
أسامة سلامة
دور الدين فى «الحركة الشيوعية»!
هل لا بد أن يكون الشيوعى بعيدا عن الأديان؟ أو ليس له علاقة بالمؤسسات الدينية ؟ الإجابة عن هذا السؤال تأتى ضمن صفحات كتاب الباحث والكاتب الكبير سليمان شفيق «المصريون المسيحيون ودورهم فى تأسيس الحركة الشيوعية» والذى صدر منذ أيام عن دار «مجاز »، ولكن قبل الإجابة عن السؤال علينا أن نعرف بدايات الحركة الشيوعية فى مصر والتى يرى شفيق أن الفترة من 1901 وحتى 1919 شهدت نموا ملحوظا للحركة العمالية، وأن البيئة التى شهدت إرهاصات التنوير والصراع الطبقى ونمو الحركة العمالية وفى ظل المناخ الوطنى والطبقى المضطرب كان لابد أن تؤدى إلى بوادر الحركة الاشتراكية، وفى البدء كانت الفابية ورائدها سلامة موسى الذى قضى أربعة أعوام فى انجلترا تأثر فيها بالفكر الفابى ثم ماركس، وموسى هو أول من أصدر كتابا عن الاشتراكية عام 1913، وعن علاقته بالدين يرى شفيق أن موسى كان حائرا بين المفهوم الغربى للعلمانية وتدين المجتمع المصرى مما جعل كتاباته فى الدين مرتبكة إلى حد ما، ولكنه رغم ذلك يؤكد «أن الدين ضرورة لكل أمة ولكل فرد ولا يمكن للإنسان أن يعيش بلا دين» وربما كان هذا الموقف التأسيسى من سلامة موسى للدين هو ما تأثرت به الأجيال من المسيحيين الذين التحقوا بالحركة الشيوعية منذ النشأة فى الحزب الاشتراكى عام 1920 وحتى إعادة إعلان تأسيس الحزب الشيوعى المصرى عام 1975 وحزب التجمع عام 1976، ويعرج شفيق إلى عزيز ميرهم أحد أبرز رواد الاشتراكية الدولية والذى أسس مع محمود عزمى الحزب الديمقراطى المصرى، ويشير شفيق أن موسى وميرهم لم يذكر لهما فى حياتهما كلمة هجوم أو نقد على الدين أو الكنيسة، ويستشهد المؤلف بما قاله د. رفعت السعيد أن موسى كان له أبلغ الأثر فى فكر الشيوعيين والاشتراكيين المسيحيين الأرثوذكس فى علاقتهم بالحركة والدين والكنيسة ،مثل فخرى لبيب وعريان نصيف وأنور عبدالملك وصولا إلى ميلاد حنا ورمزى فهيم وغالى شكرى وأجيال أخرى منها سمير مرقص وسليمان شفيق، وهو موقف فى رأى شفيق يختلف عن المسيحيين الكاثوليك الشوام الذين قدموا إلى مصر أمثال شبلى شميل وفرح انطون وجورجى زيدان الذين كانت لهم رؤية أخرى، وعلى سبيل المثال فإن شبلى شميل كان يرى الاشتراكية طريق حتمى أما الأديان فيحترمها كتراث إنسانى، ويركز هجومه على رجال الدين بالقول «الدين نفسه ليس عقبة فى سبيل العمران بل رجال الدين أنفسهم»، أما فرح انطون والذى اتصل بالاشتراكيين الأمريكيين عندما سافر إلى نيويورك فإنه يرى أن المسيحية تحتاج إلى مدد جديد وخاض معركة ضخمة لفصل الدين عن الدولة والسياسة والتعليم، ويشرح شفيق أننا أمام تيارين مختلفين فى رؤية المسيحيين الشيوعيين المصريين للدين فى مطلع القرن الفائت، الأول قادم من أصول مسيحية كاثوليكية وبروتستانتية من لبنان وأصحابه كانوا متأثرين بالفكر الغربى العلمانى فى الموقف من الدين والثانى تيار جاء من خلفية أرثوذكسية وهؤلاء حسب الدكتور رفعت السعيد -الذى يستشهد به شفيق – من حيث الرؤية الطبقية الاجتماعية ماركسيين ولكنهم فى الرؤية الفلسفية كانوا إما مؤمنين أو محايدين من الموقف من الدين ومنهم من كتب عن المسيحية والكنيسة بانحياز إيجابى مثل أبو سيف يوسف وكتابه المرجعى.
« الأقباط والقومية العربية» وكتابات غالى شكرى وأبرزها فى هذا المجال « الأقباط فى وطن متغير» ويؤكد السعيد «أنه لم يصدر طوال الفترة من 1920 وحتى الآن مقال أو دراسة أو بيان منسوب لشيوعيين مسيحيين أو مسلمين ضد الدين»، ويرجع السعيد ذلك لأسباب عديدة منها «مكانة ودور المكون الدينى والمؤسسات الدينية فى حياة المصريين، كما أن محاولات الشيوعيين المصريين العمل وسط الجماهير وخاصة العمال والفلاحين جعلت موضوع الدين ليس محل جدل حتى إن هناك اشتراكيين مسيحيين كانوا خداما بالكنيسة مثل ميلاد حنا ورمزى فهيم ومن الأجيال الجديدة سمير مرقص»، وإذا كانت علاقة الشيوعيين المصريين بالدين أحد زوايا الكتاب المهمة فإن شفيق يتطرق إلى زوايا أخرى مثل صعود الأقباط بشكل عام إلى المجال العام حيث يرى أن الأقباط لم يندمجوا اندماجا كاملا فى المجرى الرئيسى للحياة السياسية فى مصر إلا مع ميلاد الدولة الحديثة والمجتمع المدنى بدءا من عصر محمد على ووصل الاندماج أقصاه فيما يسمى بالعصر الليبرالى الأول الذى بدأ بثورة 1919 وانتهى بالتحولات التى صاحبت ثورة يوليو، ويؤكد شفيق أن معطيات مرحلة يوليو أفرزت شخصيات قبطية تبنت توجهات قومية اشتراكية فالبابا شنودة لقب ببابا العرب نتيجة مواقفه القومية والوطنية الداعمة للقضية الفلسطينية، وكان وليم سليمان قلادة من أكثر المتحمسين للمشروع القومى العربى، وكذلك ميلاد حنا، مما يعد دلالة على ميل النخبة القبطية إلى مشروع اليسار، ويعرج الكتاب سريعا حول الوضع السياسى للأقباط بعد ثورة يوليو مرورا بعصرى السادات ومبارك وصولا إلى ثورة يناير 2011، ولأن الكتاب يتحدث عن المؤسسين للحركة الشيوعية فقد ركز عليهم أكثر، وأعتقد أن موضوع المسيحيين وعلاقتهم باليسار وتنظيماته المختلفة يحتاج إلى كتاب أكبر وأشمل وهو ما ننتظره مستقبلا من سليمان شفيق .