الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
بناة الإمبراطورية المصرية

بناة الإمبراطورية المصرية


كانت مصر القديمة فى موعد مع القَدَر كى يَمُنَّ عليها بإنجاب مجموعة من أعظم المحاربين الذين بنوا لها مجدَها وارتقوا بشأنها، فقادوا الجيوشَ وتوسعوا جنوبًا حتى منابع النيل وشرقًا حتى حدود العراق، حتى أصبحت فى عهدهم إمبراطورية مترامية الأطراف يمتد خيرُها على كامل محيطها، وكان حتمًا على التاريخ أن يُخلد أسماءهم بحروف من نور.

فى عهد «تحتمس الأول» اتسعتْ حدودُ البلاد من «قرن الأرض» أو منابع النيل جنوبًا حتى العراق التى أطلق المصريون عليها اسم «الماء المعكوسة» شرقًا، وذلك كَوْنُ المصريين رأوا أن ماء نهر الفرات يجرى فى عكس اتجاه ماء النيل، ومن هؤلاء المُلوك العظام أيضًا «تحتمس الثالث» الذى قاد 17 حملة عسكرية فى غرب آسيا


«تحتمس الأول» هو المهندس المعمارى للإمبراطورية المِصْرية العظيمة فى الشرق الأدنَى القديم. تولّى الحُكمَ فى الأربعينيات من عمره. وبدأ عصر إرسال الجيوش إلى خارج الحدود على نطاق واسع؛ وبذلك يكون هو أول من خطا بمصر بخطوات كبيرة فى سبيل تكوين الإمبراطورية، وعمل على بسط نفوذ وسيادة الدولة المصرية إلى أقاصى الشمال والجنوب.
كان «تحتمس الأول» ذا صفات تشهد له بالكفاءة العسكرية والرؤية الاستراتيجية والمَيل الكبير لأعمال البطولة والبسالة فى الحرب ومواصلة كفاح مَن سبقوه من مُلوك مِصْر فى الدفاع عن مِصْر وتوسيع حدودها إلى أقصى ما تسقط عليه أشعة الشمس فى الشرق الأدنى القديم. وكان هذا المَلك ميالًا للتعمير والأعمال السلمية والنهضة بالدولة والدفع بها إلى أقصى غايات التنمية والازدهار.
وغير ثابت تاريخيّا إن كان «تحتمس» ابنًا لأمنحتب الأول من إحدى زوجاته الثانويات «سن سنب»، أمْ كان ابنًا لأحمس الأول من زوجته «أحمس نفرتارى»،أمْ كان أحد أقرباء «أمنحتب الأول» البعيدين. والمؤكد هو استيلاؤه على العرش ثم زواجه من «أحمس» ربما ابنة «أحمس الأول» وأخت «أمنحتب الأول»، أو ربما أخته؛ ليصبغ الشرعية على حُكمه.
بمجرد توليه الحُكم، نقشَ موظفوه مرسوم تتويجه فى وادى حلفا وغيرها من مناطق النوبة. وظهرت «أحمس نفرتارى» فى نقش وادى حلفا وكان لها دور كبير فى توليه الحُكم بعد ابنها «أمنحتب الأول»، ويعكس هذا رضاءَها عنه، وتقديره لها.
وعلى الفور قام المَلك بحملة برّيّة نهرية فى العام الثانى من حُكمه؛ لردع النوبيين بعد أن قاموا بالقلاقل والاضطرابات وتهديد حدوده الجنوبية. وبنَى قلعة هناك، لاتزال آثارُها باقية. وعاد الفرعون عن طريق قناة سنوسرت بعد أن قتل أعداءه فى العام الثالث من حُكمه. وطغت الحضارة المصرية على الحضارة المحلية فى تلك البلاد. وتم تمصير بلاد النوبة. وسيطرت مِصْرُ على النوبة لمدة 500 عام قادمة بلا أدنى قلاقل.
وقام المَلك بالحرب فى سوريا ولم تقابل الجيوش المصرية أى صعوبات فى قادش ووصلت إلى نهارين (دولة ميتانى) بين الفرات والعاصى. ومن العِبَارات الجميلة إطلاق نصوصنا تعبير «النهر ذو المياه المعكوسة» على الفرات؛ لأنه يجرى من شمال جنوب على عكس النيل الذى ينبع جنوبًا ليصب شمالًا. وترك لوحة عند قرقميش، ذاكرًا كيف وصلت حدوده فى آسيا الصغرى إلى ضفة الفرات. وانتصرت مِصْرُ. وعاد جيشُها بطوائف كثيرة من الأسرَى وغنائم الحرب. وقام بحملة على الليبيين وقاتلهم حتى شرّدهم.
«تحتمس الأول» هو الذى مَدَّ حدودَ مِصر من قرن الأرض جنوبًا إلى أطراف المياه المعكوسة شمالًا؛ ليكون بامتياز هو المهندس المعمارى الأول للإمبراطورية المِصرية فى الشرق الأدنى القديم.


