الإثنين 19 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
إهانة الأقباط.. وأمراض جامعتنا!

إهانة الأقباط.. وأمراض جامعتنا!


غضب الأقباط (ومعهم كل الحق) مما جاء فى كتاب يتم تدريسه لطلبة الدراسات العليا بكلية حقوق عين شمس، فقد أحسوا بالإهانة بسبب عدة فقرات فى كتاب «الصراعات الإنسانية فى الفكر الوضعى والديانات السماوية» للدكتور ربيع أنور فتح الباب، وتحتوى على ازدراء للمسيحية والقساوسة والرهبان والكنيسة، حيث كتب: «القساوسة أو رجال الدين لعبوا دورًا سلبيًا فى الديانة المسيحية واستغلوا مكانتهم الدينية فى ارتكاب المعاصى والآثام لتحقيق أطماعهم ونزواتهم المادية والمزاجية» «الإسلام لا يعرف الكسل والتراخى فى طلب الرزق كما عرفته المسيحية» «تنظر المسيحية  للمرأة أنها أصل الشرور والفساد والشهوة والفتنة»، «التاريخ المسيحى زاخر بما كانت تمارسه الكنيسة وما تمارسه حتى اليوم من مفاسد ومزاعم ومظالم وشعوذة» «وأصبح المسيحيون اليوم ينظرون إلى المال بوصفه العنصر الأهم والأساسى فى حياتهم الفردية والاجتماعية يجب الحصول عليه بكل الوسائل ولو على حساب حياتهم أو عن طريق إشعال الحروب وزرع الفتن بين الأفراد والدول المختلفة».. هذه العبارات والأفكار يدرسها أستاذ قانون دستورى وإدارى لطلاب الدراسات العليا فى كلية يعمل معظم خريجيها بالقضاء والمحاماة، ومن المفترض أنهم يهدفون إلى  تطبيق القانون والدستور، والمفارقة أنها عبارات أقل ما توصف بأنها خارجة على القانون ومخالفة للدستور إذ تحمل تمييزًا وتحريضًا على الكراهية وقد نص الدستور فى المادة 53 على أن  «التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون»، ولكى ندرك حجم غضب المسيحيين علينا أن نستبدل كلمة المسلمين بالمسيحيين،  ونضع كلمة الإسلام بدلًا من المسيحية، ووقتها سندرك مدى الإهانة وكم الغضب، إننا نغضب ولنا الحق عندما يوصف الإسلام بالإرهاب أو المسلمين بالإرهابيين، لمجرد أن عددًا من المنتمين إليه اسمًا يقومون بعمليات إرهابية، وهو تعميم غير علمى مثلما أن العبارات الواردة فى الكتاب المغضوب عليه أيضًا غير علمية وبها تعميم لا يليق بالأبحاث العلمية والكتب الرصينة، وإذا كانت القضية الآن أمام النيابة والقضاء بعد أن تقدم أحد المحامين ببلاغ إلى النائب العام ضد مؤلف الكتاب، كما أن جامعة عين شمس أصدرت قرارًا بوقف تدريس الكتاب وكلفت لجنة من خارج الجامعة لبحث ما ورد به فإن ذلك لا يجعلنا نهمل قضية أخرى مهمة فجرتها هذه الأحداث وهى التعليم الجامعى والمناهج التى يدرسها الطلاب وأسلوب التدريس، وهل تساعد على النقاش والبحث العلمى والحوار الجاد أم أنها تقف عند حدود التلقين والحفظ؟وتظل مهمة الطالب هى مذاكرة كتاب الدكتور المقرر عليه وحفظ ما جاء به من معلومات صماء، أو تبنى وجهة نظر الدكتور وإعادة كتابتها فى ورقة الإجابة من أجل النجاح؟ وماذا يحدث إذا ناقش طالب أستاذًا له فيما جاء بكتابه من آراء ونظريات واختلف معه؟ هل يتقبلها الدكتور أم سيضطهد الطالب المجتهد؟ مثلا ماذا سيكون رد فعل الدكتور صاحب الكتاب الأزمة إذا وقف طالب رافضًا ما جاء بالكتاب من آراء ضد المسيحية ورجال الدين المسيحى؟ أو بنفس المنطق قال له إن الإسلام لا يحترم المرأة وجاء بنصوص من كتب التراث للتدليل على كلامه وهى نصوص لا تتفق مع صحيح الإسلام؟ هل سيقبل النقاش والحوار أم سيمنعه من الكلام إن لم يحرمه من الامتحان أو النجاح فى المادة؟ إننى هنا أضرب مثلا ولا أعنى الدكتور صاحب المشكلة بشخصه وإنما أتكلم عن قضية عامة، أعتقد أن هذه الحادثة فرصة لفتح نقاش موسع عن التعليم الجامعى وتدهور مستوى البحث العلمى والتضييق فى الحريات الأكاديمية وكلها قضايا مهمة تأخرنا كثيرًا فى طرحها حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، ما حدث ليس إهانة للمسيحيين فقط، ولكنها إهانة للجامعة وللبحث العلمى وكاشفة لأمراض جامعتنا.