
أسامة سلامة
الأطباء من خمسة «عين» إلى خمسة «ميم»
عقب نشر مقالى «أنقذوا الطب المصرى» الأسبوع الماضى، اتصل بى عدد من الأطباء، كل واحد منهم تحدث بمرارة وحزن عن حال الطبيب المصرى، وقال أحدهم لقد سقط الطبيب من قمة المجتمع إلى القاع، وكان لقب دكتور الذى يسبق الاسم يفتح الأبواب أمام صاحبه ويجعله فى وضع مميز علميًا واجتماعيًا وماديًا، ولكنه الآن يضعه فى مكانة متدنية، وقال طبيب آخر ساخرًا مما آل إليه حال الأطباء إن المجتمع كان يحسدهم على مكانتهم ويصفهم بأنه يمتلكون خمسة «عين» (عيادة وعروسة وعربية وعمارة وعزبة)، ولكنه أصبح الآن خمسة «ميم» (مفلس.. مجرم.. مهان .. محروم.. مسافر).
دردشة الأطباء معى كشفت عن تفاصيل الخمسة «ميم»
مفلس: لأن المرتبات ضعيفة للغاية وبدل النبطشيات هزيل والدخل عمومًا لا يفى بمتطلبات الحد الأدنى للمعيشة، وإذا كان البعض يظن أن كل الأطباء يكسبون مثل كبار أطباء فهم واهمون، لأن الأغلبية العظمى لا تستطيع حتى أن تفتح عيادات خاصة، والعمل فى المستشفيات الخاصة والاستثمارية قاصر على فئات محدودة، وأما الأكثرية فليس أمامها لزيادة الدخل إلا العمل بالمستوصفات الطبية الفقيرة التى تستعين بالأطباء حديثى التخرج وتمنحهم مرتبات أو مكافآت زهيدة.
مجرم: لأنه ينظر إليه دائمًا باعتباره جانيًا إذا حدث خطأ طبى، ويتم التحقيق معه ومعاقبته بنصوص قانون العقوبات، وقد يحبس على ذمة التحقيقات مع المجرمين لحين إثبات براءته، والأكثر أنه أحيانًا عندما يحاول إنقاذ المريض من الموت يجد نفسه متهمًا، والنيابة تحقق معه وتحبسه، وهو ما حدث فعليًا مع أحد الأطباء بمستشفى الزقازيق الجامعى والذى اتهم بتربح 200 جنيه بسبب حرصه على إجراء جراحة عاجلة لمريض يعالج على نفقة الدولة، والحكاية المؤلمة أن المنظار بمستشفى جامعة الزقازيق كان به عطل وإذا تم تأجيل إجراء العملية فسيضطر المريض لإجرائها فى مستشفى خاص وستصل التكلفة به إلى 15 ألف جنيه، وكان الحل للتخفيف على أسرة المريض تأجير منظار من شركة طبية ولأن قرار العلاج على نفقة الدولة خصص للمنظار 300 جنيه فقط والشركة اشترطت الحصول على 500 جنيه، فكان لزامًا دفع 200 جنيه المتبقية فطلب الطبيب من أهل المريض دفعها، فقام مرافق المريض بالإبلاغ عنه، واتهمه بالتربح على الرغم من أن الطبيب لم يحصل على جنيه واحد وتقاضت الشركة المبلغ كله بالفعل، وتم حبس الطبيب رهن التحقيق مع المجرمين لأنه أدى واجبه الإنسانى، ومنذ سنوات يحاول الأطباء إصدار قانون المسئولية الطبية، والذى يضع قواعد عادلة وموضوعية لمحاسبتهم على أخطائهم- إن وجدت - كما يحدث فى كل دول العالم المتقدم، ولكن لم يستجب لهم أحد، ومازالوا يعملون وسيف الاتهامات والتحقيقات الجنائية معلقًا على رقبتهم فى اى وقت.
مهان: لأن أهالى المرضى يعتدون عليه بالضرب والسب والشتائم إذا تُوفىّ المريض دون ذنب منه وهو ما يعانى منه أطباء الرعاية والحوادث والاستقبال، ولا يجد الأطباء من يحميهم ويدافع عنهم ويرد لهم كرامتهم المهدرة.
محروم: لأنه لا يستطيع الترقى العلمى وعمل دراسات عليا أو حضور المؤتمرات العلمية، وهنا الحديث عن أطباء وزارات الصحة المتواجدين بالمستشفيات والوحدات الصحية، وكان هناك اتفاق بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة على قيام الأخيرة بتحمل نفقات الدراسات العليا للأطباء وتسهيل الإجراءات لهم بالاتفاق مع كليات الطب، هو ما لم يتم تفعيله.
مسافر أو مهاجر: للأسباب السابقة وغيرها وهو ما جعل هناك أزمة فى الأطباء العاملين بالمستشفيات الحكومية حيث انخفضت أعدادهم بها نتيجة استقالة عدد كبير والسفر للعمل بالخارج، وهجرتهم إلى الدول الأوروبية التى ترحب بالطبيب المصرى مثل بريطانيا وألمانيا.
خلاصة كلام الأطباء معى وهم من فئات عمرية متعددة وإن كان أكثرهم من الشباب - ولم أذكر أسماءهم لأننى لم أستأذنهم فى ذلك - أن الخمسة «ميم» تحاصرهم والأخطر أنها تهدد الطب المصرى وتضع المجتمع كله فى مأزق، وقد نجد فى المستقبل القريب مرضى بلا أطباء.