«تحتمس الثانى» هو ابن «تحتمس الأول» من زوجته الثانوية «موت نفرت»، وهو الابن الوحيد الذى عاش لأبيه. وتزوج من أخته المَلكة الأشهر «حتشبسوت». ونشأ الخلاف بينه وبينها نظرًا للفارق الكبير بينهما ولسوء حالته الصحية ولضعف شخصيته، ولقوة شخصية «حتشبسوت» وطموحها الكبير، ونتيجة هذا الخلاف انقسمت البلاد إلى حزبين، وسادت الدسائس والمؤامرات. وتَحَيَّنَ النوبيون الفرصةَ وخرجوا عن السيطرة المِصرية من العام الأول من حُكمه.
على الفور أرسل «تحتمس الثانى» جيشًا إلى النوبة ليس بقيادته، فهزم الثوار، وأعاد الأمور إلى نصابها الطبيعى، وتم تسجيل هذا الحدَث على لوحة تذكارية تمت إقامتها بين أسوان وفيلة. وجاء عليها ما يلى: «لمَّا عَلِمَ جلالتُه بذلك، ثار الفهد، وأقسَم أنه لن يترك أىَّ رجُل من أولئك حيّا».
وأغلب الظن أن نشاطات «تحتمس الثانى» امتدت إلى منطقة الجندل الرابع فى بلاد النوبة؛ بسبب وجود اسمه مُسَجَّلًا على صخرة فى منطقة جبل برقل هناك، وربما لا يعنى هذا قيامه بحدَث عسكرى فى تلك المنطقة.
وذَكَر الموظف الشهير «أحمس» ابن «نخبت» فى سيرته الذاتية المعروفة أنه خاض حربًا فى عهد «تحتمس الثانى»، وقام فيها بضرب البدو الشاسو الذين كانوا يعيشون على حدود فلسطين، وكذلك ليس بقيادة المَلك.
فى منطقة الدير البحرى عُثر على نقوش من عهد «تحتمس الثانى» تشير إلى إشارات غامضة لحملات قام بها فى بعض الأماكن فى سوريا. وربما استغلت بعض القبائل المقيمة فى صحراوات مِصر الغربية فرصة الخلاف بين المَلك والمَلكة على عرش البلاد، فقامتْ بالثورة وشق عصا الطاعة، ما دفع المَلك إلى إرسال حملة حربية للسيطرة عليهم، وذلك وفقًا لنص تم تسجيل اسم الفرعون عليه فى واحة الفرافرة فى مواجهة أسيوط فى مِصر الوسطى. وفى المجمل الأعم، لم تكن جهود «تحتمس الثانى» الحربية بنفس القوة والعظمة كسابقيه من مُلوك مِصر  المحاربين العظام الذين قاموا بذلك قبله.
ولا نعرف إن كان «تحتمس الثانى» مات ميتةً طبيعية أمْ لا. وبفحص مومياء هذا المَلك، تبين أنه كان طويلًا، غير قوى البنية، وكان أصلع الرأس، ووسيمًا، ومتأنقًا.
وأنجبتْ له زوجته الرئيسية «حتشبسوت» الأميرتين «نفرو رع ومريت رع حتشبسوت». وتزوج أيضًا «تحتمس الثانى» من زوجات ثانوية مثل «إيزيس» التى أنجبت له، ابنه، فرعون الحرب والتوسعات المَلك الأعظم «تحتمس الثالث» سيد المحاربين وأعظم ملوك مِصر والشرق الأدنى القديم.
«تحتمس الثانى» حلقة وصْل مهمة بين والده «تحتمس الأول» وولده «تحتمس الثالث»، هدية مِصر للعالَم، الذى أعاد لمِصر مجدها الذهبى، والذى أنشأ أعظم وأقوى إمبراطورية فى العالم القديم.


