
أسامة سلامة
سد إثيوبيا.. بين الإخوان.. والكنيسة!
كثير من الإثيوبيين مازالوا يحملون مشاعر التبجيل للكنيسة المصرية، بل إن عددا غير قليل منهم يعتقدون أن الحج إلى القدس لا يكتمل إلا بزيارة الدير المحرق
سؤال: لماذا لم يستعن الرئيس محمد مرسى بالكنيسة فى أزمة سد إثيوبيا؟!
نحن أمام عدة احتمالات فى ظل عدم وجود إجابة واضحة عن السؤال من مؤسسة الرئاسة.
الاحتمال الأول: أن النظام لا يدرك عمق العلاقة بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، وأن الأخيرة ظلت تابعة للأولى حتى عام 9591 عندما استقلت وأصبح لها بابا خاص بها، ولكن العلاقة الروحية ظلت مستمرة لأن كثيرا من الإثيوبيين مازالوا يعتبرون الكنيسة المصرية هى الأم.. وأنها المدافعة الأولى عن الإيمان الأرثوذكسى.. فهل لا يعرف النظام هذه العلاقة؟ هذا السؤال مردود عليه بأن كثيرين طالبوا بتدخل الكنيسة.. وهناك بالفعل زيارة سيقوم بها البابا تواضروس إلى أديس أبابا وسيناقش خلالها تداعيات الأزمة، ولهذا فإنه من المؤكد أن الرئاسة «إن لم تكن تعلم منذ البداية» فقد عرفت بالعلاقة بين الكنيستين.
الاحتمال الثانى: أن جماعة الإخوان ترفض الاستعانة بالكنيسة حتى لا يصبح للنصارى دور وطنى، ولا جميل يطوقون به عنق النظام الإسلامى.. وحتى لا تخرج أصوات قبطية تطالب بالمواطنة وحقوق المسيحيين وحرية بناء الكنائس.. وأيضا ألا يكون للبابا موقف يتباهى به الأقباط.. أو أن رأس الكنيسة يصبح أحد قيادات الدولة، ولكن هذا الاحتمال مردود عليه بأن الإخوان يمكنهم الاستفادة من الكنيسة دون أن يشعروا بكل هذه الأحاسيس فجلدهم السميك - حسب وصف الرئيس نفسه - يجعلهم يحصلون من رعاياهم على الخدمات ولا يقدمون لهم مزايا مقابلها.
وإذا قام البابا بهذا الدور فهذا واجبه الوطنى وليس له هو والأقباط حقوق توازيه.. ويكفى أن الرئيس وعددا من جماعته تكرموا وقدموا له تهنئة بالعيد رغم أن الفتاوى السلفية تحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم.
الاحتمال الثالث: إن مؤسسة الرئاسة تعتقد أن تأثير الكنيسة المصرية على إثيوبيا ضعيف ولن يأتى بنتيجة جيدة.. فقد استقلت الكنيسة الإثيوبية ولم تعد تابعة للكنيسة المصرية، وأصبح لها بطريرك مستقل.. بعد أن كانت كنيستنا تختار أسقفا لقيادة الإثيوبيين روحيا.. وربما يظن الإخوان أن نظام الحكم فى إثيوبيا الآن علمانى ولا سطوة لرجال الدين عليه.. وأن الأمر حاليا يختلف عن الفترات التى لن يتولى الحكم فيها ملوك مثل هيلاسلاسى.. وهؤلاء كانوا يستمدون شرعيتهم من مباركة رجال الكنيسة لهم.. ولهذا فإن الحكام المصريين استعانوا دائما برجال الدين المسيحى عند الأزمات مع إثيوبيا، فعلها الخديو سعيد عندما أوفد البابا كيرلس الرابع، وكررها الرئيس جمال عبدالناصر عندما استعان بالبابا كيرلس خلال أزمة طرأت مع إثيوبيا.. والمثير أن هيلاسلاسى إمبراطور الحبشة لعب - دون قصد - دورا فى توطيد العلاقة بين الرئيس عبدالناصر والبابا كيرلس السادس.. عندما رأى الرئيس السابق احتفاء هيلاسلاسى وتبجيله للبابا كيرلس عند زيارته لمصر.. وفهم عبدالناصر وقتها أهمية الكنيسة المصرية بالنسبة لإثيوبيا.. وكان هذا أحد أسباب العلاقة الوثيقة بين الرئيس والبابا، والتى تحولت إلى صداقة عميقة امتدت طوال حياة الاثنين.
حقيقة ظل تأثير الكنيسة المصرية على إثيوبيا طويلا، ولكن بعد الانقلاب اليسارى بقيادة منيستو واستيلاء الجيش على حكم إثيوبيا فى السبعينيات من القرن الماضى.. تقلص نفوذ رجال الدين على نظام الحكم هناك.. ولم يعد لديهم نفس الدور السابق.. وربما كان هذا هو السبب فى عدم استعانة د. مرسى بالبابا، ولكن هذا الاحتمال مردود عليه بأن التأثير الدينى يظل موجودا على الإثيوبيين البسطاء وهؤلاء يشكلون عامل ضغط على النظام هناك، وكثير من الإثيوبيين مازالوا يحملون مشاعر التبجيل للكنيسة المصرية، بل إن عددا غير قليل منهم يعتقدون أن الحج إلى القدس لا يكتمل إلا بزيارة الدير المحرق بأسيوط باعتباره المكان الذى عاشت فيه العائلة المقدسة لعدة شهور فى رحلتها الشهيرة من فلسطين إلى مصر.. هربا من بطش الحاكم الرومانى الذى كان يقتل الأطفال، وفى المكان الذى أقيم فيه الدير جاءت البشارة بوفاة الحاكم الظالم وبدأت العائلة رحلة العودة إلى فلسطين.. ولهذا ظل هذا المكان مقدسا لدى المسيحيين وكثير من الرهبان الأحباش، يرغبون فى الرهبنة فى هذا الدير الذى يضم أقدم كنيسة فى العالم.
إذن مازال للكنيسة المصرية نفوذ روحى فى إثيوبيا التى يتجاوز عدد المسيحيين الأرثوذكس بها 04 مليون نسمة يحتفلون بقديس الكنيسة المصرية، ويتعلمون من كتبها وأبحاثها ودراساتها وطقوسها.
الاحتمال الرابع: أن النظام لم يلتفت إلى هذا الأمر خاصة أن العشوائية تحكم وتتحكم فى كثير من تصرفات مؤسسة الرئاسة، وبالتالى فإن ما حدث إهمال وليس جهلا ولا تكبرا ولا يحمل سوء نية، إنه العشوائية التى يتسم بها نظام الحكم الآن وتعلن عن نفسها فى عدد من الأقوال والأعمال، وهو أمر أخطر من كل الاحتمالات السابقة لأنه يؤدى إلى المهالك.
من حقك أن تختار واحدا من هذه الاحتمالات، ومن حقك أن ترفضها كلها، ولكن من حقنا جميعا أن نعرف، لماذا لم تستعن الرئاسة بالكنيسة المصرية فى أزمة سد إثيوبيا؟!