
أسامة سلامة
.. ولكن آفة ثقافتنا النسيان
مرت أكثر من مناسبة كانت تستحق الاحتفال من وزارة الثقافة ومن المعنيين بالثقافة، ولكن ذاكرتنا الثقافية آفتها النسيان، وعندما أقول أن حارتنا الثقافية بكل مؤسساتها ومثقفيها مريضة بداء النسيان فإننى أعفيها من مرض أشد خطورة وهو التناسى والتجاهل، فالأخير يعنى أن هناك غرضًا وسببًا ما يدفعها لعدم الاحتفاء بالمناسبات المهمة، خاصة ما تكون متعلقة بشخصيات أدبية وثقافية وتاريخية أثرت فى حياتنا ومازالت رغم رحيلها تعيش بيننا، صحيح أن النسيان هو الآخر مرض ولكنه على الأقل لا يعنى أن هناك سبق إصرار على عدم الاحتفال، والنسيان مرض يمكن علاجه بتقوية الذاكرة، أما التناسى والتجاهل فلا علاج له إلا بالبتر وبعد كشف مكمن الداء ومكانه، أقول هذا الكلام بمناسبة مرور أكثر من مناسبة لم يتم تنظيم احتفالات كبيرة لها رغم أهميتها، مثلا ذكرى مرور 120 عامًا على ميلاد الكاتب الكبير والرائد توفيق الحكيم، وكذلك مرور 30 عامًا على فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وأيضا مرور 30 عامًا على افتتاح الأوبرا، قد يقول البعض أن الاحتفال لا يكون إلا فى اليوبيل الفضى (25عاما) أو اليوبيل الذهبى (50 عاما) أو الماسى (75 ) أو قرن (100 عام) على مرور المناسبة، وهو أمر قد يكون صحيحًا لدى البعض ولكن حتى المناسبات التى مر عليها قرن لم نحتف بها بطريقة مناسبة، مثلا فى 15 يناير الماضى جاءت ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبدالناصر المائة، ولكن الاحتفاء بها كان باهتًا ولا يتناسب مع قيمة الرجل وما قدمه وتأثيره ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم العربى والدولى، أيضًا فى 25 ديسمبر المقبل ستحل ذكرى مرور قرن على ميلاد الرئيس الراحل أنور السادات، وحتى الآن لا توجد أية بوادر لاحتفال كبير يتناسب مع دوره الكبير فى حياتنا وسياستنا وفى العالم كله، على أن أيضًا مرور عقود على المناسبات هى فرصة للاحتفاء بها، خاصة وأن مجتمعنا فى حاجة للتذكير بشخصياتنا الكبيرة وأعمالهم وأفكارهم وبعضهم يحتاج إلى إعادة اعتبارهم أمام قطاع من المواطنين تم تشويههم أمامه بسبب سيطرة المتطرفين على الشارع فترة ليست قصيرة كان لها تأثير سلبى مازلنا نعانى منه حتى الآن، بل إن بعض المناسبات تكون فرصة للتواصل مع العالم الغربى وهو أمر نحتاجه حاليًا بشدة، مثلا توفيق الحكيم بجانب أفكاره التنويرية ودوره المهم والريادى فى الرواية والمسرح، فإنه واحد من قادة الاتصال بين الشرق والغرب، وعلاقته بالثقافة الفرنسية وثيقة بعد أن التى أقام فى باريس عدة سنوات وظل عارفًا وعالمًا بالثقافة الغربية عموما والفرنسية خصوصًا ومناديًا بضرورة اتصال ثقافتنا ومجتمعنا بها، لقد كان صاحب عصفور من الشرق صاحب أفكار مهمة كان من الممكن استغلالها فى زيادة الروابط مع فرنسا هذه الأيام، أما نجيب محفوظ والذى تعرض بسبب إبداعاته لمحاولة قتل من قبل المتطرفين والإرهابيين الذين نواجههم الآن فى سيناء، فقد كنا بحاجة الى تذكير البسطاء بجريمة الإرهاب ضده وطرح أفكاره اللامعة من جديد، بجانب توطيد العلاقات مع السويد حيث مقر جائزة نوبل والتى توقفت هذا العام لأسباب أخلاقية مست عددًا من أعضاء لجنتها، أما الأوبرا فهى مناسبة لتعميق الصلات مع اليابان التى كان لها دور بارز ومهم فى بنائها، بجانب تعريف المواطن البسيط بفنونها المختلفة، هذا هو الجانب الرسمى الممثل فى وزارة الثقافة، ولكننى لا أعفى المثقفين والمصابين أيضًا بداء النسيان، وكان يمكنهم تنظيم احتفالات غير رسمية وبعيدًا عن الوزارة فى هذه المناسبات، خاصة وأن للحكيم ومحفوظ وخاصة الأخير حواريين كثر، طالما تحدثوا عنه وباسمه فى كل المحافل الأدبية، ما أتمناه أن تتخلص حارتنا الثقافية من آفة النسيان، خاصة وأن لدينا مناسبات مهمة على الأبواب ويجب الاستعداد لها جيدًا وأهمها ثورة 1919 والتى يمر عليها قرن فى العام القادم وبعد شهور قليلة، فهل يصيبها الداء الذى أصاب غيرها من المناسبات أم تنجو من المرض المزمن فى ثقافتنا.