
أسامة سلامة
التنوع
فى الدقيقة الأخيرة من المباراة أحرزت بلجيكا هدفا فى شباك اليابان حققت به انتصارا مثيرًا، وبعد أن كانت متأخرة بهدفين استطاعت إحراز ثلاثة أهداف متتالية.
واللافت للنظر أن هدفين من الأهداف البلجيكية الثلاثة أحرزهما لاعبان من أصول مغربية عربية هما مروان الفيلالى وناصر الشادلى، كما أنّ اللاعب لوكاكو الذى صنع الهدف الثالث الحاسم من أسرة كنغولية، وهو ما يعنى أن اللاعبين ذوى الأصول غير البلجيكية كان لهم دور حاسم فى انتصارات البلجيك وتأثير كبير فى مواصلة الفريق لمسيرته فى المونديال.
ويكفى أن نعرف أنّ أحد عشر لاعبا من بين 23 فى قائمة المنتخب البلجيكى من جذور غير بلجيكية، هذا التنوع العرقى أفاد منتخب بلجيكا الكروى ومنحها تميزا كبيرا، وهو أمر لا يقتصر على بلجيكا وحدها، فحسب تقرير أعدته ناشيونال جيوجرافيك ونشره موقع «ياللا كورة» فإن 97 لاعبا مهاجرا أو تمتد أصولهم لبلدان أخرى عن طريق الآباء والأجداد ساهموا فى تأهل 25 منتخبا لنهائيات كأس العالم بموسكو من بين 32 فريقا، بل إن هناك دولا تعتمد بشكل كبير على أمثال هؤلاء اللاعبين وأبرزها فرنسا التى يضم منتخبها لاعبين فقط من دماء فرنسية خالصة، فى حين أن لديها 14 لاعبا من أصول إفريقية يتوزعون على 9 دول هى الكونغو الديمقراطية والمغرب ومالى والسنغال والجزائر وغينيا وأنجولا وتوجو والكاميرون.
والأخيرة ينتمى إليها والد أبرز اللاعبين الفرنسيين فى المونديال كليان مبابى الذى أحرز هدفين وتسبب فى ضربة جزاء جاء منها هدف ثالث فى شباك مرمى الأرجنتين، والطريف أن والدته جزائرية تدعى فايزة أى أنه جذوره ليست فرنسية سواء من الأب أو الأم.
ويضم منتخب فرنسا أيضا لاعبين من أصول ترجع إلى دول إسبانيا والفلبين وإحدى جزر أمريكا الوسطى بجانب لاعب والده ألمانى وأمه برتغالية وهو المهاجم الشهير جريزمان، الدنمارك أيضا لها نصيب من تمثيل المهاجرين فى فريقها القومى وأبرزهم يوسف يولسن والذى أحرز هدفا فى بيرو وهو من أب تنزانى وأم دنماركية، وعلى نفس النهج سارت سويسرا والتى شهد فريقها أزمة سياسية بعد أن قام لاعباها جرانت شاكا وشيردان شاكيرى بتحريك أيديهما بطريقة النسر عقب إحرازهما هدفين فى مرمى صربيا فى إشارة إلى النسر الذى يتوسط علم ألبانيا والتى ينتمى آباء اللاعبين إليها، قبل أن تهاجر أسرتاهما إلى سويسرا .
ومن المعروف أن هناك خلافات سياسية وعرقية بين صربيا وألبانيا، وهناك أيضا إنجلترا التى تضم عددًا من اللاعبين من أصول ليست بريطانية مثل دلى ايلى التى تعود أسرته إلى نيجيريا، وبشكل عام فإنه يكاد لا يخلو فريق أوروبى من أصحاب البشرة السمراء المنتمين للقارة السوداء، بجانب جنسيات أخرى فمثلا ألمانيا تضم لاعبين من أسر تركية، كما أن روسيا بها لاعب برازيلى تم تجنيسه منذ خمس سنوات، وأستراليا لعب لها إيرانى كان قد هاجر إليها وهو صغير السن.
دول أوروبا والغرب عموما استفادت من المهاجرين واستطاعت دمجهم فى المجتمع ليس فى الرياضة فقط ولكن فى جميع المجالات، وكثير من الحاصلين على جوائز علمية وأدبية عالمية تمتد أصولهم إلى بلدان غير التى يقيمون فيها ويتمتعون بجنسيتها، بل إن دولة مثل أمريكا قائمة على تجميع المواهب والخبرات والكفاءات من الدول المختلفة، وهو ما ساعدها على التقدم العلمى والتكنولوجى والاقتصادى.. ولأن الدول الغربية لا تقصى أحدا طالما كان لديه الكفاءة المطلوبة فإننا نجد أفارقة ومسلمين يتولون مناصب سياسية كبرى وهذا ما حدث مؤخرا فى بريطانيا والتى تولى وزارة الداخلية فيها مسلم من أصول باكستانية.
والخلاصة أن التنوع فى الجنس والعرق وكذلك فى السياسة والاقتصاد والرياضة والفكر والفن يثرى المجتمعات ويدفعها للنجاح والرقى، إذ يؤدى اللون الواحد إلى الفشل والجمود والتخلف.