ظهر عليها الثراء فى البنية التحتية ووصل تعداد سكانها إلى أكثر من 20 ألفا و599 نسمة حسب آخر إحصائية عام 2006 للجهاز المركزى للمحاسبات، إلا أن هذا الرقم ازداد إلى الضعف كما قال أهل القرية.
يقول عم «فتحى» صاحب ورشة حدادة: قصة القرية مع الراقصات لها تاريخ طويل، ولكنهن لسن من سنباط فى الأصل، هن أخذن قطعة فى القرية منذ سنوات طويلة وعملن شارعا يمثلهن أطلقن عليه «شارع الغوازى» أو الراقصات، والاسم معروف فى القرية كلها، وذلك الشارع يعيش فيه أكثر من 500 شخص، لأنهم تزوجوا وكونوا عائلات، ويطلق عليهم لقب «الرقاصين»، فى القرية! وحاولوا أن يتداخلوا فى نسيج القرية، ولكن منذ 20 عاما كانوا معروفين بالأسماء، وكان بينهم مشاهير فى وسط الرقص الشرقى، وأخذت القرية شهرة وسمعة بهم، ولم نتخلص من هذه السمعة حتى الآن.
ويقول «محمد. ع» أحد سكان القرية: إن أهل القرية رفضوا سلوك هؤلاء الراقصات فى وقت من الأوقات، خوفا على سمعة البلدة التى أسميت بلد الراقصات، وبالفعل تم طرد البعض منهن، وكبر البعض منهن، ووصلن للعمل فى المحافظات السياحية الشهيرة والمدن المشهورة مثل شرم الشيخ.
عند تجولنا بشارع الغوازى فى القرية، وجدنا بيوته متزاحمة وصغيرة الحجم، وبالسؤال عن كبار الغوازى به دلنا الناس على «شيماء» التى مازالت تعمل فى الرقص والموالد، و«هبة» و«كاميليا» و«هناء» و«لواحظ» غير أن لواحظ هذه كبرت فى السن وتركت المهنة، وعندما ذهبنا إلى بيت «لواحظ» أنكرت تاريخها تماما خوفا على سمعتها وخوفا من أهل القرية الذين يرفضون أن يصبح لقب القرية «قرية الغوازى».
لواحظ رغم إنكارها، فإن بيتها يدل على مهنتها، فهو به جلسة عربى أرضى، لاستضافة الزوار، ووالدتها الكبيرة فى السن تدق الوشم الغجرى على يدها، وبعد إلحاح اعترفت «لواحظ» أن من كان يعمل فى مهنة الرقص رحل خوفا على سمعة الأبناء الذين أصبحوا أطباء ومهندسين، وفى أعلى المناصب على حد قولها!
وتقول «أم محمد» بائعة الخضار فى الشارع: الشارع كله غوازى ومعروفات بالاسم، وأشهرهن «هبة وكاميليا وشيماء»، لكن لا يتحدثن مع أحد، ونحن كسكان للقرية متأكدون أن هناك أكثر من 20 راقصة بينهن، يعملن خارج القرية والمحافظة كلها.
وتوقع بعض أهالى القرية أن الراقصات اللاتى يظهرن فى برنامج «الراقصة» المذاع على قناة «القاهرة والناس» يأتى بعضهن من قرية سنباط.
التقينا بأحد مثقفى القرية، ورفض ذكر اسمه، خوفا على سمعته، فقال: قرية سنباط مشهورة منذ عام 1950 بأنها بلد الراقصات والغوازى، وبها أيضا مؤلفون شعبيون ومطربون، وكانوا معروفين بأنهم أصحاب الليالى الملاح، وكانت القرية تفخر بالبعض من الراقصات مثل «عواطف» الشهيرة فى الستينيات، وظهرت فى بعض الأعمال السينمائية، ولكنها تركت الرقص بعد أن ذاع صيتها ومجدها!
وأضاف المثقف: من العجيب أن الراقصة التى تنجب ذكورا يطلقها زوجها فورا، لأنه يعتبر أن إنجاب البنات هو الأكثر فائدة له، لأنهن سيشتغلن فى مهنة الرقص بالوراثة!
وهناك راقصة شهيرة تدعى أم السعد، رقصت فى فرح الملك فاروق ثلاثة أيام بجوار القصر الملكى، ومعها مجموعة من الراقصات.
يذكر أن السينما أنتجت فى عام 1967 فيلم «غازية من سنباط» وهو تجسيد للواقع، لأن قصته تدور حول فتاة تدعى سلوى تمردت على أهلها الذين يعملون غوازى فى قرية سنباط، بمركز زفتى، وأرادوا أن يزوجوها لرجل ثرى كبير فى السن، فهربت منهم إلى القاهرة، والتحقت بفرقة فنية، ويشرح الفيلم تفاصيل حياة الراقصات فى سنباط.
الفيلم إخراج السيد زيادة، والمخرج المساعد محمد عبدالفتاح وتأليف حسن نشأت وبطولة الفنانة شريفة فاضل ونوال الصغير وسعاد قناوى وأحمد صادق وإبراهيم قدرى وأمين الهنيدى وآمال رمزى وإبراهيم عرايس.∎