
أسامة سلامة
حتى لا «نطفح» الكوتة
لا أشك فى الدوافع النبيلة لدى معظم من يطالبون بكوتة للأقباط فى البرلمان، وهؤلاء لهم وجهة نظرة معتبرة وتحمل الكثير من الأفكار الطيبة، ولكن الطريق إلى جهنم أحيانا يكون مفروشا بالنوايا الحسنة.
يستند المطالبون بالكوتة إلى تخوف مبرر، وهو أنه من الصعب فى ظل الاستقطاب الدينى الذى مازال موجودا فى الشارع المصرى بدرجة أو بأخرى، أن يفوز عدد مناسب من المسيحيين بمقاعد فى مجلس الشعب، خاصة لو أجريت الانتخابات بالنظام الفردى، حيث أثبتت التجارب فى الانتخابات السابقة والمماثلة على مدى دورات عديدة صعوبة فوز المسيحيين بمقاعد برلمانية تتناسب مع عددهم فى المجتمع، إذ نجح قبطى واحد فى برلمان ,1990 ولم ينجح أحد فى انتخابات ,1995 وثلاثة فى مجلس ,2000 وواحد عام ,2005 وثلاثة فى آخر برلمان فى عهد مبارك سنة,2010 هذه الأرقام تؤكد أن تمثيل الأقباط بنسبة عادلة فى البرلمان يكاد يكون مستحيلا الآن، بل إن نظام القوائم والذى من المفترض يحل مشكلة الأقباط والمرأة والشباب فى الفوز بمقاعد برلمانية لم يحل أيضا المشكلة إلا بنسبة بسيطة للغاية وغير مرضية ولا عادلة، إذ إن عدد المسيحيين فى البرلمانات التى أجريت انتخاباتها بنظام القوائم كان صغيرا أيضا ففى مجلس 1984 لم يزد العدد على أربعة، وفى انتخابات 1987 نجح ستة أقباط، وتكرر نفس الرقم آخر برلمان بعد ثورة يناير والذى تم حله بعد ثورة 30 يونيو، من هذا المنطلق فإن الذين يطالبون بالكوتة لا يجدون حلا بديلا للمشكلة المستعصية، وبعضهم يقول بأنه يمكن أن تكون الكوتة لدورة أو دورتين حتى تترسخ الديمقراطية فى المجتمع، ويتقلص حجم الاستقطاب الدينى وينتهى تأثير الشعارات الدينية التى يتم رفعها بشكل مباشر أو غير مباشر على الناخبين، وأيضا تقوى الأحزاب السياسية فى الشارع وتصل إلى المواطنين فى القرى والنجوع ثم تلغى الكوتة، بعد أن يصبح اختيار الناخب على أساس برامج الأحزاب وليس الأشخاص، ورغم وجاهة هذه الآراء إلا أن مخاطر الكوتة أكبر من مكاسبها، فهى تحول المسيحيين من شركاء فى الوطن إلى أقلية، كما أن المرشحين من خلال الكوتة سيكون الهم الأكبر لمعظمهم هو إرضاء الناخبين الأقباط - رغم مشاركة المسلمين فى انتخابهم - وستكون القضايا القبطية هى الشاغل الأساسى لهم، مما يعمق الطائفية فى المجتمع، بل إننى أخشى أن يكون تناول بعضهم للقضايا العامة من منظور دينى ضيق، من أجل تحقيق شعبية لهم بين عوام المسيحيين تساعدهم على الاحتفاظ بالمقعد فى أى انتخابات تقام بنظام الكوتة، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى الاستقطاب الدينى الذى نحاول التخلص منه حاليا، أيضا من مخاطر الكوتة أنها تؤدى إلى الانقسام فى المجتمع، فعلى غرار المسيحيين ستتصاعد مطالب فئات أخرى بكوتة مماثلة، مثل المرأة والشباب والفلاحين والعمال والنوبة، وهكذا ينقسم المجلس إلى كوتات، والمجتمع إلى أقليات وفئات وطوائف، ولكن الأخطر فى قضية الكوتة هو تأثيرها السلبى على التصويت فى الانتخابات، وفى الاستفتاء على الدستور، إذ إن التيارات المتطرفة ستستغل الكوتة أسوأ استغلال، وستستخدم آلتها الإعلامية لتشويه الدستور، والدعوة لرفضه بحجة أنه أعطى مزايا للمسيحيين، وأنه دستور نصرانى وضعه العلمانيون والكنيسة، وإذا مر الاستفتاء بسلام وتمت الموافقة على الدستور، فستأتى معركة الانتخابات البرلمانية وستحدث الدعاية الدينية تأثيرها، وأنه يجب أن ننتخب الإسلاميين لمواجهة المسيحيين الذين ضمنوا مقاعدهم بالكوتة، وهكذا سنجد ناخبين يعطون أصواتهم تحت تأثير هذه الدعاية للأكثر تطرفا، وبالتالى نجد أننا خلقنا برلمانا لا يقل سوءا عن المجلس الذى تم حله بعد ثورة يوليو، ونعود ليس لنقطة الصفر، ولكن لما هو أسوأ منها، وهكذا وبدلا من أن نكون قد حللنا المشكلة بالكوتة نكون قد طفحنا (الكوتة) وهو تعبير شعبى عن شدة الشقاء والقهر.