
أسامة سلامة
ذاكرة مصر الكروية.. عندما تفوق صالح سليم على هيكل
دعانا المهندس إبراهيم المعلم على العشاء فى نادى العاصمة، وكان الحاضرون الأستاذ محمد حسنين هيكل والكابتن صالح سليم وأنا ومعنا زوجاتنا، ولاحظت حالة من التجمع حولنا من العاملين فى المطعم الذين يريدون التقاط صور لهم مع الكابتن صالح، وشعرت أن الأستاذ هيكل اعتراه شعور بنوع من التهميش لم يتعود عليه، وما إن قمنا حتى توجهت للعاملين المتجمعين حول صالح سليم وقلت لهم أن الأستاذ هيكل معنا أيضا، فقالوا بدهشة هل الكابتن عادل هيكل هنا أيضا؟
هنا شعرت بتدهور الموقف، وحرج شديد لدى الكابتن صالح.. وحينها شعرت أن مشاهير الكرة لا يعلو عليهم أحد، وما زلنا نتندر بهذه الواقعة حتى الآن، حيث قالت لى قرينة الكابتن صالح أنه عاد إلى المنزل وهو يشعر بحرج شديد مما حدث.. ولكن هذه هى طبيعة الشباب الذى لا يقرأ ولكنه يشاهد مباريات الكرة.
الواقعة كتبها المثقف الكبير د. مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية فى افتتاحية مجلة «ذاكرة مصر» الصادرة عن المكتبة فى إصدارها الأخير الذى خصصته للحديث عن كرة القدم بمناسبة استضافة مصر للبطولة الأفريقية لكرة القدم.
والحكاية كاشفة لشعبية كرة القدم وهى لا تقلل من مكانة الأستاذ هيكل الكبيرة، إنما تعطى ميزة للكابتن صالح.
كرة القدم لعبة جماهيرية.. ولهذا ترتبط ارتباطًا كبيرًا بالمجتمع وما يحدث فيه من تطورات، وهو ما شرحه د. سامح فوزى رئيس قطاع الإعلام بالمكتبة ورئيس تحرير المجلة بقوله: «الساحرة المستديرة تقدم فصلا مهما من تاريخ المجتمع تختلط فيه التفاعلات الاجتماعية وأحوال الناس وتجليات الفن وتطلعات السلطة».. ويكشف سامح فى مقاله « أن كرة القدم اتسمت منذ فترة مبكرة بمسحة من العولمة حتى قبل أن يشيع المصطلح نفسه فهى تتجاوز الحدود والأطر الثقافية وتسمح بتشكيل مزاج عالمى» والدليل على ما سبق اللاعب محمد صلاح إذ كما يرى سامح «إن الآلاف من الشباب المصرى يشجعون الفريق الإنجليزى الذى يلعب له - ليفربول - رغم أن الأغلبية العظمى منهم لم تذهب إلى إنجلترا ولم تزر مدينة ليفربول فى مشهد تتجلى فيه روح العولمة العابرة للحدود والثقافات».
والواقع أن ما ذكره سامح هو جزء من عولمة كرة القدم.. فالآلاف يشجعون فرقا لا يربطهم بها سوى عشقهم للعبة فنجد مشجعين لفرق ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين ويوفنتوس وميلان الإيطاليين ومانشيستر يونايتد والأرسنال وليفربول وتشيلسى الإنجليزية.. بل الأمر يتجاوز ذلك إلى تشجيع دول مثل البرازيل والأرجنتين وهولندا وفرنسا وغيرها بحثًا عن الاستمتاع باللعبة وهو أمر مقبول فى الرياضة، ولكنه يثير كثيرًا من الأسئلة إذا تعلق نفس الانحياز بالسياسة وقد يتحول الأمر إلى الاتهام بالخيانة، ولكن فى كرة القدم أشياء كثيرة مباحة.
مثلا: هى التعبير الأفضل عن الديمقراطية وتداول السلطة، إذ إن الحصول على البطولات لا يقتصر على فريق واحد وخصوصًا فى المنافسات العالمية.. كما أن المباريات تجرى فى مناخ من الحرية كفيل بحصول كل فريق على حقه إلا ما ندر، بجانب أن الأعضاء فى الأندية المختلفة لديهم فرصة انتخاب المسئولين وإبداء الرأى مما يجعلهم مشاركين فى صناعة القرار.
ولعل تعدد زوايا النظر إلى كرة القدم هو ما دفع مكتبة الإسكندرية إلى تخصيص عدد «ذاكرة مصر» للحديث عنها حيث تجولت صفحاتها فى ذاكرة الكرة المصرية من زوايا مختلفة سياسية وثقافية وفنية وشرحت كيف بدأت كرة القدم فى مصر ودورها فى تنمية الوعى الوطنى.. وهو ما أشار إليه الكاتب المعروف ياسر أيوب عن صراع الفرق المصرية والبريطانية خلال الاحتلال البريطانى لمصر، وكيف كانت انتصارات الفرق المصرية «تعويضا عن حقوق غائبة»، وتعرج المجلة إلى نشأة أهم وأشهر الفرق المصرية مثل الأهلى والزمالك والإسماعيلى والاتحاد السكندرى من دون نسيان أن أول فريق مصرى تم تكوينه هو السكة الحديد الذى يلعب الآن ضمن منافسات دورى المظاليم.
كما تكشف المجلة فى موضوعاتها عن تطور مسابقات الكرة المصرية الدورى والكأس وكذلك مباريات مصر فى المنافسات العالمية حيث كنا أول فريق عربى وأفريقى يشارك فى كأس العالم والأوليمبياد.
ويذكرنا العدد باللاعبين الذين مثلونا فى هذه المحافل العالمية، ولم تنس المجلة علاقة الفنانين بكرة القدم وعشقهم لها مثل أم كلثوم والتى غنت فى حفلات الأهلى ودعمت فريق الاتحاد السكندرى والذى أقام مدرجا باسمها اعترافا بفضلها.
كما تتذكر المجلة الاستادات التى أنشئت فى فترة مبكرة.. وكان الأول فى الإسكندرية باسم فؤاد الأول والثانى فى القاهرة باسم ناصر وتغير الاسمان بعد ذلك إلى الإسكندرية والقاهرة على التوالى.
وهو ما يثبت تأثر كرة القدم بالسياسة وتقلباتها، فهى كما كتب سامح فى مقاله «لأنها لعبة جماهيرية كاسحة انتبه الساسة لأهميتها فهى أداة لاكتساب الشعبية والوصول إلى الجماهير وبناء الشرعية»، هذه هى كرة القدم التى تستخدم أحيانًا سياسيًا، ولكنها فى نفس الوقت تجعل من لاعبيها أشهر من الأدباء والسياسيين مهما علا مقامهم، وهذا ما حدث مع الأستاذ هيكل والكابتن صالح سليم.