المَلك «تحتمس الثالث»، فرعون المَجد والانتصار وسيد الملوك المحاربين والعسكريين الاستراتيجيين، ومكمل الإمبراطورية المِصرية فى العالم القديم مُتّخِذًا من جَدِّهِ المَلك المؤسس «تحتمس الأول» قدوةً ومَثلًا أعلى.
كان أبوه هو المَلك «تحتمس الثانى» الذى مات وترك الفرعون الذَّكَر وولى العهد الأمير «تحتمس» وحيدًا تحت وصية عَمته وزوجة أبيه المَلك الشهيرة «حتشبسوت» التى داعبها سِحر السُّلطة وأغوتها لذة الحُكم، فاغتصبتْ الحُكم من المَلك الصغير، وأبعدته إلى رحابة الظِّل.
وظَل «تحتمس الثالث» فى الظِّل فترة طويلة إلى أن تم غياب أو إقصاء المَلكة «حتشبسوت» عن المشهَد السياسى فى البلاد، وخرج الأسد من عرينه لتظهر لنا شخصية المَلك «تحتمس الثالث» الأسطورية مسجلًا مجد وفخار مِصر العسكرى المدون بأحرف من نور وإعزاز فى كل كليات وأكاديميات العالم العسكرية.
لقد تزوج «تحتمس الثالث» من أخته غير الشقيقة الأميرة «نفرو رع»، ابنة «حتشبسوت» وأبيه «تحتمس الثانى»، وماتت قبل العام الحادى عشر من حُكمه. وعندما تولى الحُكم، تزوج من «حتشبسوت مريت رع» التى صارت زوجته الأساسية والتى أنجبت له ولى عهده المَلك «أمنحتب الثانى». وبينما كان «تحتمس الثالث» فى الظل، استثمر وقته فى تعلم فنون القتال وأصول الحرب، ما جعل منه قائدًا عسكريّا فذّا قلما يتكرر أو يجود الزمان بمثله فى أرض المعارك.
واستغل البعض من أمراء ممالك بلاد الشام فترة حُكم «حتشبسوت» وانفصلوا عن الإمبراطورية المصرية وعقدوا تحالفات مع مملكة ميتانى القوية. وفى العام الثانى من حُكمه المستقل عن «حتشبسوت» (نحو العام 23 من حكمهما المشترك)، قام المَلك الشجاع «تحتمس الثالث» ببدء حملاته العسكرية فى بلاد الشرق الأدنى القديم. ونعلم عن حملات هذا المَلك الحربية من خلال حولياته التى قام بتسجيلها أحد قواده على جُدران الكرنك. وتذكر الحوليات أن المَلك انتصر فى كل بلد حارب فيه. ولم يَقُم «تحتمس الثالث» بحروبه كى يخلد اسمه فقط، وإنما أيضًا كى يُمَجَّدَ من اسم ربه الأعلى المعبود «آمون رع» سيد طيبة ورب الدولة الحديثة الذى كان يحارب تحت رايته ويجلب خيرات تلك البِلدان إلى معبده وكهنته الذين كانوا يباركون الابن البار بأبيه «آمون رع» المَلك المحارب العظيم «تحتمس الثالث». وكانت الحملة العسكرية عبارة عن خُطَّة رائعة وقوية الإحكام والتنفيذ. فنراه يزحف نحو غزة فى عَشرة أيام ويحتل المدينة ويأخذ طريقه إلى مجدو التى تمردت على حُكمه بقيادة أمير قادش. وكانت هناك مشكلة فى اختيار الطريق المناسب الذى على القوات أن تسلكه إلى مجدو؛ فكان هناك طريقان معتادان غير أن «تحتمس الثالث» اختار الطريق غير المتوقع والضيق والأشد خطورة ووعورة حتى يُحدث المفاجأة للعدو ويقضى عليه. وكان النصر العظيم حليف الفرعون المحارب «تحتمس الثالث» بعد أن حاصر المدينة لمدة سبعة أشهُر.
وكان يخرج على رأس جيشه محاربًا فى سوريا كل صيف لمدة 18 عامًا. وكان يستخدم القوات البحرية المصرية لنقل القوات المصرية إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. واحتل قادش فى العام 42 من حُكمه. ودانت أكثر من 350 مدينة بالولاء لحُكم مِصر فى بلاد الشام. وقام بنحو 17 حملة عسكرية فى غرب آسيا. كما قام بحملات فى بلاد النوبة وأقام بها عددًا من المعابد وساهم فى تمصيرها بشكل كبير. وأطلق عليه عالم الآثار الأمريكى الشهير جيمس هنرى بريستد «نابليون مِصر القديمة»، غير أن هذه التسمية غير موفقة؛ لأن «تحتمس الثالث» لم يُهزَم فى أى معركة قام بها؛ كما أن إمبراطوريته المترامية الأطراف استمرت بعد وفاته فى أسرته لفترة طويلة.
«تحتمس الثالث» فرعون لم تُنجب مِصْرُ الفرعونية مِثلَه على الإطلاق. وكل شىء قام به كان من أجل بلده مِصر العظيمة وأبناء وطنه المصريين العظام، ما جعل منها سيدة العالم القديم حقّا وصدقًا ومن «تحتمس الثالث» أسطورة خالدة نفخر بها إلى يومنا هذا.>