
أسامة سلامة
مادة تكفير مصر فى الدستور
.. ومازالت المادة 219 من دستور الإخوان المعطل محل خلاف داخل لجنة الخمسين، يحارب السلفيون ومن والاهم من القوى الإسلامية على إبقائها، وتصر القوى المدنية على عدم وجودها، السلفيون يقولون إن إلغاءها يمثل اعتداء على هوية الدولة التى يجب الحفاظ عليها، ولكن هؤلاء لم يسألوا أنفسهم لماذا زادت حالات الإلحاد بين الشباب المصرى خلال العام الذى وجدت فيه هذه المادة فى الدستور؟ وهل أصبح المصريون أقل إيمانا بعد تعطيل العمل بدستور الإخوان بعد ثورة 30 يونيو؟
وهل تغيرت هوية مصر فلم تصبح دولة يدين غالبية شعبها بالإسلام؟ وأن المساجد أصبحت خاوية لا يؤمها المصلون؟ ولم يذهب أحد من المصريين لأداء فريضة الحج هذا العام؟ يتجاهل المتمسكون بهذه المادة أن مصر كانت قبلها تعبر عن الإسلام السمح، وستظل على هذا المنهج سواء تم الإبقاء عليها فى الدستور الجديد أو تم إلغاؤها، لقد ظلت مصر منذ دخول الإسلام رائدة فى مجال التجديد الدينى، وكانت دائما لها دورها فى تحديث العلوم الدينية والشرعية، حتى إن إحدى قراءات القرآن السبع تسمى على اسم قارئ مصرى يدعى (ورش)، كما كانت مستقرا ومقاما لكثير من الفقهاء مثل الإمام الشافعى صاحب المذهب المعروف، والإمام الليث بن سعد والذى كاد أن يصبح صاحب المذهب الخامس بعد المذاهب الأربعة المعروفة، وكان الأزهر دائما منذ إنشائه منارة تضىء الطريق لطالبى العلوم الدينية من كل الدول، باعتباره أهم مدرسة فى هذا المجال فى العالم، أما مكانة شيخ الأزهر فهى لا تقل عن وضع وقيمة بابا الفاتيكان، فهو الشخصية الأسمى فى العالم الإسلامى كله، بل إن خريج الأزهر فى عدد غير قليل من البلدان له وضع مميز باعتباره حاملا شهادة من أكبر جامعة دينية إسلامية فى العالم، وفى كثير من الدول الأفريقية والآسيوية يتباركون بمبعوث الأزهر لديهم ويظل محل تبجيل طوال فترة إقامته هناك، لقد اشتهرت القاهرة بأنها مدينة الألف مئذنة، وأعتقد أنه لا توجد دولة فى العالم بها هذا العدد الكبير من المساجد فلا يكاد يخلو شارع فى أى مدينة مصرية من مسجد أو مصلى، بل إن هناك شوارع صغيرة بها أكثر من مسجد، أما الطرق الصوفية فقد وجدت منزلا لها فى مصر فانتشرت وتعددت ولا تخلو قرية مصرية من مجموعات تنضوى تحت إحداها وتتقرب إلى الله بالأدعية والأذكار وقراءة الأوراد، وعلى طول الطرق فى الصعيد والوجه البحرى تظهر قباب أضرحة أولياء الله - والتى لا يكاد أحد يعرف عددها بالتحديد بسبب كثرتها، كان كل هذا موجودا قبل اختراع هذه المادة ووضعها فى الدستور، فهل كانت مصر طوال هذه القرون كافرة، وأصبحت ذات هوية إسلامية فقط مع وجود هذه المادة ؟ وأن شعبها لم يكن مسلما إلا عام 2012 مع ظهور الدستور الإخوانى؟ أو أنها أصبحت بسببه أكثر إسلاما من ذى قبل؟ لقد زاد عدد الملحدين فى مصر بسبب تصرفات الإخوان وبعض التيارات المتأسلمة، والتى تبتعد عن أخلاق الإسلام الحقيقى، لقد ظل المصريون منذ دخول الإسلام وإلى الآن يعبدون الله، ويقومون بالطقوس الدينية دون تزمت، ويعبرون عن روح الإسلام الحقيقى، الذى أراد المتطرفون تشويهه، وهم يدعون أنهم يدافعون عنه، لقد اتهموا المصريين بإصرارهم على بقاء هذه المادة بأنهم كانوا يعيشون دون هوية إسلامية، ولم يروا فى الإسلام سوى مادة فى الدستور.