
أسامة سلامة
التطهير .. كلمة سيئة السمعة
فى المعجم اللغوى كلمة «تطهير» تأتى من مصدر الفعل «طهَّر» وتعنى تنظيف الشىء أو الثوب أو الإنسان مما أصابه من النجاسة والقذارة، والتطهير تنقية للنفس وإزالة فساد بإزالة أسبابه .
ولكن الإخوان حوَّلوا هذه الكلمة الجميلة إلى كلمة سيئة السمعة، عندما نسمعها الآن ندرك أن وراءها أغراض خاصة، لا علاقة لها بمصالح الوطن، وأن الهدف منها هو التخلص من أشخاص معينين وإبدالهم بإخوان أو متأخونين أو متعاونين، المهم أن يكون ولاؤهم للجماعة وقادتها ينفذون تعليماتهم ولا يتحركون إلا بأوامرهم،التطهير كان مطلبا فى بداية الثورة، عندما كان نظام مبارك مازال قويا ومتحكما فى مفاصل الدولة وكانت هناك تخوفات من عرقلة المنتمين للنظام السابق للثورة ومسيرتها، وأن يستغلوا مواقعهم فى الإعداد لثورة مضادة، تطيح بالثورة وتعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
كانت المطالب وقتها تستند إلى الشرعية الثورية، وأن هناك مشاركين فى الفساد السياسى لايوجد قانون يجرم ما ارتكبوه ويعاقبهم على ما فعلوه، مما يستلزم وجود محاكم ثورية أسوة بما حدث بعد ثورة يوليو، ولكن الإخوان المسلمين وقتها عرقلوا هذا الاتجاه، وبعد انتخابات مجلس الشعب (الذى تم حله فيما بعد) ورغم حصولهم مع التيارات الإسلامية الأخرى على الأغلبية، لم يتقدموا بمشروع للمحاكمات الثورية ولا قوانين لتطهير المؤسسات من بقايا لنظام السابق، رغم مطالبات القوى الثورية بإصدار هذه القوانين، وعندما شعروا بحاجتهم لإبعاد بعض الشخصيات من انتخابات الرئاسة أصدروا قانون العزل السياسى مفصلا لإبعاد أشخاص بأعينهم من الانتخابات، وهو ما رفضته المحكمة الدستورية، لأنه حرم من تولوا مناصب معينة من الترشح، وليس من ارتكب جرائم فساد سياسى، مما قد يؤدى إلى معاقبة أبرياء على جرائم لم يرتكبوها، ولأن المحكمة الدستورية أفشلت المخطط الإخوانى كان لابد أن يعاقبوها تحت زعم التطهير، فحاصروها بواسطة مجموعة «حازمون» لمنعها من إقرار أى أحكام قبل إصدار الدستور الإخوانى، الذى أعاد تشكيل المحكمة الدستورية ووضع نصا للعزل السياسى، لمن شغلوا مواقع فى الحزب الوطنى المنحل، وليس لمن شاركوا فى الفساد السياسى أو ارتكبوا جريمة تزوير الانتخابات، ولأن الغرض مرض فقد جاءت النصوص ركيكة ومليئة بالثغرات التى أفلت من خلالها معظم الذين أراد الإخوان إبعادهم عن الانتخابات القادمة، وبنفس السلوك المعيب أبعد الرئيس مرسى النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود عن موقعه، رغم أن الإخوان ظلوا يحتفظون به فى منصبه حتى جاء الوقت الذى أرادوا فيه نائبا عاما ينفذ تعليماتهم، ويشارك فى مخططاتهم، فأبعدوا عبدالمجيد تحت زعم التطهير وأتوا بالمستشار طلعت عبدالله بديلا له، ومرة أخرى خذلتهم الأحكام القضائية، وقضت محكمة الاستئناف بعودة عبدالمجيد إلى موقعه الذى أُبعد عنه بطريقة غير قانونية.
ولهذا فإن الدعوة هذه الأيام بتطهير القضاء وراءها أغراض إخوانية، أهمها تنفيذ مخطط أخونة القضاء، بإبعاد القضاء الذين يرفضون الانضواء تحتهم، وتعيين من والأهم فى المناصب القضائية المهمة، ومن هنا أصبحت كلمة التطهير فاسدة، فلا طهارة إذا تمت لأغراض ضد مصلحة الوطن، بل هى الإفساد الذى يجب أن يعاقب عليه مرتكبه.