
أسامة سلامة
تبرعوا لـ«السرايا الصفرا»!
أما وقد انتهى شهر البر والإحسان، ستغيب مع رحيله إعلانات التبرعات للمستشفيات..أو على الأقل سينخفض عددها ومساحتها بعد أن احتلت شاشات الفضائيات طوال شهر رمضان.. ومن الواجب علينا أن ننظر إلى مستشفيات أخرى غير قادرة على صنع إعلانات عنها؛ لعدم قدرتها المالية، إذ تصل قيمة الإعلان الواحد إلى مبالغ فلكية!
ولأن البعيد عن الإعلام، بعيد عن قلوب المتبرعين.. فإن أحدًا لم يلتفت إلى هذا المستشفى رغم أهميته وخطورة الأمراض التى يعالجها، وكثرة عدد مرضاه.. بل إنه أكثر المستشفيات التى تحتاج إلى التكاتف من أجلها بعد أن زاد عدد المرضى الذين يتولى علاجهم رغم قلة إمكانياته.
عن مستشفى العباسية للأمراض النفسية أتحدث.
وحتى نعرف خطورة الأمر، فإن آخر دراسة أجرتها الأمانة العامة للصحة النفسية، ونشرت منذ فترة وجيزة وكانت على عينة من 22 ألف أسرة، تبين أن واحدًا من كل أربعة (بمعدل ٪25 منهم) مرضى نفسيون بدرجات مختلفة.. بعضهم حالتهم خفيفة وآخرون يحتاجون إلى علاج ورعاية كبيرة.
ومعنى هذا أن رُبع المصريين مصابون بأمراض نفسية أو على شفا حفرة منها، وإذا كان القادرون يستطيعون الذهاب إلى طبيب خاص، فإن الفقراء وهم الأغلبية ليس أمامهم إلا المستشفيات العامة المتخصصة فى الطب النفسى وأشهرها العباسية.
وحسب الإحصائيات الرسمية، فإنَّ المرضى يحتاجون إلى 16600 سرير، ولكن عدد الأسرّّة المتوافرة بهذا المستشفى لا تزيد على 6650 سريرًا فقط!
صحيح أن ليس كل مريض نفسى يحتاج الإقامة فى المستشفى، كما أن القادرين يفضلون المستشفيات الخاصة.. ولكن أسرة هذا المستشفى لا تكفى الفقراء الذين يحاصرهم المرض ولا يقدرون على فيزيتة الأطباء ولا ثمن الأدوية الباهظة، ويكفى أن تذكرة الكشف به جنيه واحد، كما أنه يصرف الأدوية مجانًا لنزلائه.
وما يحفزنى للدعوة للتبرع لهذا المستشفى، هو زيادة أعداد المرضى النفسيين.. وهو ما رصده خبراء الطب النفسى، وأرجعوا هذا الأمر إلى التخبط الذى يعيشه المجتمع، مما زاد من القلق الذى يؤدى إلى التوتر والاكتئاب والفصام والاضطراب الوجدانى.
ومن المتوقع أن تزيد أعداد المرضى النفسيين بسبب ضغوط الحياة التى تتزايد يومًا بعد يوم مثل الغلاء الذى يجعل رب الأسرة غير قادر على الوفاء بمتطلبات أسرته، والبطالة التى تحاصر الشباب، وعدم تكافؤ الفرص فى العمل، والإحباط والعنوسة، والخوف من المستقبل المجهول، وغيرها من العوامل التى تجعل المواطنين عرضة للإصابة بالأمراض النفسية.
وقد يزداد الأمر أيضًا إذا فشل المنتخب القومى فى تحقيق الانتصار فى مبارياته فى كأس العالم!
نحتاج فعلا أن ننظر بعين الرحمة إلى هذا المستشفى الذى أنشئ عام 1883 وكانت مبانيه باللون الأصفر، فأطلق عليه العوام اسم «السرايا الصفرا».. ثم اشتُهر باسم العباسية بسبب وجوده فى هذا الحى العريق.
لقد دعا الكاتب الكبير عاصم حنفى منذ شهور فى الصفحة الأخيرة من مجلة روزاليوسف العقلاء لإنقاذ مستشفى المجانين عندما فكر البعض فى نقل المستشفى إلى مقر آخر تحت دعاوى إنقاذ المرضى الذين ضاق بهم المكان ومن سوء المعاملة التى يلاقونها، وتردد أن هيئة الاستثمار تريد الاستيلاء على أرض المستشفى الذي يقع فى موقع مهم ويمكن استثماره.. وخاصة أن مساحته كبيرة، حيث تبلغ 83 فدانًا، ونحن ندعو معه لحماية المستشفى، وإنقاذ المرضى.
لقد ظلمنا هذا المكان كثيرًا فى الإعلام والسينما والمسرح، وآن الأوان أن نرد له اعتباره، وأن نضعه على خريطة التبرعات.>