
أسامة سلامة
صلاة القتلة
«تحذير.. أحداث الرواية خيالية لأن الواقع فاق الخيال»، بهذه العبارة يصدر الكاتب والباحث روبير الفارس روايته «صلاة القتلة»، وكأنه ينبه القارئ منذ البداية إلى أن الرواية تتضمن وقائع حدثت بالفعل، ولكنها مدهشة إلى درجة أنها لا تصدق، يتجول روبير فى الرواية بين الماضى والعصر الحالى، ليؤكد رؤيته أن تاريخ الكنيسة كان به ما يثير الجدل، ولكن الكنيسة بقيت وستبقى بفضل أبنائها المخلصين والأنقياء، وأن وجود بعض الخطاة والمجرمين لا يلطخ تاريخها ولا يدنس ثوبها الطاهر، وأن الرهبان بشر بينهم الصالح والطالح، وإن كان معظمهم من المؤمنين بالفكرة والمخلصين لها فإن هناك العصاة الذين يتبعون شهواتهم.
ويعرج المؤلف فى روايته من خلال ما جاء فى الكتب التى أرخت للكنيسة إلى سيرة البابا ثافانيوس - البطريرك 60 فى عداد بطاركة الكنيسة - والذى كان حاد الطباع سريع الغضب، وقيل إن ذلك بسبب روح نجس تسلط عليه، فلما استفحل مرضه أراد الأساقفة أن يعالجوه فى القاهرة فحملوه من الإسكندرية فى مركب وفى الطريق مات، واختلف الناس فى موته فقيل إن الأساقفة وضعوا على وجهه مخدة ورقدوا عليها إلى أن مات ورموه فى النيل، وقيل إنه مات مسموما أو مختنقا، ولكن بعض المؤرخين قالوا إنه دفن وخفى حتى لا يظهر جثمانه، وقيل أيضا إنه قتل لأنه أعلن رغبته فى اعتناق الإسلام، ويعرج المؤلف إلى البابا غبريال الثامن ورقمه 97 بين البطاركة، والذى وافق على طلب بابا روما وأذعن لسلطته فى مقابل حماية الأقباط وفى نفس الليلة مات مسموما، كانت هذه الحكايات يرويها أسقف ذو نفوذ بالكنيسة لأحد الرهبان فى إطار إغرائه بقتل الأسقف المنير رئيس الدير الذى ينتمى إليه الراهب، لأنه يكشف ألاعيبهما وخطاياهما ويقف ضد مخططاتهما ويقول له: «سوف تقتل مرة واحدة ولن تكرر تلك الخطيئة، وما هى التوبة سوى الإقلاع عن الخطيئة؟» الأسقف الذى يمازحه الراهب شريكه فى الجرائم ويطلق عليه اسم روميو وهو لقب له دلالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، هو الذى يبسط حمايته على الراهب الفاسد ويغريه بقتل أسقف الدير، ولا يغرك أن روبير يحكى واقعة مماثلة لقتل الأنبا أبيفانيوس والذى يعنى اسمه المنير باللغة القبطية، فهو حذرنا من البداية بأن الخيال أقل قسوة وغرابة من الواقع، ولهذا فإن المؤلف وهو يتناول فى روايته بعض وقائع التاريخ يحكى عن لجوء بعض الأساقفة والباباوات إلى بيع كنوز الفراعنة التى يجدونها فى الكنائس الأثرية من أجل دفع الجزية للحكام الطغاة خاصة فى العصر المملوكى، ويكشف روائيا عن الأسقف الذى كان يتعامل مع ما أسماه بركات الفراعنة ويستخدم فى ذلك شخصا اسمه «كدوانى» كوسيط فى عمليات البيع وعندما يتعرف إلى شخص أجنبى ويتعامل معه مباشرة يغضب «كدوانى» ويطالب بنصيبه ولما رفض الأسقف يهدده كدوانى قائلا: «خلاص نحاسب على الدم»، وبعد أيام معدودة وفى ليلة العيد انطلقت رصاصات قتلت 7 شباب أمام باب المطرانية، لا يأخذك عقلك إلى حادثة مشابهة وقعت منذ سنوات فى الصعيد ولا تقارب الأسماء فقد حذرنا المؤلف منذ البداية.. يمضى روبير فى لعبته الذكية ويمزج الماضى بالحاضر ويحكى عن المسلم الذى دسه السلطان المملوكى بين الرهبان لكى يعرف أسرار الكنيسة وينقلها له، وكيف توغل بينهم حتى كاد أن يرشحوه للبابوية لولا أن عرف سره أحد الرهبان فقتله مستخدما السم فى العصير، ولكن عندما يعود روبير إلى العصر الحالى فإن الراهب قتل الأسقف المنير بضربه على رأسه، ويعترف شريكه بالجريمة بعد أن حاول الانتحار، بينما يحاول الأسقف المحرض إنقاذه عن طريق استخدام السوشيال ميديا وخلق تعاطف مع القاتل من خلال لجانه الإلكترونية، وهنا يستطيع المؤلف أن يقول إن الواقع فاق الخيال فعلا، فلا أحد كان يتخيل أن تحدث جريمة بشعة فى دير أبومقار ويكون ضحيتها رئيسه الأنبا أبيفانيوس والذى يمر عام على استشهاده هذه الأيام، وأن القتلة الذين أدينوا بحكم محكمة من الرهبان.. الرواية تستعصى على التلخيص ولكنها تؤكد أن البشر لا يجب تقديسهم مهما كانت مكانتهم.