
أسامة سلامة
كارثة فى الجامعة
الكارثة فى المعاجم اللغوية تعنى مصيبة عظيمة وخرابًا واسعًا، ونازلة جماعية تحل بعدد كبير من الناس، وما حدث فى جامعة المنوفية كارثة بكل المقاييس، ويزيد من آثارها صمت وزير التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات عليها حتى الآن فرغم خروجها إلى العلن لم نسمع صوتًا أو تعليقًا أو فعلاً يقول للمجتمع نحن مهتمون بمواجهة ما حدث ونحقق فيه بجدية.
فى كلية الحقوق بجامعة المنوفية وجّه الدكتور هشام البدرى رئيس قسم القانون العام اتهامًا إلى عميد الكلية بأنه طلب منه تسريب أسئلة الامتحانات لأبناء أساتذة الكلية، وعندما رفض هدده وضغط عليه، وحسب كلام الدكتور البدرى فإن العميد استخدم صلاحياته فى تغيير موعد اجتماع مجلس الكلية لكى لا يحضره الدكتور الرافض للتسريب وحرمه من وضع الامتحان رغم أنه أستاذ المادة وصاحب الكتاب الذى يتم تدريسه.
الاتهامات لم تقف عند هذا الحد، ولكنها طالت المنظومة التعليمية كلها فى الكلية، حيث قال من يرفض ويعترض يتعرض لكثير من المضايقات والتنكيل من قبل أساتذة الجامعة وعمداء الكليات، وكشف عن مصيبة أخرى وهى لا يوجد طالب فى كلية الحقوق يحصل على الدرجات النهائية خلال سنوات الدراسة الأربع سوى أبناء الأساتذة، ولم يسكت عميد الكلية الدكتور أبوالخير أحمد ووجّه اتهامًا مضادًا للدكتور البدرى بأنه كاذب وقال من السهل إطلاق الاتهامات والقاعدة القانونية تقول البيّنة على من ادعى وعليه إظهار الدليل على صحة كلامه، وكشف هو أيضًا أن الدكتور صاحب الشكوى والاتهامات جاء بابنه من حقوق المنصورة إلى حقوق المنوفية وتساءل: هل حصل ابنه على الامتحانات وتم تسريبها له؟
كل ما سبق لم يعد سرّا وكانت الاتهامات توجّه على الهواء منذ أيام فى برنامج العاشرة مساء الذى يقدمه الكاتب الكبير والإعلامى اللامع وائل الإبراشى، أى أن كل الجهات المعنية عرفت بالواقعة، ولكنها جميعًا حتى الآن لم تحرك ساكنًا، نعم هناك تحقيقات تتم فى جامعة المنوفية، ولكن كيف نطمئن إلى سلامتها وقد طالت الاتهامات الأساتذة وعمداء الكليات، كان يجب على وزير التعليم العالى المبادرة واتخاذ جميع الإجراءات لمعرفة الحقيقة وكشفها أمام المواطنين، وتحويل الجانى إلى النيابة العامة للتحقيق معه فى الجريمة والتى لن تخرج عن حالتين: إمّا أن كلام الدكتور البدرى صحيح وارتكب عميد الكلية وأساتذتها المتورطون معه جريمة تسريب الامتحانات لأبنائهم واستفادوا من مواقعهم لتحقيق أغراض ومنافع خاصة لهم ولأسرهم على حساب باقى الطلاب، وإمّا أن الدكتور البدرى كاذب ويجب معاقبته على إثارة البلبلة بين الطلاب.
وأيّا ما كانت الحقيقة فإن الكارثة وقعت بالفعل، إذا صدق البدرى فى اتهاماته فإن الكارثة سيدفع ثمنها المجتمع من وصول من لا يستحق إلى مواقع مهمة بالغش والواسطة والمحسوبية، وإذا تم تعيين أبناء الأساتذة الغشاشين فى الجامعة وأصبحوا أساتذة بها فما هى القيم التى سيعلمونها للطلاب؟ وكيف سيدرسون لهم المواد القانونية وقواعد الدستور وهم مخالفون لها ومرتكبون جريمة كبرى، وإذا تم تعيينهم فى السلك القضائى فكيف نطمئن إلى أحكامهم وعدالتهم وعدم رضوخهم للمصالح والوساطة، وأيضًا سيشعر باقى الطلاب الذين لا حظوة لهم ولا نفوذ لآبائهم باليأس وانعدام العدالة، مما يتسبب فى إحباطهم وينعكس كل ذلك على انتمائهم للبلد.
وإذا كان كلام الدكتور البدرى غير صحيح فما هو العِلم الذى أعطاه للطلاب على مدى سنوات وهل علّمهم كيف يطلقون الشائعات ومنهم من سيصبح قاضيًا أو أستاذًا فى الجامعة أو محاميًا يدافع عن المظلومين بعد أن تشبع بتعاليمه الهدامة؟ أعتقد أن الأمر أكبر من جامعة المنوفية، ولكن ما حدث فيها يمنحننا فرصة لفتح ملف التوريث فى الجامعات كلها وفى كل المجالات، وهى قضية فى غاية الخطورة إن ثبت صحتها، لأنها تشيع روح الإحباط بين الأجيال الجديدة نتيجة انعدام الفرص المتساوية وعدم الحصول على الحقوق، التوريث جريمة والمجتمع يدفع ثمنها، ولهذا لا يجب السكوت عليها فالسكوت هنا ليس من ذهب، ولكنه أكبر الكوارث.